بحثا عن الحياة والحرية .. الجامعات بؤرة مركزية للاحتجاجات في إيران

بحثا عن الحياة والحرية .. الجامعات بؤرة مركزية للاحتجاجات في إيران

ميلينا التي تبلغ 20 عاما هي واحدة من الجيل الجديد من الطلاب الإيرانيين الذين يسعون إلى التغيير. تقول إنه لن يوقفها أي شيء ولا حتى عمليات قمع المظاهرات المناهضة للنظام من الخروج إلى الشوارع والاحتجاج.
ستستمر الاحتجاجات حتى "نحصل على الحرية لنختار نظاما ديمقراطيا علمانيا لا يكون فيه أي تمييز"، كما صرحت ميلينا، طالبة هندسة كهربائية في طهران.
لأول مرة منذ أعوام، عاودت جامعات إيران الظهور باعتبارها بؤرة مركزية للاحتجاجات بعد وفاة امرأة خلال احتجازها بزعم انتهاكها قواعد اللباس الإسلامي. انتشرت هذه الاحتجاجات عبر البلاد وهي مستمرة على الرغم من عمليات القمع.
مع رفض كثير من الطلاب الذهاب إلى صفوفهم، أعيد فتح الجامعات عبر البلاد جزئيا فقط في بداية العام الدراسي. طالب الطلاب في جامعة فردوسي في مدينة مشهد بعمل استفتاء عما إذا كان يجب أن تدار إيران من قبل مؤسسة إسلامية.
تضمنت شعارات المتظاهرين عبارات منها "المرأة، الحياة، الحرية" - مجسدين ما يأملون تحقيقه تحت نظام علماني. انضم طلاب المرحلة الثانوية الإيرانيون أيضا إلى المظاهرات، بنشر فيديوهات تظهر خلعهم غطاء الرأس، وكتابة الشعارات وغناء أغان لإظهار تضامنهم مع المتظاهرين.
"بالكاد كانت حركة الطلاب حية حتى تحت القمع والترهيب، لكن هذه الاحتجاجات أعادتها إلى الحياة مجددا"، حسبما قال عبدالله مؤمني، قائد طلاب سابق أمضى خمسة أعوام في السجن لعقده تجمعات "غير قانونية" بعد انتخابات 2009 التي كانت محل نزاع.
قتل على الأقل 41 شخصا في عمليات القمع منذ بدأت الاحتجاجات، وفقا للتلفزيون الرسمي للدولة، مع أن منظمة العفو الدولية تقدر أن الرقم بلغ 52. بشكل منفصل، أدت التقارير التي تفيد بأن ضابط شرطة كبير اعتدى على فتاة مراهقة في مدينة زاهدان الجنوب شرقية إلى احتجاجات وعمليات قمع وحشية. قالت منظمة العفو إنه تم قتل 82 شخصا هناك على الأقل في أواخر أيلول (سبتمبر).
بعد الاحتجاجات في عشرات الجامعات في عطلة نهاية الأسبوع، داهمت القوات الأمنية جامعة شريف المرموقة في طهران واعتقلت أكثر من 30 طالبا، كما قالت رابطة الطلاب. قالت إن النظام يريد "كتم أصوات الطلاب المتظاهرين" وجعل جامعة شريف عبرة لهم. وزارة التعليم العالي في إيران ألقت اللوم على المعارضة من خارج البلاد حيال احتجاجات طلاب جامعة شريف و"شعاراتهم المتطرفة".
على عكس حركات الطلاب السابقة، التي شارك فيها قادتهم مع الجمهورية الإسلامية عن طريق مؤسسات جامعية قائمة، يبدو هذا الجيل من المظاهرات بلا قائد. "نحن قادة أنفسنا" كما قالت ميلينا، رافضة فكرة أن الطلاب يحتاجون إلى شخصية بارزة لتخبرهم ما يجب أن تكون مطالباتهم في الاحتجاجات.
بالنسبة إلى المتظاهرين الشباب، خاصة من الطبقة الوسطى الحضرية التي تملأ قاعات المحاضرات الجامعية، جعل موت مهسا أميني خلال احتجازها من الواضح أنه حان الوقت لرحيل الجمهورية الإسلامية، حسبما قال حميد رضا جاليبور، عالم اجتماع وصف وفاة أميني بأنه "شفرة تندب النخاع الشوكي للإيرانيين". وعدت السلطات بتحقيق كامل في مقتلها، لكن كثيرا من الإيرانيين يعتقدون أنها تعرضت للضرب من شرطة الآداب.
نهضة روح الاحتجاج لدى طلاب الجامعة تبعت التقدم البطيء في الإصلاحات السياسية، ما أقنع كثيرين أنه لا جدوى من التفاوض مع السلطات أو المشاركة في الانتخابات. مع تحكم المتشددين الآن بجميع أجهزة الدولة، بلغت نسبة المشاركة في انتخابات العام الماضي الرئاسية التي شهدت انتخاب المتشدد إبراهيم رئيسي 48.8 في المائة فقط.
على الرغم من الاحتجاجات والغضب، يحذر محللون أن الجمهورية الإسلامية ليست على شفا الانهيار. قال جاليبور، "قد لا تكون الجمهورية الإسلامية دولة ديمقراطية لكن (...) لديها جذورها العميقة وشبكاتها الواسعة من أغنى فئات المجتمع حتى أبعد القرى. لا يزال الذين يسعون إلى التغيير يشكلون أقلية. أما أغلبية الإيرانيين ليسوا مستعدين لدفع الثمن".
كانت الاحتجاجات مشابهة للاضطراب المدني في فرنسا في أيار (مايو) 1968، كما قال سعيد ليلاز، محلل إصلاحي. أضاف، "لن يؤدي هذا إلى إسقاط المؤسسة الإسلامية لكنه قد يؤدي إلى تطورات عميقة. في الاحتجاجات، في الأغلب ما يكون الشباب وحيدين وليس لديهم قائد ولا مطلب واضح".
تسود فكرة أن الجمهورية الإسلامية أكبر كثيرا من أن تسقط بين كثير من الإيرانيين. يخشى بعض الطلاب والأساتذة من أن تسفر الاحتجاجات عن مزيد من القمع وخيبة الأمل.
قال عزام، أستاذ في الجامعة، "هذا الجو المتطرف اليوم سيساعد المتشددين على المضي قدما في خططهم لتطهير الأساتذة المؤيدين للإصلاح أكثر وقمع الطلاب. كم من الوقت يستطيع الطلاب الاستمرار في رفض الذهاب إلى صفوفهم؟ أقول، من خبرتي، إنه ليس وقتا طويلا".
ورغم الاحتجاجات، يقول حميد رضا تراجي، سياسي متشدد، إنه لن يكون هناك تراجع في مبادئ الجمهورية الإسلامية، لكن قد تكون هناك إصلاحات أخرى، مثل تغيير طريقة تطبيق فرض الحجاب أو غطاء الرأس أو السماح للطلاب بخوض نقاشات حرة داخل الجامعات.
قال أيضا، "يوجد 4.5 مليون طالب في الدولة. حتى لو سعى 50 ألف منهم إلى إسقاط النظام، فهو ليس رقما كبيرا".
مع ذلك، تمثل الاحتجاجات تحذيرا للمتشددين الذين يجهزون البلاد لخليفة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، 83 عاما. استهدفه كثير من الشعارات هو وابنه الثاني مجتبى، رجل دين يبلغ 53 عاما ينظر إليه بأنه خليفة محتمل لوالده.
"ستساعد احتجاجات الطلاب على جعل النظام أكثر حذرا في اتخاذ قراراته المقبلة مثل الخلافة"، كما قال مؤمني. "حتى لو بقيت الجمهورية الإسلامية، سيكون لهذه الحركة الجديدة إنجازاتها وسنرى آثارها في أسلوب حياة الناس، ولباس النساء، والقيادة المستقبلية".
بالنسبة إلى ياسمين، محاسبة في مطعم تبلغ من العمر 23 عاما كانت تشارك في الاحتجاجات، فإن الطلاب يقدمون الأمل لمستقبل مختلف.
قالت، "يعطي الطلاب مزيدا من المصداقية لما هو حركة شعبية حقيقية، وقد يخرج شخص متعلم من هذه الاحتجاجات ليصبح قائدا في الوقت المناسب". قررت هي أيضا الاستمرار في الاحتجاج.
تقول، "في الوقت الراهن، أنا مصرة على المضي قدما لأرى من لديه قوة أكبر، نحن أم الجمهورية الإسلامية؟ هذه بلادي، ومن حقي عيش حياة جيدة هنا ولا يستطيع أي شخص أخذ ذلك مني إلا بقتلي".

الأكثر قراءة