جلال برجس روائي «البوكر»: تسريب اسم الفائز بالجوائز «خطأ» غير مقصود

جلال برجس روائي «البوكر»: تسريب اسم الفائز بالجوائز «خطأ» غير مقصود
جلال برجس
جلال برجس روائي «البوكر»: تسريب اسم الفائز بالجوائز «خطأ» غير مقصود
جلال برجس روائي «البوكر»: تسريب اسم الفائز بالجوائز «خطأ» غير مقصود
من لقاء جلال برجس مع الروائيين عادل الدوسري وزينب الخضيري.

ما قبل "البوكر" ليس كبعدها حتما، فالجائزة العالمية للرواية العربية حولت الروائي إلى نجم، على حد تعبير جلال برجس الروائي الأردني، الذي فاز بالجائزة في دورتها لعام 2021، لكنه حافظ رغم ذلك على مطروقاته وكتاباته.
في حديث شفاف وصريح شهدته العاصمة الرياض خلال الأيام الماضية، في ضيافة المجموعة الأدبية "بيت الرواية"، خرج برجس على جمهوره السعودي بمكاشفات عدة، كاشفا عن مشروعه الكتابي القادم، ويسرد فيه سيرته الروائية.
منبع الفكرة
كيف خطرت في البال فكرة رواية "دفاتر الوراق" في ذهن جلال برجس؟ هذا السؤال الذي استقبل به الروائيان عادل الدوسري وزينب الخضيري ضيفهما، الذي قال، إنه في أحد الأيام كان يتنزه في منطقة وسط البلد في عمان "أتجول كعادتي وكنت أنظر إلى البيوت التي أفرغت من سكانها وارتحلوا إلى أماكن أخرى، وتحول المكان إلى وجهة سياحية وتجارية، ومن هنا نبعت فكرة الخوف والقلق على البيت، وجاءت نتيجة تراكمات زمنية وعالمية، وما يهدد فكرة البيت، وما يهدد العائلة، وحاليا هناك أشياء كثيرة يمكن أن تهدد هذه الفكرة، وفكرة الوطن عموما، وهنا يبرز التساؤل: هل الوطن بيت؟".
ويسرد في قصته "مررت أيضا بكشك شهير لبيع الكتب وسط عمان، وبدأت أفكر بمستوى ثقافة متطور، هل يمكن أن يستمر؟ خاصة أننا في زمن تسوده الرقمنة، وبدأت أشعر بالخوف والقلق على إنسانيتنا، وكانت تلك الشرارة الأولى لرواية دفاتر الوراق".
وأكد برجس عراقة مهنة الوراقة، ومن خلالها ألقى الضوء على مستقبل الثقافة وجدليتها، وعاش شخصية لا تشبهه، إبراهيم الوراق، الإنسان المعزول من الطبقة المهمشة والفقيرة.
مرحلة الصدق
في مرحلة التخطيط للرواية الشهيرة "دفاتر الوراق"، أفصح جلال برجس أنه بناها في المخيلة، وربما هذا قادم من انشغاله بالهندسة، وبعدها بدأ مرحلة تقمص الشخصية الروائية، حتى وصل إلى مرحلة من الصدق، ليدخل إلى شخصية القارئ.
في ثلاثة أعوام ونصف، كتب روايته، منها عام ونصف كتابة وعام ونصف في المراجعة، مستفيدا من 18 عاما عملها في الصحراء، إذ يكشف أنه كان يعمل في مطار عسكري في الأردن، وكتب في هذه الأجواء عددا من الروايات، لذا كانت هذه المرحلة تمارين على الكتابة، وذلك في حكم جلال برجس على نفسه.
وعرج برجس في روايته على التغيرات والتبدلات العالمية، التي انطلقت تحديدا بعد 1990، حينما انتهت القطبية الثنائية، وشاهدنا بعدها ثورات الانفصالات وأنماطا جديدة في هذا العالم، منها ما يتعلق بحقوق الإنسان والمناخ والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تغيرات اجتماعية، كان فيها الخاسر الأكبر هو الإنسان.
المناطق المعتمة
"دوري كروائي أن أسلط الضوء على المناطق المعتمة، فالرواية تذهب إلى مناطق غير مفرحة، لا تقدم حلولا، تطرح الأسئلة التي تؤدي إلى التغيير".. هذا هو الدور الذي رأى فيه نفسه جلال برجس، ردا على قراء، قالوا إن الروائي الأردني من خلال تقمصه شخصيات ثقافية فإنه يستعرض ثقافته، مجيبا بأنه "يمكن أن يكتب المقالة ويستعرض ذلك، لكن هذه رواية مختلفة وتضع الأمور في نصابها الصحيح".
ولعل من مكاشفات برجس أنه يرى أن الكتابة عمل شاق، فالكاتب أثناء اشتغاله على النص لا يكون مستمتعا، "المسألة ليست رومانسية، بل إنه يشعر بوجع كبير، بولادة قاسية، وحينما تصدر الرواية يقرأها من زاوية محايدة، وكأنه قارئ محايد، فأمتدح نفسي حينما أعجب بما قرأت، والعكس أيضا".
مخاوف من العمل الدرامي
كعادة الأعمال الروائية الشهيرة والناجحة، تقدم إليها عروض لتحويلها إلى دراما، وهذا ما حدث مع الروائي جلال برجس و"دفاتر الوراق"، إذ قدم إليه عرض لتحويل الرواية إلى مسلسل من 30 حلقة، لكنه تخوف من عدم قراءة الرواية، إذ يشير إلى أنه "يريدها أن تقرأ أولا"، والمسألة الثانية التي يجب أن تطرح: "كيف ستنقل الرواية؟ وهل سيحافظون على إحساسي بها؟".
ويلفت إلى موافقته على العقد، والآن تجري عملية إنتاج المسلسل بطاقم عربي كبير ومهم، مستدركا في حديثه "أعتقد أنه لا يمكن أن يتم تحويل كل شيء في الرواية إلى العمل مصورا، فمثلا هناك الصوت في بطن شخصيات الرواية، وتوصلنا مع فريق المسلسل إلى أن تكون هناك شخصية منفردة تملي على إبراهيم الوراق أفعاله، ويكتشف لاحقا أنها شخصية وهمية غير موجودة، وهناك شخصيات في الرواية حضورها طفيف، لكن في المسلسل اتسع حضورها، وفرض على السيناريست حوارات وأفعالا ومسارات".
وفي تجربة مماثلة، يكشف برجس أن هناك زميلة روائية له أصرت على أن يتم تحويل الحوار تماما من الرواية إلى المسلسل كما هو بلغته، ففشل المسلسل فشلا ذريعا.
ويتساءل بعد هذه التجربة "والآن ما الفائدة من تحويل الرواية إلى مسلسل؟ أقول إن هناك شريحة كبيرة من العالم العربي تشاهد الشاشة الفضية، ومكاسبي أنه يصل برسالة الرواية إلى شريحة جديدة، وهذا المشاهد قد يقتني الرواية لاحقا، وسيكون دوري متابعة الحلقة والمشاورة وإبداء الرأي".
نقد أم مراجعة؟
في أسئلة الروائي عادل الدوسري لزميله الروائي جلال برجس كثير من المكاشفات الجريئة، فها هو يسأله عن النقد، الذي يرى أنه أفاده في كتابته روايته البوكرية، رغم أن مستوى النقد في العالم العربي في حالة كبيرة من التراجع، إذ نقرأ في الصحف والمجلات والدوريات ما يعد نقدا، لكنه في الحقيقة هو مراجعة للرواية، وليس نقدا مبنيا على منهج نقدي، كما أن هناك نقدا عاطفيا، مفسرا إياه بأنه حينما يعجب ناقد بروائي فإنه يمتدحه، والعكس حينما لا يعجبه.
في تلميح للدوسري حول معرفة بعض الروائيين بفوزهم مسبقا بالجوائز العربية والعالمية، نفى برجس بشكل قاطع وكلي معرفته بفوزه بالجائزة مسبقا، سواء بتسريبات أو بإشارات وتلميحات، معلقا "كنت أتمنى الفوز، لكنني لم أكن أتوقع ذلك، لوجود روايات قوية في الدورة ذاتها، سمعت في بعض الدورات أن هناك تسريبا، وأظنه ليس متعمدا، قد يكون خطأ من أحد أعضاء لجنة التحكيم، وذهبت المعلومة أو التلميح إلى صحافي ما".
وفي الإطار ذاته، يعتقد الروائي الأردني أن "هناك وهما بأن الجوائز تستهدف مواقع ومجالات معينة، وهذا وهم كبير في الوسط الثقافي العربي، وفكرة أن الروايات التاريخية هي التي تفوز، مجرد وهم، وليست قاعدة يمكن البناء عليها، فهناك روايات كسرت التابوه، واستمرت عمليات الكسر، ولست بصدد الدفاع عن الجائزة التي تشرفني".
ما بعد "البوكر" لا يختلف كثيرا عما سبقه بالنسبة إلى جلال برجس، موضحا "موضوعاتي ومطروقاتي ما قبل الجائزة هي ذاتها بعد الجائزة، لكنها حولت الروائي إلى نجم، وإذا استغرقنا في هذه المسألة كثيرا فقد تندثر الموهبة، وهنا أدركت أنه علي أن أخرج من أجواء (دفاتر الوراق) إلى ما بعدها، نعم خرجت من هذه الأجواء وأعمل الآن على إصدار جديد"، مختتما حديثه بأنه يعمل على مشروعه الجديد، وهو سيرة روائية له، يتطرق فيها إلى ثلاث دول زارها، بروح أدب الأمكنة، وكتب رافقته خلال زياراته.

الأكثر قراءة