2023 .. النظرة سلبية
تجمع كل الدوائر العالمية على أن العام المقبل سيكون أكثر صعوبة من العام الحالي، على الصعيد الاقتصادي، في ظل تفاقم الموجة التضخمية العالمية المخفية، واستفحال الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الخطيرة، وغياب تفاهم دولي حقيقي لحل المشكلات التي تواجه العالم أجمع، خصوصا تلك التي ترتبط بالصراعات والاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية، حتى الخلافات المرشحة دائما للتحول إلى مشكلات طويلة الأمد.
والعام المقبل، يمكننا أن نطلق عليه "عام الركود" لماذا؟ لأن أغلب الاقتصادات التي تمر حاليا بمرحلة من التباطؤ المخيف، ستنتقل تلقائيا إلى دائرة الركود، بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة، بصرف النظر عن محاولات المسؤولين فيها لترويج وضعية التباطؤ الاقتصادي، ونكران الركود شبه الحتمي. فالكل يعلم أن التضخم وصل في بعض الدول إلى الخانة العشرية، وسيصل في دول أخرى إلى هذه الخانة في النصف الأول من العام المقبل.
أمام هذا المشهد، يمكن أن ننظر إلى الصورة القاتمة للتجارة العالمية التي رسمتها منظمة التجارة العالمية نفسها. فهذه الأخيرة خفضت تقديراتها بشكل حاد، مستندة إلى المعطيات السابقة وغيرها من التحولات التي يمكن أن تحدث حتى قبل نهاية العام الجاري. فالتباطؤ الحاد المتوقع للتجارة العالمية في 2023 صار مؤكدا وفق المنظمة العالمية، وهذا ما يبرر مثلا التراجع الكبير في أسعار الشحن حول العالم، التي انخفضت قي الأشهر الماضية من العام الحالي إلى 70 في المائة في بعض الدول، وهي مرشحة بالطبع للانخفاض أكثر في العام المقبل، خصوصا مع دخول الحراك التجاري العالمي مرحلة تباطؤ عميقة. والحق أن المؤشرات المطمئنة غائبة في هذا الميدان وغيره. فالتشديد النقدي الراهن الذي تقوده ضربات التضخم، يسهم مباشرة في التباطؤ التجاري، ويبدو واضحا أنه ماض في مساره لمستويات مرتفعة نادرة.
واللافت أن منظمة التجارة العالمية تتوقع نمو حجم التجارة العالمية السلعية في العام الجاري بحدود 3.5 في المائة، بزيادة قدرها 0.5 في المائة على تقديراتها السابقة مطلع هذا العام، إلا أن توقعات العام المقبل بنمو هذا القطاع العالمي الهائل بنسبة 1 في المائة فقط، تضع مزيدا من الشكوك حول مصير النمو في 2024.
فقد كانت التوقعات تشير إلى نمو عام 2023 يبلغ 3.4 في المائة. وكما يبدو فالفارق كبير بين المستويين. كل هذا يرتبط بالطبع بنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي يتوقع أن يحقق 2.8 في المائة في العام الجاري، و2.3 في المائة في العام المقبل، غير أن هناك توقعات من جهات دولية أخرى تتحدث عن مستويات أقل من ذلك في العامين المذكورين.
وبصرف النظر عن التوقعات المتباينة بصورة طفيفة لنمو الاقتصاد العالمي، فإن مسار حركة التجارة العالمية تحدد بالفعل في ظل وتيرة الأداء الاقتصادي الدولي العام. فالضغوط التي لا تتوقف من ناحية الطاقة، تؤثر كثيرا في أداء الاقتصاد ككل و قطاعاته والخدمات التي تمثل جزءا أصيلا منه.
ورغم كل هذه المؤثرات السلبية، لا بد من الإشارة إلى أن التجارة العالمية لن تشهد ركودا في العام المقبل، وإنما ستحقق نموا متواضعا للغاية بحدود 1 في المائة، رغم وجود احتمال لتخفيض هذه النسبة في مرحلة لاحقة من العام الحالي. وإذا حققت التجارة العالمية نموا بنسبة 1 في المائة في 2023، فالحفاظ على هذا المستوى ليس مضمونا أيضا في 2024، إذا ما نظرنا مجددا إلى خريطة التطورات والتحولات العالمية السلبية هنا وهناك.