بريطانيا بحاجة إلى استراتيجية لعصر الآلة الثاني

بريطانيا بحاجة إلى استراتيجية لعصر الآلة الثاني

إليكم بعض الأخبار السارة عن بريطانيا: هذه الدولة تبرع في الابتكار. وفقا لأحدث نتائج مؤشر الابتكار العالمي، تحتل المملكة المتحدة المرتبة الرابعة عالميا بعد سويسرا والولايات المتحدة والسويد. هذه الدولة أيضا راسخة بشكل خاص في الإبداع والبحث والخدمات المالية والبنية التحتية. من "جولد ستارز" إلى "جوجل ديب مايند" وجامعة كامبريدج وخط إليزابيث للسكك الحديدية الذي افتتح أخيرا.
وإليكم فكرة غير راديكالية تصلح لبريطانيا لحين تتشكل فيها حكومة جادة: البناء على نقاط القوة هذه من أجل تعظيم فوائدها. ينبغي للوزراء بذل مزيد من الجهد لدعم الباحثين ورواد الأعمال الذين يركبون المخاطر لتأسيس الشركات وإيجاد فرص عمل. بدلا من ذلك يبدو أنهم أكثر حرصا على التمسك بالمصرفيين أصحاب المكافآت، الذين يسعون لتحقيق الأرباح وكسب المصالح الشخصية، والذين يركزون على رفاهية الشركات والتخفيضات الضريبية. هذا يجعل الحكومة تبدو كأنها جوقة صماء تعزف تكريما لتاتشر التي لم يعد لها صدى في عصرنا. هذا صعب جدا على توجهات "بيج بانج 2.0" لكنه في المقابل خفيف للغاية في عصر الآلة الثاني.
وكما يؤكد مؤلفو مؤشر الابتكار العالمي، بحق، هناك تغييران كبيران يعملان على تحويل الاقتصاد العالمي: رقمنة كل شيء، إضافة إلى الثورة العلمية العميقة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. يقول سوميترا دوتا، عميد كلية سعيد للأعمال في جامعة أكسفورد والمؤلف المشارك لتقرير مؤشر الابتكار العالمي "على مدى الأعوام العشرة إلى الـ20 المقبلة، سنشهد فرصا هائلة تبرز في هذين المجالين، وستكون الدول المستعدة لهما هي الأكثر استفادة منها".
ونظرا إلى رسوخ بريطانيا في البحث والابتكار، فإنها في وضع مناسب للاستفادة من هذين التحولين. لكن كي يتحقق ذلك، ينبغي لها أن تشحذ مهاراتها في أربعة مجالات على الأقل.
أولا، تحتاج بريطانيا إلى مضاعفة جهودها في الأبحاث التأسيسية. فبعض جامعات المملكة المتحدة من الطراز العالمي: وتستمر "كامبريدج" في كونها أكثر التجمعات العلمية والتكنولوجية تركيزا في العالم، وفقا لمؤشر الابتكار العالمي. وعلى صعيد الأبحاث والابتكار في المملكة المتحدة، تمتلك بريطانيا هيئة تمويل أبحاث تتبع نهجا أكثر مرونة لدعم الأبحاث الأكثر إثارة، على الأقل من ناحية بلاغية. كما أن وكالة أيه آر أي أيه "وكالة البحث المتقدم والاختراع"، هي تجربة جديدة تستحق التمويل والدعم المستدامين.
مع ذلك، أحد المعوقات الكبيرة الذي يلقي بظلاله على تلك الآمال هو احتمال أن تفقد المملكة المتحدة إمكانية الوصول إلى برنامج "هورايزون يوروب" للعلوم الذي تبلغ قيمته 95 مليار يورو. فقد تسبب عدم اليقين بشأن العلاقة المستقبلية في انتكاس كثير من مشاريع الأبحاث العابرة للحدود. كذلك الأموال البديلة ليست كافية: يجب على الحكومة أن تفعل كل ما هو ممكن لضمان بقاء بريطانيا في هذه الشبكة الأوروبية التعاونية.
وذلك يتماشى مع الحاجة الثانية: يجب أن تظل المملكة المتحدة منفتحة على العالم. في حين إن الوزراء قد يكونون قد تحدثوا بصوت عال عن بريطانيا عالمية، إلا أن كثيرا من الأصوات التي تنادي بليتل إنجلاند "إنجلترا الصغيرة" قد سمعت في الخارج. وحتى نكون منصفين، برنامج تأشيرة الدخول للعمال المهرة الذي وضعته الحكومة ساعد على حماية المشهد النابض بالحياة للشركات الناشئة في المملكة المتحدة. وجدت تيك نايشن أن الأشخاص من غير البريطانيين ساعدوا على إطلاق 18 في المائة من جميع شركات التكنولوجيا البريطانية. في الوقت الحالي تبقى المملكة المتحدة ثالث أهم سوق للشركات الناشئة في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين. لكن بريطانيا بحاجة لأن تبقى الشركات متعددة الجنسيات التي انبثقت الآن عن شركة ديب مايند في المملكة المتحدة بدلا من الانتقال إلى الولايات المتحدة أو كندا أو فرنسا أو سنغافورة.
ثالثا، يتعين على بريطانيا أن تحفز بشكل أكبر على تبني الابتكار لتعزيز الإنتاجية. تؤكد وكالة "بي ذا بيزنيس"، وهي وكالة أعمال مستقلة، أن أكبر المكاسب سيأتي من تشجيع الـ60 في المائة من الشركات الوسيطة على تحسين مستواها. لكن يجب على المملكة المتحدة أيضا أن تصبح أكثر ذكاء في دعم شركاتها الجديدة الأكثر ديناميكية وإنتاجية. وجب العمل على الإصلاحات التي تم التعهد بها منذ فترة طويلة لتحرير الأموال المؤسسية من أجل زيادة الاستثمار في رأس المال المغامر.
رابعا، التنظيم الذكي. هذا لا يعني التخلي عن التنظيم، كما يعتقد المنتمون إلى الأيديولوجيات القديمة. وفي حين كان المنظمون الأمريكيون يخضعون لسيطرة المنتجين في كثير من الأحيان، فإن نظراءهم في الاتحاد الأوروبي أعطوا وزنا أكبر للمستهلكين. هناك فرصة لبريطانيا لإيجاد طريق ثالث براجماتي في مجالات مثل القيادة الذاتية وحوكمة البيانات. وما يثير القلق أن هذه المبادرات تتعرض لخطر التوقف وتحتاج إلى متابعة صارمة.
أخبرني أحد الوزراء السابقين في حزب المحافظين بأنه من "السخف" أن تنتقد ليز تراس "تحالفا مناهضا للنمو". فقبل كل شيء، رئيسة الوزراء كانت جزءا من الحكومة التي أقامت حواجز تجارية مع أكبر سوق تصدير بريطانية، وأثنت عمال الاتحاد الأوروبي المقدامين عن الانتقال إلى المملكة المتحدة.
أداء بريطانيا ضعيف في تصنيفات مؤشر الابتكار العالمي فيما يتعلق بالاستقرار السياسي والتجاري. بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين، يجب على "داونينج ستريت" أن يتحمل المسؤولية ويطور استراتيجية نمو شاملة تتناسب مع القرن الـ21 وأن تكون جديرة باسمها.

الأكثر قراءة