استقلالية القرار .. تفسيرهم ليس مهما
تستند سياسة المملكة العربية السعودية في كل الميادين إلى مجموعة من المبادئ الثابتة التي لم تتغير، سواء كانت مرتبطة بالعلاقات السياسية أو الاقتصادية أو التجارية، أو أي شكل من أشكال الاتصالات والحوار والمناقشات. هذه السياسة ثابتة يعرفها العالم منذ تأسيس السعودية، واستمرت عليها في كل الظروف والمتغيرات والتحولات.
من هنا، يمكن فهم رفض السعودية التصريحات من جانب الولايات المتحدة، حول الاتفاق الأخير الذي تم عبر مجموعة "أوبك+"، الذي حدد تخفيض الإنتاج بمليوني برميل يوميا، لدعم أسعار البترول في السوق العالمية التي شهدت تراجعا في الآونة الأخيرة. فهذا القرار، كان ضروريا لمصلحة المنتجين وتوازن الأسواق، كما أنه أتى بالتفاهم التام بين الأطراف المعنية به. أي بالتشاور لا للقرار الفردي كما يدعي الخطاب الأمريكي. والقرار الأخير صدر ببساطة بإجماع أعضاء المجموعة.
أما تأجيل اتخاذ القرار لمدة شهر حسب ما تم اقتراحه من الإدارة الأمريكية، فأعضاء المنظمة - وفقا للتحليلات الاقتصادية، اتفقوا على أن هذا التوجه يدفع إلى آثار سلبية على استقرار السوق والاقتصاد العالمي. "المعلوم أن الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية تصادف 8 نوفمبر".
السعودية كما ورد في بيان وزارة الخارجية بلهجته الصريحة الواضحة الواثقة، لا تملي على أي دولة أي شيء، ولم تقم بذلك في أي ساحة، وهي في الوقت نفسه ترفض بقوة وشدة أي محاولات للإملاءات عليها، بصرف النظر عن الجهة التي تحاول القيام بذلك. كل ما يهمها في الساحة النفطية، أن تكون السوق مستقرة، وتخضع الأسعار لمعايير وانضباط هذه السوق، وتكون التقلبات محدود بالنسبة إلى المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
والسعودية ضمنت استقرار السوق النفطية منذ تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، وعاندت دولة مثل إيران في كل المناسبات، لأنها حاولت نشر الفوضى في أروقة "أوبك"، ونجحت الرياض أيضا أن تمضي السوق النفطية بسلاسة سواء في أوقات الأزمات أو أزمنة الاستقرار والنمو. باختصار تضع الرياض مصلحة الاقتصاد العالمي في المقدمة، شرط ألا تنعكس سلبا على مصالحها الخاصة. وهذا أمر طبيعي تمارسه أي دولة.
اتفاق "أوبك+" الأخير، كان من الاتفاقات الناجحة جدا، لأنه استند بالفعل إلى الإجماع. فكل الدول المعنية تسعى وراء مصالحها بالطبع، وفي الوقت نفسه تحافظ ما أمكن على المصالح الدولية، خصوصا في أوقات الأزمات. ومن هنا، جاءت القرارات باستقلالية تامة، دون تأثر أي طرف. فأحد أهم المعايير قناعتها بأهمية الحوار والتشاور وتبادل الرأي ليس فقط بين الجهات الحليفة، بل مع الشركاء خارج نطاق "أوبك". فلولا ذلك، لما استقرت السوق النفطية طوال الأعوام الماضية، ودون الحوار والاتفاقيات القائمة على حرية الاختيار، ستواجه السوق مزيدا من المصاعب، وستكون التقلبات السمة الرئيسة. وهذا أمر لا تريده أي دولة بصرف النظر عن أي اعتبارات. ولذا، كانت الحقائق هي على رأس العنوان عند صانع القرار السعودي، وليست محاولات حجب الحقائق التي تأتي حاليا من الجانب الأمريكي.
لم تتجاوز السعودية أي قانون أو تشريع أو قرار صادر عن الأمم المتحدة. لماذا؟ لأنها تتقدم الدول في احترام الشرعية الدولية، والمساعدة على تكريسها بكل الوسائل المتاحة، وطرح المبادرات لتعزيزها. فقد أيدت كل القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية حيال الأزمة الأوكرانية وقدمت مبادرات لتهدئة الاستقرار وإرسائه في منطقة الحرب، ولم تغير الرياض موقفها، ليس لإرضاء أي جهة، بل لقناعتها بحتمية حماية حقوق الشعوب وحياتهم، والعمل على دفع وتيرة الازدهار في نطاق دولهم. هذه هي السياسة العامة الدولية للسعودية. فأي إشارة سلبية من هذه الجهة لا قيمة لها، لأنها ببساطة ليست صحيحة. لم يصدر اتفاق "أوبك+" مدفوعا بمعايير سياسية، لأن ذلك يتعارض أساسا مع المبادئ التي تؤمن الرياض بها وتعمل على تكريسها. كل ما حدث باختصار، أن القرار صدر ضمن إطار اقتصادي خالص وبحت ويستند إلى أرضية ذات فهم جماعي، وليس مهما من يريد أن يفسره عكس ذلك.