رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأسهم .. تأثيرات الفائدة تتعمق

من الواضح أن التقلبات والتذبذبات التي تمر بها الأسواق العالمية الرئيسة، ستتواصل إلى أجل غير مسمى. ويبدو أن هذه الأسواق باتت تتعاطى مع التطورات الراهنة على الساحة الاقتصادية الدولية عموما، من باب المسلمات. فلا هي تمكنت من وقف التقلبات، ولا توجد في الوقت نفسه مؤشرات تدل على أن العوامل التي تغذي هذه التقلبات ستتوقف قريبا، بل على العكس تماما، فسياسة التشديد النقدي التي تتبعها أغلبية البلدان حاليا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ماضية إلى أن تحقق أهدافها.
لكن المشكلة أن هذه الأهداف لا تزال بعيدة المنال، وسط تفاقم الأوضاع الاقتصادية، من خلال سلسلة من المؤثرات، على رأسها التضخم. فهذا الأخير خرج بالفعل عن السيطرة حتى في عدد من الأسواق المتقدمة التي تعد نفسها لركود بات وشيكا، وربما يكون طويلا بحلول العام المقبل على أبعد تقدير.
ليس غريبا أن تخسر أسواق الأسهم من جراء سياسة التشديد النقدي، أو رفع الفائدة التدرجي منذ مطلع العام الجاري. فهذه الأسواق تتأثر مباشرة بالفائدة المرتفعة على الدولار، وذلك لسبب تقليدي معروف، وهو أن المستثمرين فيها يفضلون نقل أموالهم من الأسهم إلى أصول أقل تقلبا، ومحدودة المخاطر مثل شهادات الإيداع والسندات. وهذا ما يحدث حاليا. فقد تدفقت إلى الولايات المتحدة أموال ضخمة آتية في الواقع من أسواق الأسهم، بما في ذلك أموال خارجة من الأسواق الأجنبية، وتحديدا الغربية منها. بالطبع، للفائدة المرتفعة التي تستقطب مزيدا من الاستثمارات، جوانب سلبية، أولها تراجع حجم الصادرات الأمريكية التي ستصبح أكثر تكلفة على المستوردين الذين يتعاملون بالعملات الأخرى، دون أن ننسى أن الولايات المتحدة تعد ثاني أكبر دولة في العام بعد الصين من حيث قدراتها التصديرية السنوية.
في الأسابيع القليلة الماضية، تعرضت أسواق الأسهم في الدول الغربية إلى تراجعات كبيرة. وستواصل هذا التراجع، لأنها أيضا تتعرض لضغوط آتية من الرفع المتواصل للفائدة. ففي بريطانيا من المتوقع أن تبلغ تكاليف الاقتراض بحلول العام المقبل أكثر من 6 في المائة، ما يعني أن مئات الآلاف من البريطانيين المقترضين لشراء منازلهم سيعجزون عن دفع أقساطهم، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى موجة من سحب العقارات منهم. لكن الملاحظ، أن سوق الأسهم الأمريكية الأكثر تعرضا للضغوط الآتية من الفائدة المرتفعة التي بلغت الشهر الماضي 3.25 في المائة، ومن المتوقع أن تصل إلى 4 في المائة بنهاية العام الجاري. فمؤشر "ناسداك" لشركات التكنولوجيا في السوق الأمريكية، وصل إلى ثلث قيمته منذ نهاية العام الماضي.
وعندما كانت الفائدة في حدود الصفر، كان مؤشر "داو جونز" يحلق في الأعلى، ومع وصولها إلى ما فوق 3 في المائة، خسر المؤشر سبعة آلاف نقطة. وهو أيضا معرض للتراجع في الأسابيع المتبقية من العام الحالي.
وفي كل الأحوال، لن تستقر أوضاع الأسواق بشكل عام، إذا لم يتم التوقف عن سياسة التشديد النقدي، أو على الأقل إبقاء الفائدة على ما هي عليه دون رفع في الفترة المقبلة. لكن يبدو ذلك مستحيلا، لأن الفائدة المرتفعة تبقى الآلية الأكثر توافرا على الساحة لكبح جماح التضخم، الذي بلغ في بعض البلدان الغربية الخانة العشرية. إنها عملية ليست معقدة، لكنها متداخلة بصورة واضحة، في الوقت الذي لا تزال فيه عوامل ارتفاع التضخم موجودة في الميدان، مع تفاقم حرب تجري في أوروبا هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي