معرض الرياض الدولي للكتاب .. «فصول ثقافة» محملة بالتغيير والتطوير
استقبلت الرياض ضيفها السنوي الكبير "معرض الرياض الدولي للكتاب" في حلته الجديدة والواسعة، من خلال برنامج ثقافي يمثل ضعف فعاليات العام الماضي، مستضيفا أكثر من 1200 دار نشر سعودية وعربية ودولية من نحو 32 دولة، وتحل فيه تونس ضيف شرف.
دورة المعرض لهذا العام حملت اسم "فصول الثقافة"، وجاءت محملة بالتغيير والتطوير، مثل تخصيصه مساحة للسينما الخارجية لعرض أبرز الأفلام التي انتقلت من الكتب المطبوعة إلى صالات السينما، مستهدفا الزوار المهتمين بقراءة القصص والروايات، وجناح للمكتبات الفردية، ويسعى إلى جمع أبرز وأهم الكتب المملوكة لأشهر المثقفين، منها كتب خاصة بثلاثة ملوك، وجناح للوكيل الأدبي، وغيرها من التغييرات التي لمسها الزوار برفقة "خير جليس".
«جينيس» .. وترحيب مضاعف
رحبت موسوعة جينيس للأرقام القياسية بما تضمنه معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث سجلت للمعرض رقمين قياسيين تمثلا في أكبر كلمة مكونة مما يزيد على 7191 كتابا، شكلت في مجموعها كلمة "ترجم"، إضافة إلى أكبر كتاب منبثق في العالم.
وبحسب الأدب والنشر والترجمة، فإن تصميم أكبر كلمة مكونة من الكتب، بهدف تسليط الضوء على أهمية الترجمة في مد الجسور بين الدول والحضارات، وتفعيل التبادل الثقافي العالمي، حيث جاءت هذه الكلمة العملاقة على أربعة حروف منفصلة، واستخدمت في تجسيدها كتب هي حصيلة كتب مبادرة "ترجم" التي أطلقتها الهيئة في وقت سابق.
في حين اختير الرقم القياسي "أكبر كتاب منبثق" لتأكيد أهمية وجود الكتب في حياة الأطفال، ويعكس الكتاب العرضة السعودية "أحد عناصر قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي في اليونيسكو"، وذلك احتفاء بتراث المملكة، والتاريخ السعودي، والاعتزاز به عالميا.
ويتكون الكتاب من خمس صفحات منبثقة موجهة إلى الأطفال، وهو من تأليف الكاتبة فاطمة يعقوب خوجة، ورسمته الرسامة ندى عبدالعزيز الموسى، ويتناول العرضة السعودية، بدايتها، وسبب تأديتها، والأزياء التي يرتديها مؤدوها، إضافة إلى الأدوات المستخدمة فيها.
عودة إلى الرياض
شهد "كتاب الرياض" عودة الشاعر السوداني محمد عبدالباري إلى المدينة التي قضى فيها صباه، فعبر عن سعادته بالعودة إلى الرياض، وألقى قصائد "اللوحة المرآة"، "ذاهبون"، "يا أنت"، و"امرأة اللحظات" و"عبور النهر مرتين"، و"يأخذ الأحباب للأحباب"، و"نشيد الصعاليك"، التي وجدت تفاعلا كبيرا من الجمهور.
ومن الشعر إلى الرواية، حيث تناول حسونة المصباحي الروائي التونسي بداياته في الكتابة، وذلك في الجلسة الحوارية التي حملت "أيها الروائي.. هل عبرت الرواية عما أردت قوله؟"، وأكد أنها جاءت معبرة عن مجتمع القرية ونظرته إلى الحياة والموت والحب، بعكس السائد حينها، الاستغراق في تفاصيل المدينة وناسها فقط، مبينا "في السبعينيات الميلادية عشت تجربة مختلفة، حيث تملكني الحماس، وسيطرت علينا الأحلام والآمال، غير أنها تحولت إلى أوهام تطورت للاعتراف بالفشل، ثم بدء مرحلة مواجهة الأخطاء".
فيما ذكر شاكر نوري الروائي العراقي أن رواياته كانت مسرحا لمآسي الحرب، مبينا أنه كتب الرواية وهو في عمر الـ50، ثم انطلق بإصدار 12 رواية أخرى، ويرى أن الروائي يحتاج إلى عمر طويل يكتسب خلاله خبرات وتجارب متعددة تثري سرديتها، موضحا أن ما يقال في الرواية لا يقال في مكان آخر، فيما يقود التخيل والخيال إلى سبر أغوار الحقيقة.
بدوره، أكد عواض شاهر أن الرواية تكتب ولا تقال، بالنظر إلى الفرق بينهما، فالكتابة انتقاء والقول إجمال، والكتابة حياة والقول يريد منا أن نموت، ويجب على الروائي أن يكتب أكثر مما يتحدث، فالمكنوز الجمالي داخل الروائي يتشوه كثيرا إن تم الحديث عنه وليس كتابته.
المثاقفة الناضجة
الترجمة نالت نصيبا وحصة واسعة من معرض الرياض، وشهدت عقد جلسات حوارية عن دورها في إقامة حوار بين الثقافات، ففي جلسة عنوانها "فعل الترجمة وسؤال المثاقفة"، أحياها أكاديميون ومثقفون تونسيون، تناولت دور فعل الترجمة في الفكر الإسلامي، إذ يرى الدكتور توفيق بن عامر أن مصطلح الترجمة والمثاقفة يدل على التأثر والتأثير "وكلاهما لقاح بين ثقافتين"، مبينا أن من وسائل المثاقفة الترجمة والرحلات والبعثات العلمية، مضيفا أن "الترجمة تنقل إلينا عصارة الفكر والبعد العلمي والفني والأدبي، ومما يميزها أنها لا تتقيد بزمان ولا مكان".
وحول بداياتها، ذكر عبداللطيف بن عبيد أن بدايات الترجمة كانت في العصر الأموي، لكن يعد العصر العباسي، وعصر المأمون خصوصا، البداية الحقيقية للترجمة.
مستقبل الفيلم
كان للفيلم السعودي جلسة حول مستقبله، ناقشت سبل النهوض بصناعة السينما السعودية وتعزيز قدرتها على المنافسة إقليميا وعالميا، وأهمية تقديم المحتوى الجيد القادر على اكتساب ثقة المشاهد، داعية إلى ضرورة الاهتمام بالطواقم الفنية المتخصصة.
ويرى المخرج عبدالجليل الناصر أن الفيلم يصبح سعوديا من زاوية الإنتاج حتى لو كانت القصة غير ذلك، وشاركته الرأي المخرجة هناء العمير، مشيرة إلى أن جنسية الرواية أو غيرها كانت دائما مسألة جدلية في العمل السينمائي.
وأكد الناصر أهمية الحضور السعودي في المهرجانات السينمائية الخارجية، لتبادل الخبرات مع الموزعين والمنتجين الأجانب، حتى يمكن الارتقاء بهذه الصناعة الوطنية إلى المستويات العالمية.
وحول مستقبل الفيلم السعودي، شددت العمير على أهمية تراكم الخبرات خاصة فيما يتعلق باستكمال ما بدأه الآخرون، مبينة أنه يمكن ضغط مراحل معينة واختصارها للقفز إلى المستقبل كما فعلت كوريا الجنوبية ورومانيا.
وقالت العمير، "إن التجربة السعودية لا تزال في مرحلة البناء والإعداد، حيث ما زالت تعاني نقصا كبيرا في الطواقم الفنية المتخصصة في قطاعات الصوت والصورة والإضاءة والإنتاج ومساعدي الإخراج، كما تجب الاستعانة بالخبرات الأجنبية لإدارة عمليات الإنتاج المحلي".
من جانبها، دعت الممثلة ميلا الزهراني، إلى تطوير المنتج الوطني بشكل كامل، حتى يمكن إيصال صوت السينما السعودية إلى العالم، وهو ما يتطلب دعما هائلا ومزيدا من الوقت والصبر.
مخاطر الواقع الجديد لوسائل التواصل
سجل البرنامج الثقافي المصاحب لـ"كتاب الرياض" هذا العام موضوعات لم تطرق سابقا بعمق وتحليل، منها جلسة تناولت الواقع الجديد لوسائل التواصل الاجتماعي، أدارها الإعلامي خالد مدخلي، واستضافت إسراء عسيري رئيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وعبدالعزيز السويلم رئيس الهيئة السعودية للملكية الفكرية، ودار النقاش فيها حول ما يشاهد في وسائل التواصل الاجتماعي، وهل يعد أمرا طبيعيا أم غير طبيعي؟ وأفادت عسيري بأن تحديد الطبيعي وغيره أضحى أمرا شائكا أمام تغيرات الإعلام المستمرة، وتعدد وسائله ذات الزيادة المطردة بين وقت وآخر.
وأوضحت عسيري أن هيئة الإعلام المرئي والمسموع ما هي إلا جهة تشريعية "ودور المشرع الضبط وليس اتخاذ العقوبة"، كاشفة أن الهيئة لديها ما يقارب 200 مخالفة محتوى، جار التعامل معها عبر لجان خارج هيئة الإعلام المرئي والمسموع مختصة بالقضايا، واتخاذ القرار حيالها، بعد إعطائها الوقت الكافي للنظر والدراسة وإقرار العقوبة المناسبة، "فعلى حسب حيثيات المخالفة ونوعها تكون سرعة التعامل معها".
وقالت عسيري "نحن مجتمع كأي مجتمع آخر، فيه نبوغ الأفكار والاختلافات، لكن لدينا قيم لا يمكن تجاوزها، ولا بد من وضع تصنيف واضح على جميع المحتويات، إضافة إلى نشر الوعي"، موضحة أن هناك قنوات في كل تطبيق من تطبيقات التواصل الاجتماعي معنية باستقبال شكاوى المحتوى، داعية الأسرة بالذات والمجتمع إلى بث الوعي، موجهة حديثها إلى الجميع "ساعدونا على الحفاظ على قيمنا، فالهيئة والمجتمع يتكاملان معا".