فوضى سوق السندات تطلق "قنبلة موقوتة" في صناعة المعاشات التقاعدية
يتذكر اللورد سايمون ولفسون، الرئيس التنفيذي لشركة نيكست، أنه عندما قدم المستشارون عرضهم لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية لأحد أكبر تجار التجزئة في بريطانيا، بدوا "واثقين جدا بأنفسهم".
وعد المستشارون بأن "الاستثمار المدفوع بالالتزامات " كان وسيلة خالية من الضغط لحماية الصندوق من التقلبات في أسعار الفائدة باستخدام المشتقات.
هناك عبارة واحدة لا تزال عالقة في ذهن ولفسون منذ اجتماع 2017، "ضعه في الدرج، وأقفل الدرج وانس أمره".
لكن ولفسون وفريقه رفضوا هذه الخطة في النهاية. قال ولفسون، "إذا كنت آخذ البيانات التاريخية فقط، عندها ستبدو قوية للغاية. لكن الدرس العظيم المستفاد من الأزمة المالية هو أنه لا يمكنك النظر إلى الماضي باعتباره وسيلة مضمونة للتنبؤ بالمستقبل. في النهاية، نحن لا نهتم بما تقوله جداول البيانات، لم نشعر براحة تجاه الأمر، ولذلك قررنا عدم القيام به".
تمادت شركة نيكست إلى حد تحذير بنك إنجلترا من أن استراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات، التي يستثمر فيها حاليا 1.5 تريليون جنيه استرليني في المملكة المتحدة، "بدت كأنها قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار".
الأسبوع الماضي، حدث الانفجار. بعد أن أعلن كواسي كوارتنج وزير المالية، تخفيضات ضريبية غير ممولة بقيمة 45 مليار جنيه استرليني في 23 أيلول (سبتمبر)، انخفض الجنيه الاسترليني، وخلال الأيام القليلة التالية ارتفعت عوائد السندات الحكومية البريطانية على أمل زيادة الاقتراض.
يتم قياس التزامات خطة المزايا المحددة في المملكة المتحدة مقابل معدلات الفائدة طويلة الأجل هذه، وبشكل عام، تعد العوائد المرتفعة مفيدة، حيث إنها تقلص التزامات الشركات المستحقة تجاه المتقاعدين.
لكن استراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات تستخدم مجموعة متنوعة من المشتقات للسماح لخطط المعاشات التقاعدية بزيادة تعرضها للسندات الحكومية، دون أن تمتلك بالضرورة السندات مباشرة. عندما تنخفض أسعار السندات، تطلب الأطراف المقابلة مزيدا من النقد كضمان للحفاظ على هذا الترتيب قائما.
أدى الانخفاض المفاجئ في أسعار السندات الحكومية إلى اندفاع طلبات النقد. لجمع الأموال، اضطرت الصناديق إلى بيع الأصول، بما في ذلك السندات الحكومية، ما أدى إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار والمخاطرة بدخول "التأثير السلبي المتبادل بين المصارف الضعيفة والحكومات المثقلة بالديون".
قال سيمون بنتلي، رئيس إدارة حلول محافظ العملاء في المملكة المتحدة في شركة كولومبيا ثريدنيدل، "كانت سرعة وحجم التحرك في سوق السندات الحكومية غير مسبوقة. كان هناك نحو أربعة أيام متتالية من "الأحداث المفاجئة ذات العواقب الوخيمة" من حيث تحركات السوق".
استجابة لطلبات المساعدة من صناعة المعاشات التقاعدية وإدارة الأصول، تدخل بنك إنجلترا في وقت سابق من هذا الشهر، واعدا بشراء ما يصل إلى 65 مليار جنيه استرليني من السندات الحكومية طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار في السوق.
قال أويفين ديفيت، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة مونيتا للاستشارات المالية، "لم يكن حدث الأزمة في نماذج أي أحد، لكنه لم يكن مستبعدا تماما".
تعود جذور تبني المملكة المتحدة للاستثمارات المدفوعة بالالتزامات إلى تغيير محاسبي كبير في 2000، الذي أجبر الشركات على الاعتراف بوجود عجز في الميزانيات العمومية لصناديق المعاشات التقاعدية.
عندما تم تقديم تلك القاعدة، كان داويد كونوتي-أهولو العضو المنتدب في مصرف ميريل لينش في لندن، حيث كان يعمل في مجموعة حلول المعاشات التقاعدية والتأمين التابعة للمصرف. قال إن المعيار المحاسبي الجديد "غير اللعبة" بالنسبة إلى الشركات البريطانية، حيث دفع بخطط المزايا المحددة، التي تعد بدفع المعاشات التقاعدية للموظفين عند مستوى ثابت، أحيانا بناء على أجرهم النهائي، إلى "حالة من عدم اليقين".
" ببساطة لم تعلم الشركات ما إذا كان لديها أصول كافية لدفع المعاشات التقاعدية لجميع أعضائها عند استحقاقها"، كما أنه جعل من الصعب على الشركات الراعية لها أن تخطط أو تستثمر للمستقبل.
كان كونوتي-أهولو جزءا من فريق في مصرف ميريل طور الاستثمار المدفوع بالالتزامات في محاولة "لتحصين" خطط المزايا المحددة ضد التحركات الكبيرة في أسعار الفائدة والتضخم. بحلول 2003، كان قد عرض الاستراتيجية على أكثر من 200 شركة دون أن يجد من يتبناها. أخيرا، بعد سلسلة طويلة من المناقشات، وافقت مجموعة الخدمات المالية فريندز بروفيدنت على تبني استراتيجية الاستثمار المدفوع بالالتزامات لصندوق المعاشات التقاعدية الخاص بها. دخلت في سلسلة من مقايضات التضخم طويلة الأمد مع مصرف ميريل للتأمين ضد الانخفاض في العائدات الحقيقية.
منذ ذلك الحين، نمت صناعة كاملة لبيع، وإدارة وتقديم المشورة بشأن استراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات. بالنسبة إلى شركات إدارة الأصول، بما في ذلك "ليجال أند جنرال إنفسمنت منجمنت"، و"إنسايت إنفسمنت"، و"بلاك روك وشرودرز"، يعد هذا نشاطا بهامش منخفض لكن كبير الحجم. تحتوي أكبر المخططات على الجزء الأكبر من أصولها الاستثمارية المدفوعة بالالتزامات في تفويضات منفصلة، حيث تراوح الرسوم بين 0.1-0.2 في المائة سنويا، لكنها قد تغطي 80-90 في المائة من التزامات الخطة. يميل العملاء الأصغر إلى التعاون معا في صناديق مجمعة للاستفادة من الحجم وتخفيض الأسعار. كانت معظم المشكلات الأخيرة متركزة في الصناديق المجمعة حيث تكون هناك مرونة أقل.
على الرغم من الاضطرابات الأخيرة، يظل كونوتي-أهولو واحدا من أكبر مؤيدي الاستثمار المدفوع بالالتزامات ويقول إن المفهوم الأساسي لا يزال سليما. لكنه يقر حتى بأن التعقيد فيها يمثل مشكلة، مع إدارة الضمانات الصعبة والمجموعة من أدوات مقايضات إجمالي عائد السندات الحكومية إلى اتفاقيات إعادة شراء السندات الحكومية ومقايضات التضخم. قال، "بلا شك تكمن المشكلة في أن الناس لا يفهمونه حقا. الأمر مشابه لمحاولة شرح بعض جوانب فيزياء الكم لأشخاص ليسوا في الحقيقة فيزيائيين".
غالبا ما يكون المستشارون هم المدافعين الرئيسيين. قال إيدي ترويل، الرئيس السابق لهيئة صندوق المعاشات التقاعدية في لندن، الذي يدير الآن مجموعة الأسهم الخاصة دسرابتف كابيتال، "مستشارو الاستثمار يحبون الاستثمار المدفوع بالالتزامات. إنه معقد للغاية لذا لا أحد يفهمه، وبالتالي يمكنهم أن يبدو أذكياء ويكسبوا رسوما. بالنسبة إلى نحو 99 في المائة من الأمناء فإنه أمر غير واضح على الإطلاق".
ديفيد فاليري، الرئيس التنفيذي لصندوق لوثيان بنشين فند، الذي يمتلك أصولا بقيمة ثمانية مليارات جنيه استرليني في الأسهم والسندات والبدائل - لكن دون تعرض للاستثمار المدفوع بالالتزامات. قال، "نحن لسنا متطورين بما يكفي إذا سار شيء على نحو خاطئ".
لكن ضمن مجتمع صناديق المعاشات التقاعدية البريطانية، كان المشككون هم الاستثناء إلى حد كبير. فقد أصبح الاستثمار المدفوع بالالتزامات معتمدا على نطاق واسع من قبل 5200 خطة ذات مزايا محددة في المملكة المتحدة، التي تضم أكثر من عشرة ملايين عضو و1.5 تريليون جنيه استرليني تحت الإدارة.
يقول مديرو المخططات والأصول إنه في بيئة السوق التي ميزت العقدين الماضيين، فقد أثبت فاعليته. أدت سوق السندات العالمية الصاعدة إلى ارتفاع الأسعار وخفض العوائد، ما يعني أن صناديق المعاشات التقاعدية التي لم تتحوط ضد هذه التحركات وجدت نفسها تحاول توليد عوائد للوفاء بالالتزامات المتزايدة باستمرار. كان الافتقار إلى التحوط أو عدم كفاية التحوط في شركات مثل مجموعة البناء كاريليون ومجموعة أركاديا للتجزئة من العوامل التي أسهمت في إفلاسها، وفقا لخبراء المعاشات التقاعدية.
تقدر شركة بي دبليو سي للخدمات المهنية أن صناديق المعاشات التقاعدية انتقلت من عجز قدره 600 مليار جنيه استرليني قبل عام إلى فائض قدره 155 مليار جنيه استرليني، انخفضت الالتزامات إلى النصف من 2.4 تريليون جنيه استرليني إلى 1.2 تريليون جنيه استرليني. في آب (أغسطس) من هذا العام، كان أكثر من 20 في المائة من صناديق المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة في حالة عجز، وأكثر من 40 في المائة كانت كذلك قبل عام، وفقا لبنك إنجلترا.
قال آندي كونيل، رئيس الحلول في شركة شرودرز، التي لديها 55 مليار دولار في أعمالها الاستثمارية العالمية المدفوعة بالالتزامات، "أنقذ الاستثمار المدفوع بالالتزامات المخططات من العجز الكبير غير المقبول، كما أنقذ الجهات الرعاية من زيادة المخططات باستمرار. تمكنوا من الاحتفاظ بالنقود في الأعمال لدفع الأجور والاستثمار وتوزيع الأرباح. كانت استراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات منفعة مجتمعية عظيمة للمملكة المتحدة والاقتصاد".
على الرغم من أن تدخل بنك إنجلترا أدى إلى تهدئة السوق، إلا أنه لم ينه اندفاع خطط المعاشات التقاعدية نحو السيولة. طالبت الأطراف المقابلة بمزيد من الضمانات للتخلص من المخاطر في المشتقات. هناك مخاوف من أنه عندما ينتهي برنامج بنك إنجلترا لشراء السندات لمدة أسبوعين هذا الأسبوع، سيعود التقلب.
قال كالوم ماكنزي، الشريك الاستثماري في شركة إيه أو أن الاستشارية، "نحن نرى كثيرا من الأنشطة التي تستغرق عادة شهورا في عالم صناديق المعاشات التقاعدية تتم في غضون أيام. هذا يضع ضغطا هائلا على النظام".
يعتقد نايكش باتيل، رئيس حلول العملاء في شركة فان لانسكوت كيمبين، أن خطط المعاشات التقاعدية في المجمل يجب أن تقدم ما يصل إلى 280 مليار جنيه استرليني لإعادة رسملة تحوطها بشكل كامل لسعر الفائدة تضخم بمستويات منخفضة جديدة من المديونية. هذا إضافة إلى 200 مليار جنيه استرليني التي كان على الخطط تقديمها بالفعل لتلبية طلبات ضمان الاستثمار المدفوع بالالتزامات.
يتمثل أحد الخيارات في التخلي تماما عن استراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات، لكن هذا يترك خطط المعاشات التقاعدية عرضة لتقلبات أسعار الفائدة والتضخم في المستقبل.
تقول سونيا لاود، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة إل جيه أي إم، "تشير المؤشرات الأولية إلى أن معظم عملائنا يريدون الحفاظ على نسبة التحوط الخاصة بهم سليمة وتزويدنا بمزيد من الضمانات".
يطلب من الأمناء الذين يمكن تحميلهم المسؤولية الشخصية عن خسائر المعاشات التقاعدية الموافقة على عجل على مبيعات الأصول على الرغم من أن الوضع التمويلي الدقيق لكثير من المخططات لا يزال غير واضح نتيجة لتقلبات السوق الأخيرة.
في مذكرة اطلعت عليها صحيفة "فاينانشال تايمز"، نصح المستشار بارنيت وادينجهام أحد الصناديق ببيع نحو 20 في المائة من أصولها على الرغم من حالة عدم اليقين التي تحيط بشؤونها المالية.
تستمر المعاشات التقاعدية في بيع الأصول بهدف الحصول على عائد - بما في ذلك التعرض للممتلكات، وديون الشركات والائتمان الخاص - واستبدالها بالنقد والسندات الحكومية، من أجل الاستعداد لطلبات السيولة. إنهم يحاولون تجنب الاضطرار إلى بيع الأصول الخاصة بخصم كبير.
كل هذا من أجل الحفاظ على محافظهم قبل أن يرفع بنك إنجلترا دعمه لسوق السندات الحكومية في 14 تشرين الأول (أكتوبر). قال دان ميلي، الشريك في شركة ميرسر الاستشارية، "إن تدخل بنك إنجلترا لم ينه المشكلة".
أشار بنك أوف إنجلترا إلى أنه لن يمدد تسهيلات شراء السندات الحكومية إلى ما بعد الأسبوع المقبل، وفقا للمشاركين في السوق. يحث كيرين روزنبرج، الرئيس التنفيذي لشركة كردانو، للاستشارات وإدارة الاستثمارات، بنك إنجلترا على عدم اعتبار أن "المهمة قد أنجزت" في 14 تشرين الأول (أكتوبر). يقول، "على المصرف أن يكون مستعدا لاتخاذ هذا الإجراء مرة أخرى، إذا احتاج إلى ذلك. في حين أن الصناعة قادرة على تحمل مزيد من التقلبات إلا أن لذلك حدودا. إننا على علم من خلال محفظتنا ومن عملائنا أن هناك قدرا معينا فقط من مخزون الضمانات".
قال مستشارون إنه قد تكون هناك دعاوى قضائية في المستقبل. ويتم طرح الأسئلة حول ما إذا كان هناك تنظيم كاف للقطاع. يدعي منظم المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة أن "النظام تعامل" مع اضطراب السوق الأسبوع الماضي، لكن النواب سيحققون في دوره في الإشراف على آلاف خطط المعاشات التقاعدية التي وقعت في مرمى النيران.
يواجه مستشارو الاستثمار، الذين واجهوا مطالبات بزيادة التنظيم بعد أن تم إغلاق صناديق العقارات في أعقاب استفتاء بريكست، تدقيقا جديدا. تجري هيئة السلوك المالي تمرين "الدروس المستفادة" مع مديري الأصول.
في الوقت نفسه، ينظر المنظمون، ومديرو الأصول وخطط المعاشات التقاعدية على مستوى العالم إلى المملكة المتحدة على أنها اختبار، في محاولة لاستيعاب الآثار المحتملة على أسواقهم. قال أرييل بازيلال، مدير الصندوق في شركة جوبيتر، "كان ذلك بمنزلة تنبيه حقيقي. الجميع يشعرون بالخوف ويتسألون، ما الذي حدث بالضبط لهذه الصناديق التي تستخدم استراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات؟ هل هناك شخص أو بلد آخر يمكن أن يتضرر؟".
لكن البعض يشعر بالقلق من أن البحث عن الذات لن ينجح. قال ديفيت، "يدخل المديرون في نماذجهم افتراضات للوضع الراهن الذي ربما يكون قد تطور بشكل جيد. لست متأكدا مما إذا كنا قد وضعنا للتو ضمادة على المشكلة أو فحصناها فعليا بشكل هيكلي (...) لست متأكدا من أن تغيير طريقة التفكير يحدث بسرعة كافية فيما يتعلق بما إذا كان هذا هو الحل الصحيح للنظام التالي. نحن نميل إلى خوض المعركة الأخيرة".