المحافظون غاضبون والأسواق مضطربة .. ما السبيل لنجاة تراس؟

المحافظون غاضبون والأسواق مضطربة .. ما السبيل لنجاة تراس؟

يوم الخميس قال كواسي كوارتنج "لن أذهب إلى أي مكان"، لكنه بعد ذلك غادر في عجلة حفل استقبال في مقر إقامة سفير المملكة المتحدة في واشنطن، في ليلة ممطرة للحاق بالطائرة الأخيرة المتجهة إلى لندن.
بحلول وقت الغداء يوم الجمعة، كان الوزير قد أقيل بعد أن تسببت ميزانيته "المصغرة" التي تغذيها الديون، في ذعر الأسواق، وأفضت إلى مذبحة سياسية. فترته في منصب وزير المالية التي امتدت إلى 38 يوما كانت ثاني أقصر فترة في نحو قرنين من الزمان. لم يتفوق عليها سوى سياسي توفي بنوبة قلبية.
عبر قطع علاقاتها مع كوارتنج أصرت ليز تراس رئيسة الوزراء على أنها كانت تتصرف بشكل حاسم لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، متراجعة في الوقت نفسه عن قرار يمنع زيادة، مخطط له سابقا في ضريبة الشركات.
قالت في خطاب قصير الجمعة، تضمن الاعتراف ببعض المسؤولية المباشرة عن الاضطرابات المالية في الأسابيع الماضية "الطريقة التي نؤدي بها مهمتنا الآن يجب أن تتغير. يجب أن نتصرف الآن لطمأنة الأسواق بانضباطنا المالي".
لكن بعد أكثر من شهر بقليل من توليها المنصب ووعدها بتشكيل حكومة محافظة راديكالية جديدة، تخفض الضرائب، تواجه تراس الآن خرابا سياسيا، حيث يتم رفض سياستها الاقتصادية من قبل الأسواق والناخبين ونوابها.
السير جون كيرتس، أحد رواد استطلاعات الرأي، يقول متشائما "إن تراس لا تحظى بالشعبية الآن، كما حدث مع جون ميجور رئيس الوزراء الأسبق، في أعقاب أزمة (الأربعاء الأسود) التي عصفت بالاسترليني في 1992 التي كانت آخر مواجهة لحزب المحافظين مع كارثة اقتصادية. بعدها استغرق الحزب 18 عاما للفوز في انتخابات أخرى".
مع بدء تراس في تفكيك الميزانية "المصغرة" التي تم الكشف عنها قبل ثلاثة أسابيع فقط، فإن السؤال الذي يطرحه نواب حزب المحافظين، والأسواق والجمهور الأوسع هو: إلى متى يمكن لهذه الحكومة أن تبقى؟
وصلت تراس، التي خلفت بوريس جونسون رئيسة للوزراء في السادس من أيلول (سبتمبر)، إلى السلطة عازمة على أن تثبت لما تدعوه "بالتحالف المناهض للنمو" أن برنامجا صارما للتخفيضات الضريبية وتمزيق البيروقراطية يمكن أن يهز الاقتصاد البريطاني ويخرجه من سبات النمو المنخفض.
لكن بعد ثلاثة أسابيع من فوضى السوق، وارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض شعبيتهم في الاستطلاعات ـ أصبح المحافظون الآن متأخرين عن المعارضة العمالية بما يراوح بين 20 و30 نقطة - اكتشفت أن قائمة معارضي استراتيجية النمو التي تبجحت بها كانت تضم كثيرا من نوابها.
قال أحد أعضاء مجلس النواب من حزب المحافظين الذي كان مصدوما "يبدو أن التحالف المناهض للنمو هو الجميع، باستثناء الجناح اليميني لحزب المحافظين"، ويضيف وزير سابق في مجلس الوزراء "لقد دمرت الحزب، ودمرت الدولة، ودمرت آفاقنا في الانتخابات العامة المقبلة".

ضرر سياسي هائل

في اجتماع بين تراس ونوابها في وستمنستر الأربعاء، تم تحذيرها مرارا وتكرارا من أن سياساتها لا تسبب فقط أضرارا اقتصادية - ارتفعت معدلات الرهن العقاري بعد عمليات بيع كبيرة في سندات الحكومة البريطانية - بل تسبب أيضا أضرارا سياسية هائلة.
في إحدى اللحظات الحرجة، اتهم روبرت هالفون النائب من حزب المحافظين، تراس بأنها "دمرت" عقدا من العمل من قبل قادة محافظين متعاقبين لكسب ناخبي الطبقة العاملة. يقول أحد حلفاء تراس "إن رئيسة الوزراء كانت الأربعاء في مكان صعب للغاية، كانت ضد أي منعطفات"، لكن هذا المزاج تغير بعد اجتماع لجنة مؤلفة من 1922 من منتسبي حزب المحافظين.
كانت رئيسة الوزراء قادرة على أن ترى من الجو في الغرفة - وقد تم تحذيرها بصراحة من قبل الحلفاء فيما بعد - أن الانضباط الحزبي قد انهار، وما لم تتراجع على الفور فإن الضغط لإقصائها من داونينج ستريت قد يصبح غير قابل للإيقاف.
كانت الخزانة وداونينج ستريت يأخذان استطلاعات رأي من المشاركين في السوق، وتلقيا رسالة واضحة للغاية. قال أحد الأشخاص المطلعين على المناقشات "قالوا ما لم تقم الحكومة بإلغاء التخفيضات الضريبية، فسيكون هناك رد فعل سيئ للغاية من السوق. أوضحوا أنهم لا يعتقدون أنه يمكن سد الفجوة عبر خفض الإنفاق وحده".
بدأ الانهيار الكبير صباح الخميس. تراس، التي اتخذت موقفا متشددا قبل 24 ساعة فقط، كانت مترنحة. في حين كان كوارتنج، الذي دافع بشدة عن الحزمة الضريبية الأصلية، في واشنطن يمجد فضائلها، كانت رئيسته في داونينج ستريت قد بدأت في الابتعاد عنها. قال أحد الأشخاص المطلعين على المناقشات المشحونة "كان كل شيء مطروحا على الطاولة".
ستنجو حزمة دعم ضخمة لفواتير الطاقة - تكلف مبدئيا 60 مليار جنيه استرليني - لكن تراس لم تدخل في السياسة لتقديم ما وصفته ذات مرة بـ"الصدقات" للناس. لقد أرادت خفض الضرائب، لكن خطتها المفضلة الآن لخفض ضريبة الشركات وإلغاء معدل الضريبة الأعلى تم استبعادها. ويعتقد بعض العاملين في وزارة المالية أن جيريمي هانت الوزير الجديد، قد يضطر إلى رفع ضرائب أخرى لزيادة المبالغ عندما يضع الخطة الاقتصادية الحكومية الجديدة في 31 تشرين الأول (أكتوبر).
اعترفت تراس الأربعاء لنوابها بأنها لم "تضع الأساس" لخطتها بشكل كاف، لكن كثيرا من نواب حزب المحافظين نسبوا الكارثة إلى الغطرسة القائمة على اليقين الأيديولوجي لمجموعة من اليمينيين، تغذيها مؤسسات الفكر اليمينية مثل معهد الشؤون الاقتصادية. قال وزير سابق في مجلس الوزراء "عندما تواجه الأقاويل السطحية الحياة الواقعية - بوم!".
لا تتعلق مشكلات تراس بالتواصل فقط، في رأي كثير من النواب في حزبها، حلولها اليمينية لمشكلات بريطانيا لا تحظى حتى بالشعبية لدى ناخبي حزب المحافظين.
قال أحد الوزراء بحزن "إننا نقدم للناس كثيرا من التخفيضات الضريبية التي لم يطلبوها، ونضطر إلى القيام بكثير من الأشياء التي لا تحظى بشعبية لندفع ثمنها".
تتعرض تراس لانتقادات شديدة من حزب المحافظين بسبب التخطيط لتقليص الفوائد التي يحصل عليها أفقر الناس في بريطانيا خلال أزمة تكلفة المعيشة، في حين تم إغراق نواب المحافظين بشكاوى من الناخبين الغاضبين الذين يواجهون زيادات شديدة في تكاليف الرهن العقاري الخاصة بهم.
مجموعات الحفاظ على البيئة - بما في ذلك الصندوق الوطني الذي يبلغ عدد أعضائه 5.3 مليون عضو - تعهدت بمقاومة إصلاحات تخطيط السوق الحرة التي أجرتها تراس ومحاولات إعادة تشغيل عمليات التكسير بالغاز الصخري، التي يزعمون أنها تهدد مواطن الحياة البرية.
تقول هيلاري ماكجرادي، رئيسة الصندوق الوطني، هيئة تعتني بالمنازل الفخمة وبالكاد تكون معقلا لليسار الراديكالي "هذا أكبر هجوم على الطبيعة، بالتأكيد في حياتي علاوة على مسيرتي المهنية".
عندما التقت رئيسة الوزراء العاهل الجديد، الملك تشارلز الثالث، ليلة الأربعاء التقطت الكاميرا تراس وهي تقول "إنه لمن دواعي سروري". وتمتم الملك "عزيزتي، يا عزيزتي (...) على أي حال". وطرحت صحيفة "ديلي ستار" في صفحتها الأولى سؤالا قالت فيه: أيهما سيبقى لفترة أطول: ليز تراس أم خسة سعرها 60 بنسا في تيسكو، سلسلة متاجر السوبر ماركت؟

عكس المسار

تراجع تراس عن ضريبة الشركات - من المتوقع أن تجمع الزيادة 18 مليار جنيه - قد يمنحها بعض الوقت، ولا سيما إذا طمأنت الأسواق بأنها تستمع أخيرا. كانت تقلبات أسواق العملات والسندات منذ الميزانية "المصغرة" في 23 أيلول (سبتمبر) جزءا من حلقة ردود الفعل السلبية في وستمنستر، ما أدى إلى تفاقم الشعور بالأزمة.
قال بنك إنجلترا، الذي اضطر إلى التدخل في حالة طوارئ في سوق السندات الحكومية لتجنب انهيار صناديق المعاشات التقاعدية، إنه سينهي عملية الإنقاذ الجمعة. كانت تراس بحاجة إلى تقديم بعض الطمأنينة للأسواق قبل الإثنين بأن الوضع تحت السيطرة.
لكن بعد ذلك؟ تأمل تراس أن يستقر الوضع السياسي أيضا ويعتقد بعض نواب حزب المحافظين أنها قد تترنح في العام الجديد. قال أحدهم "سنبدو سخيفين إذا غيرنا القائد مرة أخرى". لكن كثيرا من المحافظين يعتقدون الآن أن تراس انتهت من الناحية السياسية.
كان السير كير ستارمر، زعيم المعارضة العمالية، قد حذر زملاءه خلال الصيف من أن تراس قد تستمتع بفترة من الراحة وأن حزب المحافظين قد يتقدم في استطلاعات الرأي بحلول عيد الميلاد. بدلا من ذلك، وجد استطلاع أجرته شركة يوجوف هذا الشهر أن 14 في المائة فقط من الجمهور لديهم انطباع إيجابي عن تراس مقارنة بنسبة 73 في المائة ممن رأوها بصورة غير إيجابية.
ويعتقد حزب العمال أن الناخبين سيتذكرون الأحداث الفوضوية التي حدثت في الأسابيع القليلة الماضية وكيف جعلت حكومة تراس الوضع الاقتصادي السيئ أسوأ. قال ستارمر "لا تسامحوا، لا تنسوا".
على الرغم من أن تراس أقالت وزيرها وأعلنت التراجع عن أجزاء رئيسة من سياستها الاقتصادية، يعتقد كثير من نواب حزب المحافظين أنها يمكن أن تبقى في داونينج ستريت إلى أن يتوصل الحزب إلى طريقة لاستبدالها دون أن يدخل في مسابقة قيادة فوضوية أخرى.
قبل إقالة كوارتنج قال نائب من الحزب يتمتع بعلاقات جيدة "لقد تحول المزاج بالفعل من الغضب تجاه الغباء المطلق لرئيسة الوزراء والوزير إلى حالة من الحزن. سنواجه هلاكا في الانتخابات المقبلة. إنها الآن مجرد مسألة متى سيتخلص منها الحزب".
وفي حين إن المعتدلين من حزب المحافظين غاضبون من تراس، ربما يكون هناك مزيد من الغضب في اليمين. إن حلمه في تحويل بريطانيا في مرحلة ما بعد "بريكست" إلى اقتصاد منخفض الضرائب، ومنخفض التنظيم - "جنون اليمين" على حد تعبير وزير سابق في حكومة المحافظين - يتلاشى أمام عينيه.
تأمل تراس أن يتراجع نوابها عن احتمال خوض منافسة أخرى على زعامة الحزب. من غير المرجح أن ينظر الناخبون بلطف إلى حزب يعاني لاختيار رئيس وزراء ثالث منذ فوز بوريس جونسون في انتخابات 2019 بأغلبية 80 مقعدا.
منذ استقالة ديفيد كاميرون عن رئاسة الوزراء بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، بدت المملكة المتحدة أشبه بإيطاليا من ناحية فريقها المتناوب من القادة، مع دخول تيريزا ماي، وجونسون، وتراس عبر الباب الأسود الشهير.
إن حقيقة عدم وجود خليفة واضح قد تمنح تراس بعض الوقت. ريشي سوناك، وزير المالية الأسبق الذي حذر من أن سياسات تراس ستنتهي بفوضى في السوق، سيكون مفضلا لدى النواب، لكن من المرشحين الآخرين الذين قد يتخيلون أيضا أن لديهم فرصة، بيني موردونت، زعيمة مجلس العموم، وسولا بريفرمان، وزيرة الداخلية اليمينية. بصفته وزير المالية الجديد، يمكن أن يبرز هانت شخصا موثوقا به.
يقول نائب مخضرم من المحافظين "الشيء الوحيد الذي يبقيها هناك هو أنه لا يمكننا اتخاذ قرار بشأن ما يجب علينا القيام به".

الأكثر قراءة