صرامة البنوك المركزية باقية .. على المستثمرين التعايش معها

صرامة البنوك المركزية باقية .. على المستثمرين التعايش معها

على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، قدمت المملكة المتحدة للعالم "دروسا يجب عليه تعلمها"، حسبما قال بنك إنجلترا، أكثر من أي سوق أخرى منذ أزمة الولايات المتحدة في 2008.
سيتم تأليف كتب كاملة لوصف المشاهد المذهلة في أسواق السندات البريطانية الهادئة عادة منذ الإعلان عن الميزانية "المصغرة" في 23 أيلول (سبتمبر)، وستكون فيها فصول بعنوان "صانعو السياسات الحكومية: لا تفعلوا هذا أو ذاك".
أحد الدروس الرئيسة التي ينصح أن يأخذها المستثمرون في الحسبان هو أن البنوك المركزية تعني ما تقوله حقا هذه المرة. هي لا تهتم لحجم الأموال التي ستخسرها أنت، حتى لو تراجعت الأسهم العالمية 26 في المائة هذا العام بدون أن تتم الموازنة المعتادة للعوائد الأعلى من السندات.
ببساطة لا يمكن أن تخرج البنوك المركزية عن مسارها من ارتفاع حاد في أسعار الفائدة لسحق التضخم الذي فشلت بداية في توقع حدوثه ثم أقسمت أنه سيكون مؤقتا. هي ليست في حالة مزاجية تخولها لفعل أي شيء من أجل دعم المخاطر الأخلاقية أو المخاطرة بدفع التضخم بعيدا حتى عن أهدافها.
لتلخيص وضع المملكة المتحدة لأي شخص كان محظوظا بما فيه الكفاية في أن يفوته: كانت الأسواق تبدو قاتمة على مستوى العالم، حيث كان التضخم مستحكما بينما تضغط معظم البنوك المركزية الكبرى على مكابحها النقدية.
في 23 سبتمبر، تدخل كواسي كوارتينج - الذي كان وزيرا للمالية عندما بدأت كتابة هذا المقال قبل إقالته - من خلال ميزانية "مصغرة" تضمنت أكبر تخفيضات ضريبية غير ممولة منذ 50 عاما وزيادة كبيرة في الاقتراض، وكلها تستند إلى افتراضات النمو التي لم تخضع للتدقيق الخارجي المستقل.
تراجعت أسواق السندات الحكومية في المملكة المتحدة، وانخفضت الأسعار بسرعة، وكانت الجوانب الفنية المتعلقة باستراتيجيات التحوط تعني أن بعض صناديق المعاشات التقاعدية كان عليها أن تبيع مزيدا من السندات. أوقف بنك إنجلترا هذه الدوامة من خلال تقديم عرض لشراء السندات الحكومية منها، ودعم ذلك لاحقا بمزيد من الإجراءات لتعزيز السيولة، وشراء السندات المرتبطة بالتضخم لفترة انتهت الجمعة الماضي.
لقد قدم كل هذا بالفعل مزيدا من الإثارة لمخضرمي سوق السندات الحكومية أكثر من أي وقت مضى. لكن صدمة جديدة جاءت متأخرة الثلاثاء الماضي، عندما قال أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا إنه جاد: هذا الدعم سينتهي حقا الجمعة. لن يكون هناك تمديد للدعم.
لكن بعد العقد والنصف الماضيين، من الصعب تغيير اعتقاد المستثمرين بأن للمساعدة المؤقتة طريقة سحرية كي تصبح شبه دائمة، وأن محافظي البنوك المركزية سيعتنون بهم. لكن بيلي كان صريحا أثناء حديثه في إحدى المناسبات في واشنطن. قال "لقد أعلنا أننا سننهي الدعم بحلول نهاية هذا الأسبوع الماضي. رسالتي إلى صناديق المعاشات التقاعدية هي أنه بقي أمامكم ثلاثة أيام".
لكن لم يحظ التصريح بقبول جيد. امتلأ هاتفي برسائل فيها تساؤلات عما يخطط محافظ بنك إنجلترا لفعله، واتفق الجميع على أن الكارثة تنتظرنا. في الواقع، اتضح أنها كانت خطوة ذكية. فجأة، ارتفع الإقبال على تسهيل شراء السندات للبنك المركزي. بعدها أدرك المشاركون في السوق أنهم لا يستطيعون الانتظار على أمل أن يشتري بنك إنجلترا السندات منهم بسعر أفضل. كان عليهم أن ينجزوا المهمة، هذا في الحقيقة ليس شكلا من أشكال الدعم النقدي المستتر.
على عكس المتوقع، تمكن البنك المركزي من السيطرة على السوق ووضع حدا لما كان يبدو كأنه صعود غير منظم في العوائد. من المرجح أن يكون أي شكل من أشكال الدعم الدائم لاستقرار السوق موجه بشكل ضيق للغاية.
يقول توماس ويلاديك، الاقتصادي في شركة تي رو برايس "لم يرغب بنك إنجلترا في أن يعتقد أي شخص أنه سيتم إنقاذه".
هذا هي بالضبط الصرامة التي يجب أن يتعلم المستثمرون التعايش معها.
يجد بعض مديري الصناديق أنه من الأسهل التكيف مع هذا الواقع الجديد أكثر من غيرهم. كاثي وود من شركة آرك إنفيسمنت مانيجمنت - سيدة أسهم النمو وبطلة الابتكار - من ضمن الذين يجدون صعوبة في التكييف، وقد لا يكون ذلك مستغربا بالنسبة إلى من انخفض صندوقها الرئيس المتداول في البورصة 63 في المائة هذا العام. كتبت وود خطابا مفتوحا إلى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع الماضي: "بدافع القلق يرتكب الاحتياطي خطأ في السياسة من شأنه أن يتسبب في الانكماش".
بدت وود غاضبة من رفع الاحتياطي الفيدرالي الأخير لسعر الفائدة 0.75 نقطة مئوية، متسائلة "بالإجماع؟ حقا؟" بعد ثلاثة أيام من رسالتها، أفادت التقارير بأن معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة بلغ 8.2 في المائة، الذي كان أقل بقليل من قراءة الشهر السابق التي بلغت 8.3 في المائة. من المنطقي أن نتساءل لماذا لا تظهر الزيادات الحادة في أسعار الفائدة أي نجاح ملموس حتى الآن في خفض التضخم؟ لكن الجواب يجب أن يكون "نعم، حقا".
لا يعمل الاحتياطي الفيدرالي منعزلا. قال في محضر اجتماعه الأخير "إن بعض المشاركين لاحظوا أنه سيكون من المهم ضبط وتيرة مزيد من تشديد السياسة مع هدف التخفيف من مخاطر الآثار العكسية الكبيرة على التوقعات الاقتصادية".
لكن هذا ليس كأي إشارة جادة بأنه يفكر في مسار أكثر تساهلا. غالبا ما تكون الأخبار السيئة للاقتصادات والحياة الحقيقية أخبارا جيدة للأسواق، لأنها تشير إلى أن البنوك المركزية قد تكون أكثر سخاء مع النظام المالي. لكن من الواضح بشكل متزايد أننا سنحتاج إلى صدمة رهيبة حقا حتى ينجح ذلك الآن.

الأكثر قراءة