موجات عاتية من الضوابط الأمريكية تغرق صناعة الرقائق الصينية
بعد عامين من فرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية على شركة هواوي، انخفضت إيرادات مجموعة التكنولوجيا الصينية، وفقدت مكانتها الريادية في معدات الشبكات والهواتف الذكية، وقال مؤسسها للموظفين، إن بقاء الشركة أصبح على المحك.
الآن، تستعد صناعة الرقائق الصينية بأكملها لمواجهة معاناة مشابهة، حيث بدأت واشنطن تطبيق السياسات نفسها التي استخدمتها مع شركة هواوي على نطاق أوسع.
بموجب ضوابط التصدير الجديدة التي تم إعلانها الجمعة، لا يمكن بيع أشباه الموصلات المصنوعة باستخدام التكنولوجيا الأمريكية المخصصة للاستخدام في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء وأجهزة الحاسوب العملاقة للصين، إلا بترخيص للتصدير- الذي سيكون من الصعب للغاية الحصول عليه.
علاوة على ذلك، منعت واشنطن المواطنين أو الكيانات الأمريكية من العمل مع منتجي الرقائق الصينيين إلا بموافقة محددة. كما تقيد حزمة الضوابط بصرامة تصدير أدوات وتقنيات تصنيع الرقائق إلى الصين التي يمكن أن تستخدمها الصين لتطوير معداتها الخاصة.
قال زيهو نغ، مدير عام في مؤسسة تشاينا رينيزانس، " بشكل أساس وبعبارة لطيفة، ستعود الشركات الصينية إلى العصر الحجري".
قال بول تريولو، خبير في الشؤون الصينية والتكنولوجيا في شركة أولبرايت ستونبريدج للاستشارات، "سيكون هناك كثير من الخاسرين لأن أمواج التغيير التي أطلقت عنانها القوانين الجديدة ستغمر صناعة أشباه الموصلات والصناعات المرتبطة بها".
أضاف أن التأثير سيكون عميقا في الشركات الصينية خصوصا التي تستخدم أجهزة أمريكية المنشأ لنشر خوارزميات الذكاء الاصطناعي في المركبات ذاتية القيادة والخدمات اللوجستية، إضافة إلى التصوير الطبي ومراكز البحث التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأدوية ونمذجة تغير المناخ.
قال تريولو، "إن التأثير سيستغرق بعض الوقت حتى يتضح بالكامل، لكن على الأقل فإنه سيعمل على إبطاء الابتكار في كل من الصين والولايات المتحدة، الأمر الذي سيكلف المستهلكين والشركات الأمريكية في نهاية المطاف مئات الملايين أو حتى مليارات الدولارات".
يعمل عديد من الضوابط الجديدة من خلال الشركات المصنعة للرقائق في دول أخرى، حيث يتم تصميم كل أشباه الموصلات تقريبا باستخدام برمجيات أمريكية وتحتوي معظم مصانع الرقائق على آلات أمريكية.
قال برادي وانغ، محلل في "كاونتربوينت" للأبحاث حول أسواق التكنولوجيا، "يمكنك النظر إلى هواوي كدراسة حالة". قال إنه بينما لا يزال بإمكان هواوي الحصول على بعض الإمدادات، إلا أنها ليست الأكثر تقدما بل تعود إلى حقبة سابقة، وأن ذلك سيحد من وظائف منتجاتها.
كما تعد الضوابط الجديدة على معدات أشباه الموصلات سلاحا قويا أيضا، حيث سيستهدف الشركات المصنعة الرئيسة والشركات الريادية في إنتاج الرقائق. وفقا للمحللين في بنك أوف أمريكا، ستؤثر القيود المفروضة على المعدات في شرائح المنطق المصممة في الأعوام الأربعة إلى الخمسة الماضية، وشرائح درام "شرائح ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية" التي تم تصميمها بعد 2017. قال واين لام، محلل في سي سي إنسايت، "إنهم متخلفون في التكنولوجيا ويعتمدون على الأدوات والتكنولوجيا القديمة".
كما تشعر شركات الرقائق الصينية بقلق أكبر إزاء محاولات واشنطن منع المواطنين الأمريكيين من دعمها.
قالت مسؤولة تنفيذية للموارد البشرية في مصنع لأشباه الموصلات تدعمه الدولة، "إن هذا الخبر الصاعق أشد من منعنا من شراء المعدات". أضافت، "لدينا في الشركة -من يحمل جوازات السفر الأمريكية- في بعض أهم المناصب"، ووصفتهم بأنهم "سلاح أساس" لتطوير التكنولوجيا. "نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لهؤلاء الأشخاص، لكي يكملوا عملهم في شركتنا. هذا الأمر صعب جدا. فمعظم الناس ليسوا على استعداد للتخلي عن جوازات سفرهم الأمريكية".
إن معظم المواطنين الأمريكيين العاملين في قطاع الرقائق الصينية هم من الصينيين والتايوانيين الذين عادوا من الولايات المتحدة. ولا توجد إحصاءات محددة توضح حجم هذه المجموعة. لكن مسؤولا في المخابرات التايوانية يقدر أن ما يصل إلى 200 من حاملي جوازات السفر الأمريكية يعملون في شركات أشباه الموصلات الصينية.
كما أن القيود تمتد لتتجاوز تلك المجموعة. قال مسؤول تنفيذي في شركة لتوريد مواد أشباه الموصلات، إن شركته ستضطر إلى استبدال جميع موظفي المبيعات والدعم الفني الأمريكيين الذين يتم إرسالهم إلى العملاء الصينيين.
هناك تهديد آخر لصناعة التكنولوجيا بأكملها في الصين وهو شرط جديد يتعين بموجبه الحصول على ترخيص لتصدير الرقائق لاستخدامها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء.
قال دوجلاس فولر، خبير في صناعة أشباه الموصلات الصينية في كلية كوبنهاجن للتجارة، "المغزى من هذه السياسة هو عرقلة جهود الصين في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، على الأقل ما يرتبط منها بالجيش، مع ما ينطوي عليه ذلك من أضرار جانبية تجارية من وجهة نظر الحكومة الأمريكية".
يعتقد أن بعض أكبر شركات التكنولوجيا في الصين، مثل علي بابا و بايدو، معرضة للخطر. قال وانغ من "كاونتربوينت"، "سيتباطأ البحث والتطوير الخاص بهم برمته".
يعتقد الخبراء أن سلالة شركات تصميم شرائح الذكاء الاصطناعي الديناميكية الصينية ستعاني جراء ذلك أيضا. قال أحد المسؤولين التنفيذيين التايوانيين في صناعة الإلكترونيات، "إذا فقدت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، ستفقد ديناميكية الابتكار عندك".
نظرا إلى أن سوق أشباه الموصلات الصينية بحسب المستهلك تمثل الآن ما يقارب ربع الطلب العالمي، فمن المتوقع أيضا أن يتعرض الموردون الأجانب لضربة قوية.
حصلت شركة أبلايد ماتيريالز المصنعة للمعدات الأمريكية على 33 في المائة من مبيعاتها من الصين العام الماضي، بينما حصلت نظيرتها "لام ريسيرتش" على 31 في المائة من المبيعات. فيما قامت "لام ريسيرتش" بتسمية شركة يانغتزي ميموري تكنولوجي، وهي أكبر شركة لتصنيع شرائح الذاكرة في الصين التي تستهدفها الولايات المتحدة على وجه التحديد بموجب القوانين الجديدة، كعميل مهم في تقريرها السنوي، ويقدر بنك أوف أمريكا أن 6-7 في المائة من مبيعات "لام ريسيرتش" هي لشركة يانغتزي ميموري تكنولوجي.
نظرا إلى أن كثيرا من معالجات إنتل المتطورة تدخل في أجهزة الحاسوب العملاقة الصينية، يتوقع بنك أوف أمريكا أن القيود قد تؤثر في 10 في المائة من مبيعات شركة إنتل.
لكن بعض المحللين يعتقدون أن هذه الإجراءات ستفيد صانعي الرقائق الأجانب. حيث قال أكيرا ميناميكاوا، محلل أشباه الموصلات في شركة أومديا للأبحاث، نظرا إلى أن الدافع الرئيس للولايات المتحدة هو إبطاء تطور الصين في تكنولوجيا أشباه الموصلات الأكثر تقدما، فإن شركات تصنيع الرقائق الأجنبية الرائدة مثل شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية "تي إس إم سي" أو شركة إنتل ستستفيد من ذلك.
قال إن مصنعي ذاكرة الفلاش المحمولة الذين يتنافسون مباشرة مع "يانغتزي ميموري تكنولوجي"، مثل شركة كيوكسيا اليابانية، قد "يجنون بعض الفوائد" من الإجراءات الأمريكية الجديدة، لكن المكاسب على الأرجح ستكون قليلة.
فيما قال كيم يونغ وو، رئيس الأبحاث في شركة إس كيه سيكيوريتيز، إن حقيقة أن واشنطن لم تفرض حظرا شاملا على إمدادات المعدات لشركات تصنيع الرقائق الأجنبية العاملة في الصين، ستكون بمنزلة إغاثة لشركات أشباه الموصلات الكورية، لكن الحاجة إلى تراخيص التصدير يمكن أن تظل مشكلة.
لكن السؤال الأكبر هو كيف سترد الصين على ذلك. قال أحد المطلعين على الصناعة في بكين، "نحن في دورة سلبية حيث تواصل الولايات المتحدة الضغط من أجل فرض القيود، الأمر الذي يدفع الصينيين إلى السعي لتحقيق الاستقلال التكنولوجي، الذي بدوره يدفع الولايات المتحدة نحو فرض قيود أكثر صرامة".
لكن الوسائل لدى بكين محدودة. وقال الشخص نفسه، "هذا سيدفع الصينيين للبحث عن بدائل، لكن مع الاعتراف بأن البدائل للتكنولوجيا الأمريكية متأخرة بعقود".
قد يؤدي هذا الوضع المؤلم إلى زيادة عدد سرقات الملكية الفكرية. فنظرا إلى أن بعض المعدات الخاضعة الآن لضوابط التصدير تستخدم بالفعل في الصين، قد تتجاهل بكين حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها وتعيد هندسة هذه الآلات في سبيل دعم صانعي المعدات المحليين، كما قال لام من "سي سي إنسايت". أضاف، "ربما سنجعل وضعنا حينها أكثر صعوبة".
كاثرين هيل من تايبيه وكيانر ليو وإليانور أولكوت من هونج كونج وريتشارد ووترز من سان فرانسيسكو وديمتري سيفاستوبولو من واشنطن وكانا إيناغاكي من طوكيو وسونغ جونغ-أ من سيئول