الناتج المحلي الإجمالي ليس مقياسا لرفاهية المجتمع

الناتج المحلي الإجمالي ليس مقياسا لرفاهية المجتمع

هناك موجة انتقادات لاذعة ضد تركيز ليز تراس الوحيد على النمو: ماذا عن الفقراء، ماذا عن كوكب الأرض؟ ففي مطاردتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي يدور هذا النقد حوله، تظهر تراس نفسها على أنها سياسية تعرف ثمن كل شيء ولا تعرف قيمة أي شيء.
لكن هذا النقد خاطئ. رئيسة وزراء المملكة المتحدة الجديدة محقة تماما في الاعتقاد أن النمو الاقتصادي يجب أن يكون على رأس أولوياتها، لكن المشكلة هي أنها لا تملك أدنى فكرة عن طريقة التعامل مع الأمر.
لنبدأ بقضية النمو الاقتصادي. الناتج المحلي الإجمالي ليس، ولم يكن قط، محاولة قياس مدى رفاهية المجتمع. من السهل ذكر أنشطة تعزز الرفاهية لكن لا تعزز النمو، وكثير من الأنشطة التي تعزز النمو لكن لا تعزز الرفاهية.
مع ذلك، من المدهش كيف أن الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي المرتفع لديها أيضا مواطنون ينعمون بالازدهار. اختر ما تشاء من المسائل، من متوسط العمر المتوقع إلى وفيات الأطفال، ومن الفرص المتاحة للنساء إلى حماية الحقوق الأساسية للإنسان، والشوارع النظيفة، وتدني الجريمة، وحتى الفن ذي الجودة الأفضل، ومن التلفاز إلى الأوبرا. بطريقة أو بأخرى، من المرجح أن الذين يعيشون في الدول الغنية يستمتعون بقدر أكبر من الأشياء الجيدة.
بالطبع، في عديد من هذه الحالات، ربما تسير هذه العلاقة السببية في كلا الاتجاهين. الأشخاص الأصحاء والمدن الآمنة والنساء الممكنات هي كلها أسباب ونتائج للنمو الاقتصادي. وعندما ينظر المرء من خلال عدسة الجهود المعقدة والمتطورة والمتعددة الأبعاد لقياس الرفاهية، نجد كثيرا من الأمور التي تشير إلى أن النمو أمر جيد. مثلا، مؤشر التقدم الاجتماعي يضم "60 مؤشرا للنتائج الاجتماعية والبيئية" لاستخراج "صورة دقيقة لما يبدو عليه المجتمع الناجح". هذا الجهد القيم يجلب بعض المفاجآت. أنجح 25 مجتمعا هي دول الشمال وأوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية. وبصرف النظر عن الدول البترولية القليلة، فإن قائمة الدول ذات أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد تشمل كثيرا من الأسماء نفسها.
ركز على الدول الأقل حظا وسترى أن بوروندي وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية والصومال وتشاد تقع جميعها في المراكز العشرة الأخيرة من القائمة. هل هي العشرة الأخيرة من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، أم بحسب مؤشر التقدم الاجتماعي؟ بالطبع كلاهما.
نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ليس مقياسا للتقدم الاجتماعي، لكنه مرتبط ارتباطا وثيقا وبشكل استثنائي بالتقدم الاجتماعي.
لا ينبغي لنا أن ننسى حجة بنيامين فريدمان بعيدة النظر، في "كتاب العواقب الأخلاقية للنمو الاقتصادي" الصادر عام 2005، التي تقول "إن النمو الاقتصادي - الذي يعني ارتفاع مستوى المعيشة للأغلبية العظمى من المواطنين - يعزز في كثير من الأحيان فرصا أكبر، وقبول التنوع، والحراك الاجتماعي، والالتزام بالعدالة، والإخلاص للديمقراطية". من الواضح أن النمو الراكد - الذي شهده كثير من الدول الغنية، ولا سيما المملكة المتحدة منذ 2008 - يهدد بعكس ذلك. إذا كنت تشك في هذا، فانظر حولك.
النمو الاقتصادي يعزز كل هذه الأمور الجيدة، ويقدم فائدة أخرى، وهي أنه يميل إلى الاستمرار. أفضل مؤشر على الاقتصادات التي ستكون معقدة ومتطورة ومنتجة وغنية العام المقبل هو قائمة الاقتصادات التي كانت معقدة ومتطورة ومنتجة وغنية العام الماضي. إذا نموت على نحو أسرع الآن، فسيكون ذلك سببا لتوقع أنك ستصبح أكثر ثراء إلى أجل غير مسمى.
هذه إذن، هي حال إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي، ليس لاستبعاد كل ما دون ذلك، لكن كهدف جوهرى للسياسة. تستحق تراس وكواسي كوارتنج وزير ماليتها، التقدير على إدراك ذلك. إعطاء الأولوية للنمو في الماضي غير البعيد كان من الممكن أن يؤدي إلى تجنب بعض الأخطاء السياسية الواضحة، مثل إصرار تيريزا ماي على ترك الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية الموحدة، أو هوس جورج أوزبورن الكارثي بموازنة الميزانية في ظل ركود عميق.
لكن بينما أظهرت الحكومات الحديثة كيف تكبح النمو، فإننا لا نعرف الكثير عن كيفية زيادته. وتصريحات تراس حتى الآن لا تمنح الشعور بالثقة.
تبجحها بشأن "وصمة العار" الخاصة بواردات الجبن يدل على شخص لم يقدر أهمية التجارة الحرة في السلع لاقتصاد حديث ومزدهر. أما حزنها على رؤية الألواح الشمسية في الأراضي الزراعية فهو يظهر روحا تقدر التقاليد الريفية أكثر من التكنولوجيا الحيوية التي تزيد الإنتاجية بمعدل مذهل - علاوة على الأسلوب الغريب للتدخل القاسي.
سقف أسعار الطاقة الواسع واللانهائي الذي حددته يعد ضربة موجعة لقوى السوق. إن حكومة مؤيدة للنمو كانت لتحقق الهدف الاجتماعي نفسه من خلال السماح للأسعار بالارتفاع، مع إعطاء منحة نقدية تعويضية لكل أسرة. ومن شأن ذلك أن يسمح لنظام الأسعار بتشجيع الاستخدام الفعال للتكنولوجيا القديمة واحتضان التكنولوجيا الجديدة.
من الجيد أن تصب رئيسة الوزراء تركيزها على تحقيق هدف النمو، لكن ما نحتاج إليه حقا هو أن تظهر علامات على قدرتها على تحقيق الهدف بقوة.

الأكثر قراءة