معركة التضخم .. رسالة مشجعة من سوق العمل للبنوك المركزية

معركة التضخم .. رسالة مشجعة من سوق العمل للبنوك المركزية

موجة التوظيف التي اجتاحت الاقتصادات المتقدمة منذ الجائحة بدأت تهدأ، مع شعور أرباب العمل بالقلق من ارتفاع التكاليف، وانخفاض الطلب، والآفاق الاقتصادية القاتمة.
على جانبي المحيط الأطلسي لا تزال نسب البطالة منخفضة. لكن البيانات التي نشرت الأسبوع الماضي تشير إلى أن الشواغر تنخفض عن مستوياتها المرتفعة تاريخيا، وأن الشركات تصبح أكثر حذرا بشأن تعيين الموظفين.
إذا استمر ذلك، فإن هذا المزيج يعد خبرا جيدا بالنسبة إلى المصرفيين المركزيين، الذين يحرصون على تخفيف نمو الأجور في معركتهم مع التضخم المرتفع، دون التسبب في ارتفاع البطالة.
"في جميع الاقتصادات المتقدمة، نحن في ذروة ضيق سوق العمل"، حسبما قال سيمون ماكادام، من شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية. تظهر سوق العمل الأمريكية على وجه الخصوص أقوى العلامات على أنها "فقدت قوتها".
تشارك البنوك المركزية على جانبي الأطلسي في أشرس دورة لرفع أسعار الفائدة منذ أوائل الثمانينيات في محاولة منها لمكافحة الأسعار المرتفعة. ويشعر المسؤولون فيها بالقلق من أن يؤدي التدافع لجذب العاملين إلى دوامة أجور، على غرار ما حدث في السبعينيات، ما يعني أن يظل التضخم مخيما لأعوام مقبلة.
في الولايات المتحدة، أظهرت البيانات الصادرة الأسبوع الماضي أن فرص العمل انخفضت بأعلى معدل لها منذ بداية الجائحة. وفي منطقة اليورو، أظهرت استطلاعات مؤشر مديري المشتريات الذي تتم مراقبته من كثب أن استحداث الوظائف انخفض في أيلول (سبتمبر) إلى أدنى مستوى له في 18 شهرا في جميع أنحاء الكتلة، مع توقف نمو التوظيف في الخدمات. في المملكة المتحدة، انخفضت أعداد الشواغر من مستوياتها القياسية، وتشير الاستطلاعات إلى أن نشاط التوظيف يتباطأ على الرغم من نقص الموظفين.
يواجه المصرفيون المركزيون عملية توازن دقيقة. يجادل بعض الاقتصاديين بأن وتيرة ونطاق التشديد النقدي يخاطران بجعل ملايين بلا عمل، ولا سيما في الولايات المتحدة حيث رفع الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض 0.75 نقطة مئوية في كل من اجتماعات السياسة الثلاثة الأخيرة.
قالت كلوديا سام، مؤسسة شركة سام للاستشارات، وهي اقتصادية سابقة في الاحتياطي الفيدرالي "يمثل التضخم صعوبة، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون على شيك الراتب من شهر إلى آخر، لكن عدم وجود شيك الراتب يمثل كارثة للعائلات"، مضيفة أن "الوقت قد حان للاحتياطي الفيدرالي ليكون صبورا. تتباطأ سوق الإسكان بشكل ملحوظ الآن. سنرى ذلك في الاقتصاد الأوسع والتضخم العام المقبل".
أظهرت بيانات من الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أن الاقتصاد أضاف 263 ألف وظيفة في أيلول (سبتمبر) - نصف وتيرة نمو الوظائف خلال 2021، لكن لا تزال أعلى كثيرا من متوسطات ما قبل الجائحة. في غضون ذلك انخفضت البطالة إلى أدنى مستوياتها في فترة ما قبل الجائحة، لكن سبب غير مرحب به - ارتفاع مجدد في عدد الأشخاص الذين يقررون عدم البحث عن وظائف - ما يشير إلى أن نقص العاملين سيستمر، حتى مع قلة الشواغر.
كريس والر، محافظ في الاحتياطي الفيدرالي، قال الأسبوع الماضي "إن زيادة كشوف الرواتب بواقع 260 ألفا تبين أن سوق العمل تتباطأ قليلا، لكنها لا تزال ضيقة"، ما يدعم وجهة نظره بإمكانية تقليل الشواغر - وضغط الأجور - دون عمليات تسريح كبيرة.
وأضاف "لا نواجه حاليا مفاضلة بين هدفنا للتوظيف وهدفنا للتضخم، لذا يمكن استخدام السياسة النقدية بقوة لخفض التضخم، بل يجب استخدامها".
من المتوقع أن ترسم بيانات من المقرر صدورها في المملكة المتحدة هذا الأسبوع صورة مماثلة لسوق عمل متباطئة، لكنها لا تزال ضيقة، حيث يقف كثير من العمال الأكبر سنا على الهامش. وصف ديف رامسدن، نائب محافظ بنك إنجلترا، هذا الارتفاع في الخمول بين كبار السن من العمال بأنه "أحد أهم موروثات الجائحة".
في غضون ذلك يراجع الاقتصاديون توقعاتهم للبطالة لـ2023 بالنسبة إلى معظم الدول. في الولايات المتحدة، من المتوقع أن يبلغ معدل البطالة السنوي في العام المقبل 4.2 في المائة، ارتفاعا من 3.5 في المائة الذي كان متوقعا في شباط (فبراير)، وفقا لكونسينسوس إيكونوميكس، وهي شركة تضع متوسطا لمتنبئي القطاع الخاص الرائدين.
قال ريتشارد فلين، المدير العام لشركة تشارلز شواب "من غير المرجح أن يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من خفض فرص العمل دون رفع معدل البطالة على خلفية ارتفاع التضخم، وتلاشي هوامش الربح، وأسعار الفائدة".
عدل الاقتصاديون توقعاتهم للبطالة في ألمانيا لـ2023 بواقع 0.6 نقطة مئوية إلى 5.5 في المائة خلال الفترة نفسها. أسهم ذلك في دفع معدل منطقة اليورو إلى ما فوق 7 في المائة في توقعات أيلول (سبتمبر)، مرتفعا من أقل من 6.8 في المائة قبل بضعة أشهر فقط.
في المملكة المتحدة، تم تعديل معدل البطالة لـ2023 إلى 4.5 في المائة، مرتفعا من 4.1 في شباط (فبراير)، حتى قبل أن ترفع الميزانية "المصغرة" توقعات أسعار الفائدة، ما دفع عديدا من الاقتصاديين إلى توقع ركود أعمق.
الآن تعد توقعات معدل البطالة لـ2023 أعلى أيضا مما كانت عليه قبل بضعة أشهر في نيوزلندا وأستراليا وكندا، مع ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة مخاطر الركود. ومع إظهارها زيادات أصغر من تلك الموجودة في دول أخرى، إلا أن مراجعة توقعات معدلات البطالة لجميع الأسواق التي تتتبعها "كونسينسوس إيكونوميكس"، بما في ذلك كوريا الجنوبية وهونج كونج واليابان، كانت صعودية.

الأكثر قراءة