رفع القيود ليس طريقة مختصرة لإنشاء صناعات عالمية المستوى
يتعرض النمو العالمي لخطر جسيم، حيث تضيف صدمات إمدادات الطاقة والغذاء الناتجة عن الأزمة في أوكرانيا إلى الاضطراب الناجم عن جائحة كوفيد- 19. التكنولوجيات الرقمية الجديدة والمنخفضة الكربون بدأت سباقا عالميا للوصول إلى الكتلة الحرجة في الإنتاج، مستمدة قوة دفع إضافية من الصراعات الجيوسياسية. الحاجة ماسة إلى الابتكار وإنشاء قطاعات عالية النمو، وقد أدت موجة جديدة من احترام تدخل الدول إلى إطلاق نقاش حيوي بشكل خاص، السياسة الصناعية أم رفع القيود؟ الاستثمار الموجه من قبل الدولة أم خفض الضرائب؟
أصبحت الأسئلة ملحة مرة أخرى، إلا أن الحكومات تحاول منذ عقود بناء قطاعات مهيمنة على الصعيد العالمي. فما هي الدروس المستفادة؟
نظرا إلى أن المملكة المتحدة تبدو كأنها تمنح اهتمامها الكامل للعلوم الاقتصادية في الوقت الحالي، عبر التفكير في جميع أنواع الأمور التي يرفض أي شخص آخر القيام بها "ربما لسبب وجيه"، فإن تقييم توقعاتها مقارنة بالدول المجاورة قد يكون مفيدا. أوضحت حكومة ليز تراس، في اللحظات النادرة التي تمكن فيها وزراؤها من الابتعاد عن الحرب الأهلية لحزب المحافظين، رؤيتها كاملة للمشكلات في جانب العرض. الأفكار، التي تم طرحها الأربعاء في خطابها القصير لحسن الحظ في المؤتمر الحزبي، ثقيلة فيما يتعلق بجانب رفع القيود "تخفيف قوانين التخطيط، وخفض الضرائب"، وخفيفة على الاستثمار العام.
إحدى هذه الأفكار هو "الهجوم على السلطة"، الذي يهدف إلى زراعة مزيد من الخيار، والخس والطماطم في المملكة المتحدة. إذا تجاهلنا الاسم السخيف، فإنه مشروع منطقي للغاية. يمكن للتكنولوجيا أن تغير الإنتاجية بشكل كبير في الزراعة. زادت إنتاجية بريطانيا من الفاكهة الخالية من البذور بشكل سريع في الأعوام الأخيرة بفضل التحسينات في كفاءة بيوت الدفيئة التي تمدد موسم الزراعة إلى الشتاء. لطالما كانت المملكة المتحدة تعتمد على واردات الفاكهة الخالية من البذور، لكن خلال العقد الماضي أصبح المزارعون البريطانيون منتجين بما يكفي لبدء تصدير كميات كبيرة إلى أوروبا القارية.
يعد نصب الخيام البلاستيكية رخيصا وبسيطا نسبيا، ورفع القيود الوحيد الذي يحتاج إليه هو التساهل من سلطات التخطيط المحلية. لكي نشهد تحقيق إنتاجية زراعية أكثر إبهارا، يخطط رانيل جاياوردينا، وزير الزراعة البريطاني، للقيام برحلة استكشافية إلى هولندا. سيزور دولة أصبحت، على الرغم من كونها صغيرة ومكتظة بأراض وعمالة باهظة الثمن ومناخ رطب بارد، ثاني أكبر مصدر للطماطم في العالم - في الواقع ثاني أكبر مصدر زراعي عالمي عموما من حيث القيمة.
لدى المزارعين الهولنديين تاريخ في زراعة النباتات في الدفيئات، وذلك بفضل صناعة الزهور، والابتكار الزراعي بشكل أعم. منذ عقود، كانوا يبنون نظاما بيئيا خصبا للبحث، والتطوير والإنتاج. أنتجت الشركات المتخصصة منتجات تكميلية لزراعة الخضراوات والفاكهة في الأماكن المغلقة ذات التكنولوجيا العالية، مثل الإضاءة المبتكرة وأنظمة إدارة المناخ والمياه.
لكن السؤال هنا، هل يمكن تكرار ذلك؟ وكيف قدمت الحكومة المساعدة؟ حسنا، لم يكن ذلك عبر إيقاف الإعانات التي شوهت الأسواق أو الاعتماد على الحماية التجارية الشديدة. دعمت الحكومة الهولندية المزارعين بطرق مختلفة، ليس أقلها تمويل جامعة فاخينينجن العامة، واحدة من أفضل مراكز أبحاث الأعمال الزراعية في العالم. لكنها تقع تحت رقابة دائرة المنافسة التابعة للمفوضية الأوروبية من خلال كتاب قواعد المساعدات الحكومية. يفرض الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية على استيراد الطماطم الطازجة، لكن تلك التعرفات تفعل الكثير لحماية دول جنوب أوروبا مثل إيطاليا. هولندا قادرة على المنافسة في السوق العالمية.
لم يكن ذلك أيضا من خلال رفع القيود. على عكس المملكة المتحدة، ظلت هولندا ثابتة للغاية في الاتحاد الأوروبي بشبكتها المعقدة من القواعد المتعلقة بنظافة الأغذية ومعايير البستنة. كما أن لديها تكاليف عمالة مرتفعة والتزاما بتقليل انبعاثات الكربون. يفتخر المزارعون الهولنديون بأنفسهم بسبب تأثيرهم البيئي المنخفض. تعد لوائح الاتحاد الأوروبي من بين أكثر اللوائح صرامة في العالم، لذا فإن البراعة في الامتثال لها تساعد مزارعيه على تلبية المعايير في الأسواق الأخرى.
بعبارة أخرى، فإن الموقف العام لحكومة المملكة المتحدة تجاه إصلاح جانب العرض - ترك المدار التنظيمي للاتحاد الأوروبي وخفض تكاليف العمالة والبيئة - في هذه الحالة، وربما في كثير من الحالات الأخرى، غير مفيد.
هناك، بالطبع، حجج للتخلص من بعض الأنظمة المحلية مثل المبالغة في القيود المفروضة على التخطيط. لكن استيفاء قواعد المنتج أمر بالغ الأهمية للوصول إلى الأسواق الدولية، أدت مغادرة الاتحاد الأوروبي إلى زيادة حواجز التصدير. إن مزارعي الفاكهة الخالية من البذور في بريطانيا الذين كانوا يقتحمون السوق القارية يقولون الآن، إن التكاليف الإضافية لعمليات التفتيش على نظافة الأغذية ونقص عمال الاتحاد الأوروبي قد أفسدت كل عملهم.
إن بناء قطاعات عالمية المستوى ليس في الحقيقة مسألة بسيطة تتعلق بغياب الدولة أو وجودها في السوق. بل تتعلق بالتدخلات التي يجب إجراؤها وإلى متى ولماذا. في الأغلب ما تكون هذه قرارات جيدة. لكن التجارة في اقتصاد عصري تعني التنظيم، ومن الواضح أن التخلي طواعية عن أسواق التصدير وإدخال الحمل الثقيل للامتثال تحت ذريعة الحد من البيروقراطية، هي الطريقة الخاطئة لتحقيق ذلك.