4 بؤر توتر تهدد الاستقرار المالي

4 بؤر توتر تهدد الاستقرار المالي

تقع دالاس على بعد خمسة آلاف ميل تقريبا من لندن. لكن عندما انفجرت أسواق السندات الحكومية في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي - واضطر بنك إنجلترا إلى التدخل بمبلغ 65 مليار جنيه استرليني لدعم صناديق التقاعد - تركت الدراما ريتشارد فيشر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، في حالة ذهول.
حذر فيشر لأعوام من أن عقدا من السياسة النقدية المتساهلة للغاية من شأنه أن يوجد جيوبا من عدم الاستقرار المالي في المستقبل. لذلك فهو يرى دراما السندات البريطانية المضمونة "التي حدثت لأن صناديق التقاعد أساءت التعامل مع الرهانات ذات المديونية العالية" ليست حدثا منعزلا، بل علامة على اتجاه.
قال لشبكة "سي إن بي سي"، "تحدث هذه (الاستراتيجية الحمقاء) دائما عندما تقترب أسعار الفائدة من الحد الصفري وتذهب الأمور إلى أقصى الحدود"، مضيفا أن الأزمة "مؤشر على أشياء أخرى من المحتمل أن تنفجر، لأن المستثمرين والمؤسسات أصبحوا مثقلين بالديون بشكل خطير، وكانوا يعتقدون أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة إلى الأبد".
أصبحت الأسواق بالفعل متوترة ومتقلبة، وليس فقط في المملكة المتحدة. مثلا، قفز الآن مؤشر توتر الأسواق الذي يتولى تجميعه مكتب التقارير المالية في واشنطن، إلى أعلى مستوى له في عامين.
وعلى الرغم من أن فيشر لم يحدد المكان "الذي من المحتمل أن تنفجر فيه أشياء أخرى"، أرى أن هناك أربعة أماكن على الأقل ينبغي للمستثمرين "والمنظمين" مراقبتها من كثب "بصرف النظر عن صناديق التقاعد الأخرى".
الأول، الصناديق الاستثمارية ذات النهايات المفتوحة، أو الأدوات التي تسمح للمستثمرين باسترداد الأصول وقتما يرغبون. بحسب ما يشير صندوق النقد الدولي في استعراضه المقبل للاستقرار المالي، تضخم هذا القطاع وأصبح يحتوي على 41 تريليون دولار من الأصول.
تتم إدارة كثير من هذه الصناديق بشكل متحفظ، لكن بعضها انتقل إلى الأصول غير السائلة لاستخلاص العوائد. ويحذر صندوق النقد الدولي الآن من عدم التطابق الناشئ عن كون الأصول قصيرة الأجل لا تغطي الالتزامات قصيرة الأجل "يسهم في التقلبات في أسواق الأصول وربما يهدد الاستقرار المالي"، إذا بدأ الذعر يدب في قلوب المستثمرين.
قد يجيب بعض المراقبين "حسنا، يا للحماقة". قبل كل شيء، عدم تطابق السيولة والمدة عادة ما يكون مصدر الدراما المالية، وهذا ليس بجديد. لكن تجب مراقبته، خاصة أنه لا يبدو أن أحدا يعرف حجم حالات التعرض غير السائلة المحتملة.
القضية الثانية هي السندات الحكومية. أزمة سندات الخزانة البريطانية المضمونة الأسبوع الماضي نشأت جزئيا بسبب الطبيعة الخاصة لنظام صناديق المعاشات التقاعدية البريطاني. لكن ليس بالكامل: كل أسواق السندات الحكومية الغربية تتصارع مع حقيقة أن السيولة تميل بشكل متزايد إلى التبخر في لحظات التوتر. أحد الأسباب هو أن البنوك الكبرى لم تعد تعمل صناعا للسوق، بسبب الضوابط التنظيمية الأشد.
أوجدت قضية السيولة هذه شبه كارثة في سندات الخزانة في آذار (مارس) 2020 ويخشى بعض المراقبين من ظهور ما يسمى "دوامة التقلب" في الأسواق الأمريكية مرة أخرى. تحاول البنوك المركزية إصلاح ذلك، لكن ليس من السهل إنجاز مثل هذا الإصلاح.
كما أشار بول تاكر، نائب محافظ بنك إنجلترا السابق، هذا الصيف، يمكن القول إن "الحل" الوحيد الفعال حقا هو أن تعد البنوك المركزية دائما بتقديم السيولة للأصول التي يفترض أنها "آمنة"، كالسندات الحكومية، عند حدوث أزمة. اتخذ بنك إنجلترا هذه الخطوة باعتبارها إجراء طارئا الأسبوع الماضي. لكن لا يوجد بنك مركزي يريد أن يقدم تعهدا دائما، لأن البنوك المركزية من المفترض أن تقلل من التدخل في السوق، لا أن تزيده.
القضية الثالثة هي الإسكان. أشار بنك التسويات الدولية في تقرير قوي، إلى أن سوق العقارات العالمية بدت في الآونة الأخيرة غريبة، وفقا للمعايير التاريخية. تزايدت العلاقات بين المناطق الجغرافية المختلفة وانتعشت أسعار المنازل بسرعة مفاجئة بعد ركودها إبان الجائحة.
والأهم من ذلك، أن الأسعار استمرت في الارتفاع في وقت سابق من هذا العام، حتى بعد بدء تشديد السياسة النقدية. قد يعكس هذا التحولات الهيكلية، كالعمل من المنزل، لكنه كان أيضا نتيجة للسياسة النقدية السابقة الفضفاضة للغاية.
مع ذلك، في الأسابيع الأخيرة، كان هناك ارتفاع مذهل في سعر فائدة الرهون العقارية الأمريكية الثابتة لمدة 30 عاما التي وصلت إلى 6.75 في المائة، وهو أعلى معدل لها منذ 2006. ومن شبه المؤكد أن هذا سيؤدي إلى انخفاض أسعار المنازل في الأسابيع المقبلة. استعد للتقلب - والضغط - في سندات الرهن العقاري.
المسألة الرابعة هي المال الخاص. يمكن القول إن الاختلاف الأكبر بين دورة التشديد الحالية والدورات السابقة "بصرف النظر عن النطاق اللافت للنظر للتخفيف النقدي السابق" هو أن كثيرا من جنون الأموال المجانية حدث في صناديق الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر، وليس فقط الأسواق العامة.
وهذا يجعل تتبع الألم أكثر صعوبة من ذي قبل مع دوران الدورة النقدية. يمكننا أن نرى أن أسعار السندات غير المرغوب فيها قد تراجعت أخيرا، لكن لا يمكننا تتبع القيمة الحقيقية للأصول التي تمتلكها الصناديق الخاصة. ربما تستطيع تحديدها بشكل صحيح، لكني أشك في ذلك، خاصة بالنظر إلى أنها تبيع الأصول بشكل متزايد لبعضها بعضا ـ توقع تصفية حسابات في المستقبل.
هذه القائمة من بؤر التوتر المحتملة ليست شاملة "أصول الأسواق الناشئة هي أمر آخر". علاوة على ذلك، قد لا "تنفجر" على الفور، بالنظر إلى مقدار الأموال التي لا تزال تدور حولها نتيجة للتخفيف في الماضي. أحد التفاصيل ذات الدلالة، الواردة في مؤشر توتر السوق التابع لمكتب الأبحاث المالية، هو أن التوتر زاد في المقام الأول بسبب ارتفاع تقلبات السوق، وليس تدهور ظروف التمويل. فلا تزال ظروف التمويل تبدو مستقرة في المؤشر.
لكن "لا تزال" هي الكلمة الرئيسة هنا: إذا استمرت البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة، فسيتغير قطاع التمويل حتما. وعلى المستثمرين أن يستعدوا لمزيد من المفاجآت في أماكن أخرى غير المملكة المتحدة. هذا بالطبع في حال لم يكشف اجتماع صندوق النقد الدولي الأسبوع المقبل في واشنطن أن البنوك المركزية على وشك القيام بانعطافة "أخرى" شبه كاملة.

الأكثر قراءة