وقفات بين المضاربة والاستثمار
سوق الأسهم من أوعية الاستثمار المفضلة لدى كثيرين لأسباب عدة، منها: سهولة الحصول على السيولة بسرعة، كذلك سهولة البيع والشراء، أو البيع الجزئي حسب الحاجة، إلى جانب حماية الأموال من تأثير التضخم. وعلاوة على ذلك، فإن مكاسب الاستثمار في الأسهم في بعض الأسواق، كالسوق الأمريكية، تفوق الاستثمار في السندات والعقارات ونحوها، لكن نسبة المخاطرة أعلى من بعض أوعية الاستثمار، خاصة عند المضاربة في الأسهم دون خبرة، أو بالاعتماد على الشائعات والتخمينات.
من المعروف أن الأشخاص يقومون في حالة المضاربة أو التداول اليومي السريع، بالبحث عن النمو، بالاعتماد على أدوات التحليل الفني للتنبؤ بالاتجاه الصاعد أو الهابط للسوق أو لأسهم شركات معينة، لكن العوائد في كثير من الحالات سريعة وغير مؤكدة. في المقابل، يبحث المستثمر عن الاستثمار طويل المدى، بالاعتماد على التحليل الأساسي، مع الابتعاد عن الشركات ذات المخاطرة العالية جدا والمركز المالي الضعيف، للحصول في النهاية على عائد جيد بعيدا عن المخاطر، وفي الغالب يكون لدى المستثمر محفظة متوازنة تشتمل على عدد من الشركات، في حين يتداول المضارب في أسهم عدد محدود من الشركات.
ولا شك أن "المضاربة" أو التداول السريع يعد أكثر خطورة لأنه ينطوي على كثير من المقامرة والتكهنات، والقرارات السريعة التي تقوم على تخمينات ومراهنات، وما يزيد الخطورة أن المضارب لا يعتمد على تنويع الشركات، لصعوبة مراقبة ومتابعة عدد كبير من الصفقات، وكذلك طمعا في ربح كبير في حال صعود وهبوط المؤشر.
وإغراء التداول السريع أو المضاربة يكمن في أن المتداول يطمع في عوائد عالية تفوق طموحات المستثمرين التي تراوح بين 8 و10 في المائة سنويا. وبالفعل يحقق بعض المضاربين أضعاف هذه النسب، لكن المستثمر يمكن أن يحقق ذلك أو حتى يتفوق من حيث المكاسب على المدى الطويل دون قلق أو ضغوط نفسية، نتيجة انخفاض المخاطر وتجنب التقلبات. ورغم أن هذه الاستنتاجات تقوم على تجربتي الذاتية في التداول على مدى ثلاثة عقود، فإن ذلك قد لا يحلو للبعض، الذين يرغبون في تحمل المجازفة من أجل كسب عوائد كبيرة وسريعة. ولا أنكر أن الطمع يغري كثيرا، ويؤدي إلى التهور أحيانا! لذلك أقترح لتحقيق لذة المجازفة والمقامرة تخصيص نسبة لا تزيد على 20 في المائة من إجمالي الاستثمار للمضاربة السريعة، ويفضل أن تكون في محفظة منفصلة عن المحفظة الاستثمارية.
باختصار، في السوق السعودية يمكن أن تكون المضاربة وسيلة مثيرة لكسب سريع، لكنها يمكن أن تؤدي إلى خسائر فادحة، على عكس منهج الاستثمار الذي يعود بمكاسب صغيرة على المدى القصير دون خسائر فادحة، ويؤدي - في الأغلب - إلى مكاسب كبيرة على المدى الطويل تفوق ما يحققه التداول السريع وقصير المدى "المضاربة"، خاصة إذا استطاع المستثمر دعم المحفظة عند انخفاض السوق بشراء أسهم إضافية في بعض الشركات بأسعار منخفضة. فعلى سبيل المثال، أعطى الاستثمار في بعض الشركات القوية في السوق السعودية مكاسب كبيرة جدا، خاصة في شركات، مثل: سابك والراجحي والإنماء والأهلي والحبيب ودله ومكة ومعادن وغيرها. وأخيرا من أسوأ ممارسات التعاطي في الأسهم أن الأسعار ترتفع وتنخفض ما بين يوم وآخر، ما يضطر بعض الأفراد إلى الشراء بدافع الجشع، ثم البيع بسعر منخفض بدافع الخوف، أو الارتباط العاطفي بسهم معين.