"برتلسمان" الإعلامية .. إمبراطورية راسخة تقاوم الرياح الاقتصادية المعاكسة

"برتلسمان" الإعلامية .. إمبراطورية راسخة تقاوم الرياح الاقتصادية المعاكسة

لا تبتعد العائلة عن توماس راب أبدا، حتى في عطلات نهاية الأسبوع. عندما ينظر الرئيس التنفيذي لشركة برتلسمان من منزله الذي تملكه شركته في جوترسلوه، فإنه يرى حديقة جارته ليز موهن، كبيرة العائلة التي تدير أكبر مجموعة إعلامية في أوروبا.
في الأوقات الجيدة والسيئة، كانت عائلة موهن ومنزل أجدادهم في جوترسلوه، وهي بلدة متواضعة في السهول الريفية في شرق وستفاليا، المرساة الثابتة لإمبراطورية الشركات المترامية التي بدأت طباعة الكتب المقدسة هنا في 1835.
اليوم لا تتخذ أكبر القرارات في مقر شركة بنجوين راندوم هاوس في مانهاتن، أكبر دار نشر للكتب في العالم، أو في مجالس إدارة شركة آر تي إل، أكبر مجموعة تلفزيونية في أوروبا. بل في جوترسلوه، حيث يبلغ حجم القوى العاملة في شركة برتلسمان عشر حجم عدد السكان البالغ 100 ألف نسمة تقريبا. تجول الخيول في الحقول بجانب مقرها، وقد سخر روبرت مردوخ مرة من أنه "ليس بعيدا عن هارزهفينكل".
عندما جمع راب جماعات شركة برتلسمان في جوترسلوه الثلاثاء، إذ جلب 500 مدير من 30 دولة، كانت أولويته واضحة بما فيه الكفاية.
قال، بعد أن افتتح الاجتماع بانحنائه للعائلة ما أدى إلى تصفيق حار من الجمهور، "شكرا لدعمكم المتواصل في هذه الأوقات الصعبة". في الصف الأمامي، كانت موهن، مرتدية بدلة بيضاء من علامة تجارية شهيرة، وابنها كريستوف، رئيس المجلس الإشرافي في شركة برتلسمان وخليفتها كمتحدث باسم العائلة.
كان راب يشير إلى الاقتصاد العالمي المتوتر في حديثه، لكن قد تنطبق كلماته على حال شركة برتلسمان أيضا. المجموعة في حالة جيدة - "صلبة مثل الصخرة"، على حد تعبيره. من المقرر أن تصل الإيرادات إلى 20 مليار يورو في 2022، وسجلت الأرباح أرقاما قياسية منذ 2019 والديون، التي كانت ذات يوم ثقيلة على الشركة، الآن عند أدنى مستوى لها منذ 20 عاما.
لكن استراتيجية إبرام الصفقات التي يتبعها راب - المصممة لتحقيق أقصى استفادة من قوتها المالية - في ورطة. تم إلغاء صفقتين مهمتين - وقد يتم إبطال صفقتين أخريين في غضون أسابيع، ما سيؤدي إلى تفكيك صفقات تزيد قيمتها مجمعة على خمسة مليارات يورو.
شركة برتلسمان في وضع غير معتاد حيث تتمتع برأس مال فائض أكثر من أي وقت مضى في تاريخها. لكن رهان راب على الاندماج يتعثر في الوقت الذي تسير فيه الرياح الاقتصادية ضد شركته.
قال فرانسوا جودار، من شركة إندرز أناليسيز، الذي كان متعاطفا مع الأساس المنطقي للصفقات، "راب معرض لخطر أكبر، يجب أن يأتي بشيء ما. هذه كانت استراتيجيته - وليس أي شخص آخر. هذا فشل ولا يمكنك وصف الأمر بطريقة أخرى. يجب أن يأتي بخطة بديلة".
جاءت الضربة الأولى في باريس في أيلول (سبتمبر). منعت سلطة المنافسة الفرنسية في الواقع خطة راب لدمج شركة إم 6 التلفزيونية الفرنسية التابعة لشركة برتلسمان مع منافستها الأكبر "تي إف ون"، لإنشاء محطة إذاعية كان من الممكن أن تتفوق على سوقها التقليدية.
كما أدت زيادة أسعار الفائدة إلى إفشال ارتباط مقترح بين شركة ماجريل، مجموعة خدمات عملاء مملوكة جزئيا لشركة برتلسمان، مع شركة سايتل لتشغيل مراكز الاتصال.
اعترف راب في حديثه مع صحيفة "فاينانشال تايمز" من طابق يطل على تلال تويتوبورج حيث تعثرت إمبراطورية أغسطس الرومانية، "كان الأمر مخيبا للآمال بشكل لا يصدق. واجهنا نكستين خطيرتين في الأسبوعين الماضيين لكن (...) كانت مخاطرة محسوبة".
الأمر الذي يظل أكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى شركة برتلسمان هو قراران معلقان بشأن صفقتين أخريين. سيكون عرض شركة آر تي إل للاستحواذ على شبكة تالبا في هولندا في سوق تلفزيونية صغيرة نسبيا، الفرصة الأخيرة لراب لوضع معيار جديد في قانون المنافسة، ما سيسمح بظهور "أبطال الإعلام الوطني" على نطاق واسع للصمود في وجه خدمات البث العالمية.
كما سيصدر قاض أمريكي قريبا حكما بشأن الاستحواذ المزمع لشركة بنجوين راندوم هاوس على شركة سايمون أند شوستر، رابع أكبر دار نشر للكتب في العالم، بقيمة 2.2 مليار دولار. الدعوى قضية تجريبية لإنفاذ مكافحة احتكار بشكل أكثر ضراوة؛ وجادلت وزارة العدل بأن الصفقة ستضر بالمنافسة وتعطي شركة بنجوين راندوم هاوس "نفوذا هائلا".
لا زال راب، محبا للياقة البدنية يستمتع برياضة سباقات الماراثون في الجبال في أوقات فراغه، يأمل في إتمام الصفقتين. حتى لو فشلتا، كما يقول المطلعون في شركة برتلسمان، فإن راب يحظى بدعم كريستوف موهن، أحد أفراد العائلة الذي يدير الشركة.
قال راب، "أخبرت العائلة بوضوح شديد أن كل هذه الصفقات منطقية جدا لكن هناك خطرا من قبل الجهات التنظيمية. من العدل أن نقول إن الجهات التنظيمية أصبحت أكثر صرامة (...) ولم نكن نتوقع ذلك. بكل صراحة". كانت جهات تنظيم المنافسة ترى سرا أن صفقة تلفزيون إم 6 مصيرها الفشل دائما.
أصر راب، "اعتقدت أن حججي أفضل من حججهم. ما زلت أعتقد أنه لدينا الحجج الأفضل. يجب أن نتقبل الهزيمة في فرنسا. لكن الاندماج سيعود. دون شك. إنها مسألة عامين إلى ثلاثة أعوام، كحد أقصى".
مع ذلك، إنه يستكشف بالفعل خطة احتياطية لشركة إم 6: مزاد سريع اجتذب مجموعة من أصحاب المليارات. يمكن أن يظهر عرض للصفقة أفضل خلال الأيام المقبلة.
يشمل المشترون المحتملون المستثمر التشيكي دانيال كيتينسكي؛ وعرضا مشتركا من الملياردير زافيير نيل ومجموعة ميديا فور يوروب المدعومة من قبل سيلفيو برلسكوني، وائتلافا من رواد الأعمال الفرنسيين من بينهم ثري النقل البحري رودولف سعادة، وستيفان كوربيت من شركة إف إل إنترتيمنت، والمستثمر مارك لادريت دي لاشريير.
لكن هناك تحديات. تنتهي صلاحية ترخيص محطة البث الصادرة لمدة عشرة أعوام في أيار (مايو)، وبموجب القواعد الفرنسية، فإن أي تجديد سيوقف المساهم الرئيس، ما يمنع البيع حتى 2028 على الأقل. قال راب، "بصراحة، إنها مجازفة. هناك اهتمام حقيقي، بلا شك. لكن الجدول الزمني ضيق وهناك شكوك قانونية. هذا شيء يتوجب علي التفكير فيه واتخاذ قرار بشأنه".
يقول راب إنه لن يكون قادرا على تعويض أي مشتر جديد ضد فقدان الترخيص، وفي الواقع لن يفعل شيئا لتعريض الترخيص للخطر إذا ظلت شركة إم 6 في يد شركة برتلسمان. قال، "لن أتحمل هذه المخاطرة"، مضيفا، "لسنا في عجلة من أمرنا للبيع على الإطلاق. كما أننا لا نفتقر إلى رأس المال".
على الرغم من كونه دخيلا على جوترسلوه - حيث نشأ راب في بروكسل - إلا أن أعوامه التي امتدت 11 عاما بصفته رئيس تنفيذي جعلته أقدم رئيس على رأس عمله منذ مارك فوسنر، مهندس توسع شركة برتلسمان في عالم الثمانينيات في التلفزيون والموسيقى.
كان فوسنر قريبا جدا من سليلي العائلة الراحلين، راينهارد وليز موهن - اللذين التقيا على مقاعد موسيقية في حفل مكتبي - لم يكن جارهما في جوترسلوه فحسب، بل كان يقضي إجازته في منزل بجانبهما في ميورقة.
تمت استعادة الثقة براب بشكل أكبر، إذ ورث شركة مثقلة بديون بقيمة 11 مليار يورو، تعتمد بشكل كبير على الإعلانات وتحقق هوامش ربح ضعيفة. قال راب، "كان ذلك مخيفا للغاية. لم تركز الشركة على التدفقات النقدية. أخبرت العائلة، يجب أن نغير الأمور بشكل جذري".
أمضى العقد التالي في التنويع، وتقليل الاعتماد على الإعلانات وبناء بصمة دولية أكبر. شمل ذلك التوسع في مجال التعليم، وإعادة هيكلة أعمال خدمات شركة أرفاتو، وأخيرا ضم شركة دار نشر المجلات المتعثرة جرونر +جاهر إلى شركة آر تي إل.
حدد راب هدف تحقيق إيرادات 24 مليار يورو بحلول 2026، مدعوما باستثمارات تراوح بين خمسة وسبعة مليارات يورو، ولدى المجموعة خطط نمو طموحة لشركة بي إم جيه لحقوق الموسيقى، وخدمة الموسيقى والبث المجمعة من آر تي إل في ألمانيا، والتعليم عبر الإنترنت، وفرص جديدة في الخدمات الصحية الرقمية.
لا تزال هناك مشكلة واحدة عالقة، وهي ما إذا كانت "برتلسمان" شركة مالية قابضة، بشكل مشابه لشركة بيركشير هاثاواي لصاحبها وارن بافيت، أو مجموعة تشغيلية. تمتلك حاليا نحو 70 في المائة من مجموعة آر تي إل المدرجة، بينما تدير أقساما مثل شركة بنجوين راندوم هاوس بشكل مباشر.
يصف راب نموذج العمل على أنه "هجين بحسب التصميم". يقول الموظفون القدامى في شركة برتلسمان إن المساومة تمنع الشركة من استغلال رأس المال الخارجي لتصبح حقا لاعبة عالمية في مجال التلفزيون أو التعليم أو الموسيقى. يعكس الخيار نزعة محافظة فطرية في المجموعة التي تملكها العائلة.
يقول بعض المطلعين على شؤون شركة برتلسمان إن راب وكريستوف موهن، أحد المعجبين ببافيت، قد يكونان أكثر انفتاحا على نموذج الشركة القابضة الأكثر نقاء، بينما فضلت ليز موهن منذ فترة طويلة الهياكل التي تساعد على الحفاظ على السيطرة وتبقي أجيال عائلة موهن المستقبلية قريبة من الأعمال اليومية. في الوقت الحالي، القضية معلقة.
الخلافة مسألة يصعب تأجيلها. يشغل راب اليوم ثلاثة مناصب تنفيذية، موقف وصفه زميل قديم بأنه "جنوني تماما". يدير مجموعة برتلسمان إضافة لكونه الرئيس التنفيذي لكل من مجموعة آر تي إل المدرجة وآر تي إل ألمانيا. في الوقت نفسه إنه رئيس شركة أديداس، التي تبحث حاليا عن رئيس تنفيذي جديد.
يعترف راب بأن الأسابيع الأخيرة كانت "صعبة حقا"، وأضاف، "ما أقوم به ليس صحيا (...) ليس بالنسبة إلي فحسب، بل إلى الشركة أيضا". في حين ينجح الأمر في الوقت الحالي، يدرك أنه "لا يمكنه شغل ثلاث وظائف" إلى أجل غير مسمى. إنه يريد العثور على رئيس تنفيذي جديد لشركة آر تي إل ألمانيا العام المقبل.
لا توجد دلائل على انتقاله من مجموعة برتلسمان، ولا على أي خلفاء داخليين واضحين. كانت عائلة موهن تختبر اثنين من كبار مديريها، توماس كوزفيلد، المدير المالي لشركة بي إم جيه، وشقيقه كارستن، الرئيس التنفيذي لشركة برتلسمان إنفسمنت، ذراع رأس المال المغامر.
لكنها لا تزال في مرحلة مبكرة، وطريقهما للوصول إلى المنصب الأعلى غير مضمون. في شركة برتلسمان، على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة بنجوين راندوم هاوس، ماركوس دوهلي، "إننا نفكر ونتصرف على مدى أجيال".

الأكثر قراءة