سنغافورة .. جنة تشفير شوهتها الانهيارات البارزة عالميا

سنغافورة .. جنة تشفير شوهتها الانهيارات البارزة عالميا

عمليات البحث الدولية لدو كوون، المؤسس المشارك لشركة تيرافورم لابز للعملات الرقمية التي أعلنت انهيارها سابقا، سلطت الضوء على سنغافورة، التي تضررت سمعتها بعد انهيار عدد من صناديق الأصول الرقمية التي لها صلات في المدينة الدولة.
لم يقتصر الأمر على أن شركة كوون، التي انهارت عملتها المستقرة "تيرا-دولار" في أيار (مايو)، كانت مسجلة في سنغافورة، بل يعتقد الادعاء الكوري أنه سافر إلى المدينة الدولة في نيسان (أبريل).
الأسبوع الماضي، أظهر كوون موقعه على منصة تويتر في سنغافورة، وكتب في تغريدة أنه لا يبذل "أي جهد" للاختباء. قالت شرطة سنغافورة إن كوون ليس في المدينة الدولة.
قضية كوون ليست قضية التشفير الوحيدة البارزة المثيرة للجدل التي يتم اكتشافها في سنغافورة، وكانت حتى وقت قريب تقدم نفسها على أنها وجهة صديقة للأصول الرقمية في منافسة مع دبي وزيوريخ، منافستيها على مستوى العالم.
قال مسؤولون تنفيذيون وخبراء في مجال العملات المشفرة، إن القائمة الطويلة من الفضائح والانهيارات شوهت سمعة سنغافورة بعد أن روج المسؤولون لاستقرارها ولوائحها التنظيمية المحكمة وملاءمتها الضريبية، بأنها ميزة لشركات العملات المشفرة ومستثمريها.
"الضرر الذي لحق بسمعتها خلال الأشهر الستة الماضية أكثر خطورة بكثير مما كان عليه الحال"، كما قال كلفن لو، أستاذ القانون في جامعة سنغافورة الوطنية. "في كل مرة تظهر فيها إحدى هذه الشركات، يتم ذكرها باعتبار أن مقرها في سنغافورة".
يمكن تتبع بعض أكبر انهيارات العملات المشفرة عبر سنغافورة، التي جذبت شركات الأصول الرقمية من جميع أنحاء العالم.
"تتمتع سنغافورة ببيئة تنظيمية تعد الأكثر تحررا بعد سويسرا فيما يتعلق بالاستثمار في العملات المشفرة"، كما ذكر كيم هيونج جونج، رئيس مركز أبحاث العملات المشفرة في جامعة كوريا.
أضاف كيم، "يفضل المشاركون في سوق العملات المشفرة العمل في سنغافورة بسبب الأنظمة التي تتسم بالشفافية، ولسهولة وصولهم إلى المستثمرين من أجل الحصول على التمويل".
"ثري آروز كابيتال"، صندوق تحوط للعملات المشفرة انهار في حزيران (يونيو)، بدأت بصفتها شركة لإدارة الصناديق مسجلة في سنغافورة.
في وقت لاحق، انتقلت إدارة الصندوق الوحيد الذي تملكه الشركة إلى كيان خارجي في جزر فيرجن البريطانية. لم يكشف المؤسسان المشاركان سو تشو وكايل ديفيز عن موقعهما منذ إفلاس "ثري آروز".
وجهت الهيئة التنظيمية في سنغافورة اللوم رسميا إلى شركة ثري آروز لتقديمها معلومات خاطئة وانتهاكها حدودا معينة لإدارة الأصول. أضافت أنها تقيم ما إذا كانت هناك انتهاكات تنظيمية أخرى قد حدثت.
"هودلنوت"، منصة إقراض عملات مشفرة في سنغافورة حصلت على موافقة مبدئية على الترخيص من السلطة النقدية في سنغافورة، أوقفت عمليات السحب واستغنت عن أغلبية موظفيها في وقت سابق من هذا العام.
في آب (أغسطس)، تم وضع "هودلنوت" تحت الإدارة القضائية المؤقتة. قالت الشركة إن هذا القرار "سيوفر فرصة أفضل للتعافي". قالت شرطة سنغافورة إنها كانت "تحقق" في قضية "هودلنوت".
لم تحقق شرطة سنغافورة في انهيار عملة "تيرا دولار" على الرغم من رفع شكوى، وفقا لوسائل الإعلام المحلية. كما أنها لم تجب عن طلب للتعليق بشأن "تيرافورم لابز" وقضية كوون.
قالت السلطة النقدية في سنغافورة إنه "لم يتم ترخيص أي من هذه الشركات المتعثرة من قبل السلطة النقدية في سنغافورة" بموجب قانونها لخدمات الدفع، الذي ينظم أنظمة المدفوعات، وبالتالي فهي لا تخضع لولايتها القضائية.
أفادت بأن "ثري آروز كابيتال" "توقفت عن إدارة الصناديق في سنغافورة قبل المشكلات التي أدت إلى إفلاسها". أضافت أن "هودلنوت" سحبت طلب ترخيصها، وبالتالي فإن "إيقاف الخدمات لا ينتهك" اللوائح التنظيمية في سنغافورة.
قالت السلطة النقدية في سنغافورة، "في سنغافورة، كما هو الحال في جميع السلطات القضائية الأخرى، ليست جميع الأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة خاضعة للتنظيم"، مضيفة أن "نهجها التنظيمي المتطور يجعل سنغافورة واحدة من أكثر الدول شمولا في إدارة مخاطر الأصول الرقمية".
مع بداية أزمة العملات المشفرة، شرع المنظمون في سنغافورة في اتخاذ موقف أكثر صرامة، حيث قدم المسؤولون وعدا بأن يكونوا "أشد صرامة" بشأن السلوك السيئ في القطاع.
لكن قال خبراء إن سنغافورة لا تفعل ما يكفي لمعاقبة الاحتيال المحتمل أو التحقيق فيه، حيث اجتاحتها أزمة صناعة الأصول الرقمية، مسببة سيلا من الخسائر للمستثمرين الأفراد.
"أعتقد أن هناك حدا لرغبة سنغافورة في قول شيء ما وفعل شيء مختلف تماما"، قال مسؤول تنفيذي في شركة عملات مشفرة نشطة في سنغافورة.
ذكر المسؤول التنفيذي نفسه أنه يعتقد أن سنغافورة كانت في "موقف حرج" في محاولتها لتحقيق توازن بين النظر إليها على أنها "لاعبة أساسية في الاقتصاد العالمي"، و"محاولة الترويج لنفسها بصفتها مركزا للابتكار في صناعة ناشئة التي تظهر بوضوح أن لديها عددا متزايدا من الأطراف السيئة".
في آب (أغسطس)، رافي مينون، المدير الإداري للسلطة النقدية في سنغافورة، أبعد الهيئة التنظيمية عن الفضائح وقال إنها ستتخذ "مزيدا من الإجراءات للحد من تضرر المستهلكين".
كانت معظم الخطوات تدابير وقائية لحماية مستثمرين أفراد سنغافوريين، مثل اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإعلانات، بدلا من إجراءات التأديبية.
تسببت النبرة المتغيرة من المسؤولين، بمن فيهم مينون، في إعادة بعض شركات العملات المشفرة تقييم عملياتها في سنغافورة.
تخلت "بينانس"، أكبر منصة لتداول العملات المشفرة في العالم، عن خططها لجعل المدينة مركزا لسوق العملات المشفرة رغم عيش رئيسها التنفيذي، تشانج بينج تشاو، هناك معظم الوقت في 2021. في العام الماضي، وضعت السلطة النقدية في سنغافورة أيضا المنصة في قائمة لتحذير المستثمرين من الجهات غير المرخصة.
"سنغافورة ليست محط اهتمام كبير لنا"، قال جليب كوستاريف، الرئيس الإقليمي لآسيا في "بينانس". "يعتمد كثير على التنظيم (...)في السابق كانت سنغافورة تشبه جنة العملات المشفرة (...)الزمن تغير".
جاء آخرون للدفاع عن مكانة سنغافورة كونها مركزا للعملات المشفرة، ما يدل على أن إلقاء اللوم على المدينة الدولة غير عادل.
قال أحد الأشخاص المطلعين على الأمر، "أرى أن محاولة وضع كل العبء والمسؤولية على المنظمين أمر مجحف إلى حد ما أيضا، في حين أن الطرف المسؤول في كثير من الحالات في الأغلب هم المشاركون في أسواق العملات المشفرة الذين بصراحة، في كثير من الحالات، ينبغي أن يفكروا بطريقة أفضل".
قالت تيريزا جودي جيلين، شريكة في شركة بيكر هوستيتلر الأمريكية للمحاماة، إن قائمة النشرة الحمراء الصادرة من الإنتربول بشأن كوون "من المستبعد أن يكون لها تأثير في مصلحة شرعية الشركات في تأسيسها أو تشغيلها في سنغافورة".
أضافت أن صناعة العملات المشفرة "لا يبدو أنها تستجيب بطريقة سلبية لتحقيق السلطات القانونية في مزاعم النشاط الإجرامي والاحتيال وما شابه ذلك".
"تشين أب"، شركة بلوكتشين تقدم التكنولوجيا لمنصات تداول العملات المشفرة وغيرها من العملاء، قالت إنها تتوسع في سنغافورة.
نقلت الشركة الناشئة مقرها الرئيس من الصين إلى سنغافورة في 2019، لأن بكين كانت تشير آنذاك إلى تضييقها الخناق على القطاع.
قال سيلور تشونج، الرئيس التنفيذي لشركة تشين أب، "أنا واثق من نهج المنظمين".
أضاف، "لا يمكن لأي دولة أن تحيط بكل شيء ومن الصعب على حكومة سنغافورة فرض سيادة القانون على الشركات التي تدير عمليات في الخارج".

الأكثر قراءة