أزمة الحي المالي تكشف الستار عن متداوليه المحتالين

أزمة الحي المالي تكشف الستار عن متداوليه المحتالين

شعرت بنبرة الارتياح عندما اتصلت ببعض الموظفين القدامى في الحي المالي في لندن هذا الأسبوع لأسأل عن الاضطراب المالي الذي سببه كل من كواسي كوارتنج وليز تراس. للمرة الأولى، لم يكن المقامر المتهور الذي يتسبب في الفوضى من بين صفوفهم.
في أيلول (سبتمبر)، خاطبهم وزير المالية ليشرح لهم أنه يدعم الحي المالي، ويعتقد أنه مهم لزيادة النمو في المملكة المتحدة وأنه أراد إطلاق العنان "لانفجار كبير" ثانٍ. كان يشير إلى رفع القيود المالية، لكن اتضح لاحقا أن هذا نهج الحكومة في التعامل مع الأسواق.
لم تكن المصارف الاستثمارية، التي اكتسبت سمعة بصفتها نوادي قمار خلال فترة الأزمة المالية من 2007 إلى 2008، المؤسسات التي كان يجب أن يدعمها بنك إنجلترا هذا الأسبوع. بدلا من ذلك، كانت صناديق التقاعد التي تعرضت للضغوط بسبب الميزانية "المصغرة". من المتداول المحتال الآن؟
بعد انخفاض الجنيه الاسترليني وارتفاع عائدات السندات، كان هناك كثير من الجهود المتوترة لإلقاء اللوم على المشتبه بهم المعتادين. هتفت صحيفة "ديلي ميل": "الغضب تجاه المحتالين في الحي المالي الذين يراهنون ضد أداء الاقتصاد البريطاني". حدد كريسبين أودي، مدير صندوق التحوط الداعم لبريكست الذي باع الجنيه الاسترليني على المكشوف عند هبوطه، "الباقون في الحي المالي هم الذين قرروا للتو أنهم يكرهون هذه الحكومة".
لكن كما يشير أحد المصرفيين: "إنه اختيارك ما إذا كنت تريد السباحة عميقا في البحر، لكن إذا فعلت ذلك، فاعلم أن البحر هو المسؤول". رفع البيان المالي الحد الأقصى لعلاوات المصرفيين الذي فرضه الاتحاد الأوروبي، وتعهد بتخفيضات ضريبية كبيرة للذين يحققون مكاسب تزيد على 150 ألف جنيه استرليني سنويا، لكن جميل كوارتنج لم يرد.
كان ينبغي عليه توقع افتقار الحي المالي القاسي للولاء منذ وقت عمله في صندوق التحوط الذي يملكه أودي بعد حصوله على الدكتوراه في التاريخ الاقتصادي. صاحب عمله السابق "متفائل للغاية بشأن المملكة المتحدة" لكن ذلك لم يمنع أودي من تحقيق الأرباح من المشكلات التي يواجهها الجنيه الاسترليني.
العمل عمل، حتى لو عانى المتداولون صدمة ذهنية ما عند حسابهم لمقدار الثروة، التي تريد الحكومة منهم الوصول إليها على مستوى فردي، بينما يتداولون بأحجام كبيرة ضد هذا المركز. إذا شعر البعض بالرغبة في التعاطف، فإنهم يقاومون هذا الشعور.
هكذا تم تدريبهم، في النهاية: يعد التداول تحت تأثير المشاعر مثل الجشع أو الخوف وسيلة واضحة لخسارة المال. وجدت دراسة عن جهود متداولي الحي المالي للبقاء محايدين وغير عاطفيين، "أن التنظيم الفعال للعاطفة يبدو عامل نجاح حاسم في التداول".
قال أحد المتداولين: "إذا شعرت بأنني أتداول عاطفيا، سأخرج عندها من المكتب، وأشرب كوبا من الماء، وأمشي ذهابا وإيابا في الشارع، ثم أعود وأتخذ القرارات عندما آمل أنني لست عاطفيا". لا بد أن كثيرا منهم احتاج للمشي لمسافات طويلة جدا للحفاظ على هدوء أعصابهم هذا الأسبوع.
بصرف النظر عن الخسائر الاقتصادية، فإن الكارثة محرجة بالنسبة للحي المالي نفسه. ركزت الانتباه على أجور العاملين هناك، بينما قوضت مصداقية المناصر الرئيس لها. وضع كوارتنج الخدمات المالية "في قلب برنامج الحكومة لدفع عجلة النمو"، المكان الذي ليس من الرائع رؤيته في الوقت الحالي.
جزء كبير مما يسميه وزير المالية "الانفجار الكبير 2.0" له غرض يتجاوز الأجور، وهذا يشكل خطرا يهدد بصرف الانتباه عنها. كان الانفجار الكبير الأول في ثمانينيات القرن الماضي بمنزلة دفعة لإلغاء الضوابط التنظيمية، التي فرضتها حكومة مارجريت تاتشر على المؤسسات غير المستعدة، ويؤيد الحي المالي كثيرا من هذا.
إنه ليس انفجارا بقدر ما هو محاولة لاستخدام الحرية التي يقدمها "بريكست" لترشيد العدد الكبير من القواعد التي تم فرضها منذ الأزمة المالية من قبل حكومات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. بعض الأجزاء، مثل التغييرات في نظام الملاءة الثاني للاتحاد الأوروبي لشركات التأمين في المملكة المتحدة، ما زالت مثيرة للجدل، لكن تم الاتفاق على أجزاء أخرى.
مشروع القانون الرامي لتحويله إلى قانون موجود في البرلمان، لكن عدم اليقين السياسي قد يؤثر في ذلك أيضا. بينما يميل التقلب إلى تعزيز أرباح التداول، فإن المؤسسات المالية ليست سعيدة بمواجهته بنفسها. مثل الصناعات الأخرى التي تم تهميش مصالحها منذ "بريكست"، فإنها تريد زيادة القدرة على التنبؤ وتقليص الاضطرابات.
إنها تتوق بشكل خاص إلى ما عمل "بريكست" على تقليصه: سهولة الحركة التي ساعدت على جذب المصرفيين إلى المملكة المتحدة بعد الانفجار الكبير الأصلي. لم تعترف أي منها بالسعي إلى تخفيضات ضريبية – "ربما ينبغي أن يكونوا أكثر كرما تجاه الأشخاص الذين يحتاجون المال والذين سينفقونه على الفور"، كما قال أحدهم – لكنها تأمل جميعها في أن تصبح لندن نقطة جذب.
في هذه الأيام، يبدو الحي المالي أكثر رصانة فيما يتعلق بالمخاطر المالية من الحكومة. ضغطت مجموعة سيتي يو كيه للتداول من أجل إضافة "النمو والقدرة التنافسية الدولية" إلى أهداف الهيئات التنظيمية المالية. لكن مصرفييها لا زالوا يدعمون بقاء "حماية المستهلك والاستقرار المالي" الهدف الأول.
بالنسبة لهذه الحكومة، فإن الاستقرار يتخلف كثيرا عن دفع النمو باعتباره أولوية. بالنظر إلى أزمة الأسبوع، من الجيد أيضا لوزير المالية أنه يرأس وزارة المالية، وليس أحد المصارف. أصبح "سوء السلوك المتهور في إدارة مؤسسة مالية فاشلة" جريمة جنائية في 2016 للذين يكون سلوكهم "أقل كثيرا من المتوقع بشكل معقول".
يمكنه مراقبة قاعة التداول. قال أحد المديرين في دراسة التداول: "يعتقد الناس أنك إذا حصلت على درجة الدكتوراه فستكون جيدا جدا (...) لكن هذه ليست هي الحال دائما وغالبا ما تميل للتغاضي عن الأمور". لقد تغاضى عن كثير من الأمور.

الأكثر قراءة