تباطؤ النمو الصيني وصفة لعدم الاستقرار العالمي
ترغب الولايات المتحدة في عرقلة اقتصاد الصين، حتى لا تتمكن أبدا من التنافس معها على قدم المساواة. من الصعب تفسير إعلان واشنطن الأسبوع الماضي ضوابط بشأن تصدير أشباه الموصلات بأي طريقة أخرى. قد يكون الهدف التفوق العسكري وليس الاقتصادي، لكن العولمة كما عرفناها على مدار الـ30 عاما الماضية وصلت بوضوح إلى نهايتها. مع ذلك، هذا ليس سوى ثاني أهم حدث يتعلق بمسار النمو الصيني على المدى الطويل يقع في هذا الشهر.
الأهم من ذلك كله هو ما سيحدث بعد أيام قليلة من الآن، عندما يصعد شي جين بينج إلى المسرح في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني ليعبر عن شكره على ما يبدو أنها فترة ثالثة له زعيما رئيسيا للحزب. أثناء وجوده في المنصب لخمسة أعوام أخرى، من المرجح أن يواصل شي تحول الصين بعيدا عن التحرير وقوى السوق، نحو حكم الدولة والحكم الشمولي. وقد تكافح الولايات المتحدة لإبقاء اقتصاد الصين متدهورا، لكن في هذه الدورة من العداء، فإن بكين في طريقها إلى إعاقة نفسها.
هذه التحولات في البيئة الداخلية والخارجية للنمو الصيني تؤثر في الإجابة عن أكبر سؤال اقتصادي وجيوسياسي في القرن الـ21: هل يمكن أن يستمر توسع الصين السريع حتى يصبح شعبها غنيا بمستوى غنى الأمريكيين، أو على الأقل غنى جيرانها اليابانيين؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن حقيقة بسيطة تصبح عاملا مهما. بأربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، يمكن أن ينمو اقتصاد الصين ليصبح أربعة أضعاف الأمريكي، وفي هذه الحالة ستهيمن على العالم، بالتأكيد اقتصاديا، وعلى الأرجح سياسيا وعسكريا أيضا.
لكن العوائق التي تعترض تنمية الصين تجعل اتخاذ مسار مختلف أكثر احتمالا. هذا مستقبل لا تزال الصين تنمو فيه، ولا تزال تسعى لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، لكنها تظل أقل كثيرا من مستويات الدخل في الولايات المتحدة. سيكون هذا عالم قوتين عظميين متنافستين. ويكمن الخطر في أن المنافسة المتقاربة قد تكون أقل استقرارا، من الناحية الجيوسياسية، من صعود حتمي للهيمنة الصينية.
تم توضيح سبب تباطؤ النمو الصيني بشكل معقول في تقرير أعده رولاند راجا وأليسا لينج، من معهد لوي، في وقت سابق من هذا العام. مع انخفاض عدد السكان في المستقبل جراء عقود من سياسة الطفل الواحد، وتناقص العوائد لبناء مزيد من الشقق والبنية التحتية، يعتمد النمو المستقبلي في الصين على مستويات أعلى من الإنتاجية.
مع ذلك، يجادل راجا ولينج بأن أداء الصين كان ضعيفا مقارنة مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية في مراحل مشابهة من تطورها، وأن الدولة تكافح مع الجولة التالية من الإصلاحات التي يحتاج إليها لمواصلة دفع الإنتاجية إلى الأعلى، مثل تطوير نظام مالي حديث يخصص رأس المال بكفاءة، أو إصلاح نظام "هوكو" لتسجيل الأسر. على عكس جيرانها في شرقي آسيا، يجب أن تتعامل بكين الآن مع العداء الصريح من الولايات المتحدة تجاه محاولاتها الارتقاء في سلسلة القيمة.
من المحتمل للغاية أن يكون المتفائلون بشأن نمو الصين على صواب، وأن بكين ستغير مسارها وتجري الإصلاحات اللازمة للحفاظ على النمو، وأن تكون الدولة قادرة على أن تطور بشكل مستقل أي تكنولوجيا تحظرها الولايات المتحدة. لكن حتى إذا حققت الصين بعض النجاح في الإصلاحات، فإن راجا ولينج يقدمان حالة متشائمة مفادها أن النمو الإجمالي سيظل يتباطأ من 6 في المائة قبل جائحة كوفيد - 19 إلى نحو 3 في المائة بحلول 2030 و2 في المائة بحلول 2040.
هذا يوجد مستقبلا جيوسياسيا مختلفا للغاية. ستظل الصين تتفوق على الولايات المتحدة خلال العقد أو العقدين المقبلين، لكن اقتصادها سيصبح أكبر نحو 50 في المائة فقط بمعادل القوة الشرائية التي تتكيف مع الأسعار، وأكبر 15 في المائة بحساب أسعار الصرف في السوق.
الآثار المترتبة على ذلك ليست مطمئنة بالنسبة إلى الاستقرار العالمي. ستؤثر التركيبة السكانية في الصين بشكل أكبر في نموها، في حين إن الولايات المتحدة منفتحة أكثر على الهجرة. بالتالي، يتوقع معهد لوي أن تبدأ الولايات المتحدة في تجاوز مستويات الصين بعد 2040. هذا يعني أن الصين ستبلغ ذروة القوة الاقتصادية، مقارنة بالولايات المتحدة، في مرحلة ما خلال ثلاثينيات القرن الحالي. إذا توصل صانعو السياسة الصينيون إلى الاعتقاد بأن هذه هي الحال، فعندئذ بدلا من أن يكون الوقت إلى جانبهم فيما يتعلق بإعادة صياغة النظام العالمي، قد يدركون أن لديهم نافذة محدودة للتحرك.
ستدرك بكين - بشكل صحيح تماما - أيضا أن هناك جهدا من جانب القوة الاقتصادية العظمى في العالم لجعل الصين في حالة ركود، وإبقائها فقيرة نسبيا. وهذا من شأنه أن يعزز الاستياء. أكبر اقتصاد في العالم لديه فرصة محدودة لاكتساب القوة وأسباب للشعور بضغينة تجاه النظام العالمي الحالي. يبدو هذا كأنه وصفة لعدم الاستقرار. الشيء الوحيد المخيف في النمو الجامح في اقتصاد الصين هو أن يتخذ الأمر الاتجاه المعاكس.