7 أيام تكشف عن بوادر انهيار المملكة المتحدة
في صباح الإثنين الماضي، بينما كان الجنيه الاسترليني ينخفض بحدة وأسعار الفائدة ترتفع، قررت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس التمسك بغريزتها الأساسية، عدم فعل شيء.
يقول أحد المطلعين في معسكر تراس بعد أن انتقد المستثمرون ميزانية التخفيضات الضريبية الجذرية التي كشفت عنها حكومتها قبل ثلاثة أيام، "كانت هناك فوضى في الأسواق، لكن الجو في مقر رئاسة الوزراء كان هادئا بشكل غريب. كانت تعقد اجتماعات حول أشياء لا علاقة لها بالأزمة".
لكن عبر أنحاء حي المال في لندن، كان عديد من المستثمرين ذوي الخبرة يكافحون لمعرفة كيف ستمول الحكومة 45 مليار جنيه استرليني من التخفيضات الضريبية، وبدأ البعض يشم رائحة بدايات انهيار مالي.
يقول لوك هكمور، أحد مديري الدخل الثابت في شركة أبردن كان يستثمر في السندات الحكومية البريطانية لمدة 21 عاما، إنه كانت هناك فترات في الإثنين والثلاثاء لم يكن هناك فيها مشترون لسندات الحكومة البريطانية طويلة الأجل. يقول، "لم أر قط خطوة من هذا القبيل". ويضيف أنه حتى أثناء اضطرابات الأزمة المالية في 2008، كانت هناك دائما سوق لسندات الحكومة المضمونة.
بحلول الأربعاء الماضي، حيث أدى التقلب الشديد في سوق السندات إلى ترك بعض صناديق المعاشات التقاعدية في مواجهة أزمة سيولة، أطلق بنك إنجلترا تدخلا عاجلا بقيمة 65 مليار جنيه استرليني. كان البنك المركزي في الواقع مجبرا على إنقاذ الاقتصاد البريطاني من تصرفات حكومته.
عندما سئلت قبل أسبوعين فقط عما إذا كانت مستعدة لأن تكون غير محبوبة، أجابت تراس، "نعم، نعم، أنا مستعدة". لقد نفذت وعدها. فبعد أسبوع من اضطراب الأسواق، وارتفاع أسعار الفائدة، حتى التوبيخ العام اللاذع من صندوق النقد الدولي، فإن رصيدها السياسي في حالة تدهور ملحوظ.
في بداية الأسبوع الماضي، سجلت شركة يوجوف أكبر تقدم في استطلاع الرأي من قبل حزب العمال المعارض على المحافظين منذ عقدين، 17 نقطة. بحلول الخميس ارتفع إلى 33 نقطة. وسئلت تراس، في جولة مبرحة من المقابلات الإذاعية المحلية، "هل نمت جيدا؟".
يقول أحد الوزراء، "لقد أصبحت مزحة نقولها جميعا، إن الأمور تسير على ما يرام، أليس كذلك؟ لقد وصلنا إلى الكوميديا السوداء بالفعل". بعد أن أعلن كواسي كوارتنج وزير المالية الجديد ميزانيته المصغرة الأسبوع الماضي، ضحك عندما قال زميل له إن الحكومة تشبه إلى حد ما نادي ميلوول لكرة القدم، الذي يحب مشجعوه أن يهتفوا، "لا أحد يحبنا.. ونحن لا نهتم لذلك".
بحلول الجمعة، كان هناك بعض الراحة، على الرغم من أن عوائد السندات ظلت أعلى، الأمر الذي أثر في تكاليف الاقتراض للشركات ومالكي المنازل، فقد انتعش الجنيه الاسترليني ليقترب من مستواه قبل الميزانية "المصغرة" الجمعة الماضية. تصر تراس وكوارتنج على تمسكهما بسياستهما وأنها ستعزز معدل النمو الاقتصادي.
لكن الأحداث الفوضوية في الأيام السبعة الماضية تثير ثلاثة أسئلة. كيف وجد اقتصاد من مجموعة السبع كالمملكة المتحدة نفسه موضع ذعر شرس في السوق؟ وكيف انتهى الأمر بحزب المحافظين، الذي كان في يوم من الأيام منسجما بشكل وثيق مع حي المال، بمحاولة محاربة سوق السندات؟ وكيف سيتم حل مأزق الأسبوع الماضي؟
كانت المواجهة بين المحافظين والأسواق المالية تتراكم منذ بعض الوقت.
لطالما تبنت تراس وكوارتنج عالم السوق الحرة لمراكز الفكر التابعة لحزب المحافظين، كمعهد الشؤون الاقتصادية، الذي غذى وجهة نظر مفادها بأن بريطانيا تتراجع بسبب "العقيدة" الاقتصادية البالية والمتراجعة.
بينما عدت الأجيال السابقة من حزب المحافظين الأسواق المالية على أنها صادقة محايدة في قول الحقيقة للحكومات الضعيفة، فإن عديدا من اليمينيين في حزب المحافظين يرون الآن أن الأسواق جزء من النخبة المنفصلة التي لا تفهم إمكانات التخفيضات الضريبية لتحفيز النمو.
اللورد ديفيد فروست، الوزير السابق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو من بين أولئك الذين حثوا تراس على الوقوف بحزم ضد "الطاقم المروع" للمؤسسة الاقتصادية. أدرج في عمود الجمعة في صحيفة "ديلي تلجراف"، صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية و"فاينانشيال تايمز" وصحيفة "ذا إيكونومست" والمحافظ السابق لبنك إنجلترا مارك كارني، على أنهم جزء من "فئات التهويل الدولية"، وأصر على أن الحكومة ترفض "تلك الانهزامية".
وجهة النظر هذه، المألوفة من مناقشات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016 عندما سخرت حملة الخروج من "الخبراء"، مهمة في فهم الإطار الذهني لتراس حيث تمسكت برأيها خلال أسبوع صعب.
يقول ديفيد جوك، وهو زميل سابق في مجلس الوزراء لتراس، ومنتقد للميزانية "المصغرة" بشدة، " إن هناك عقلية قوية جدا فيما يتعلق باليمين في السياسة البريطانية لأعوام عديدة، تجادل بأن فوائد إصلاحات جانب العرض والضرائب المنخفضة والقواعد التنظيمية الأقل هائلة".
يجادل جوك بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - الذي ينظر إليه من يمين حزب المحافظين على أنه يجسد دولة كبيرة مكروهة ونموذج لوائح تنظيمية كبير - كان ينظر إليه على أنه لحظة تحرير. والآن أتيحت الفرصة لتراس وكوارتنج لإكمال الثورة. إذ يقول جوك، "لقد تم اختبار الفرضية. فقد نظرت الأسواق إليها ولا تصدقها".
على الرغم من أنهما شكلا جبهة موحدة خلال الأسبوع الماضي، إلا أن هناك علامات على وجود توترات داخل الحكومة، بمن فيهم تراس ووزير المالية.
بينما كان كوارتينج يدرك أن الذعر في السوق يهدد بزعزعة استقرار الاقتصاد، أخبر تراس أنه سيتعين عليه وعلى بنك إنجلترا أن يدليا بتصريحات لتهدئة الأعصاب. لكن غريزة تراس الأولية كانت تقول لا. حيث قال أحدهم، "لقد أرادت أن تجتاز هذه المحنة بنفسها". وفي النهاية تغلب وزير المالية.
في بيان صادر عن وزارة الخزانة، اعترف كوارتينج في حقيقة الأمر بأنه ترك الأسواق "تتخبط" - على حد تعبير ميل سترايد رئيس لجنة الخزانة التابعة للمحافظين - من خلال عدم نشر أي توقعات أو استراتيجية مالية من شأنها أن تفسر خطط إنفاقه طويلة الأجل.
عندما أعلن كوارتينج ميزانيته "المصغرة"، أخبر "فاينانشيال تايمز" أنه سينتهي من وضع خطته المالية الجديدة "في بداية العام المقبل". أما الآن، وهو يواجه عمليات بيع مكثفة للسندات الحكومية، فقد وعد بتقديم توقعات جديدة وخطة ديون في 23 تشرين الثاني (نوفمبر).
أما خلف الكواليس، فكانت تقلبات السوق توجد ضغوطا هائلة في أوساط بعض صناديق التقاعد التي استخدمت المشتقات للتحوط من التحركات الحادة في أسعار الفائدة والتضخم - ووجدت نفسها فجأة تواجه طلبات إيداع هوامش غير مسبوقة.
تقول ناتالي وينترفروست، وصية مختصة في المعاشات التقاعدية لدى "لو ديبينتشور"، إن الظروف في سوق المعاشات التقاعدية في النصف الأول من الأسبوع كانت "متوترة".
تقول، "في الواقع كنت في مؤتمر، ومع ذلك لم أحضر أيا من أحداث المؤتمر لأنني كنت أتلقى مكالمة تلو الأخرى. وعندما ذهبت لتناول الطعام، بدا الناس أيضا مصدومين. لقد كان الأمر صعبا حقا لأننا لم نعرف ما هي الخطوة التالية. لقد بدا الأمر وكأن أزمة مالية أخرى على وشك الحدوث".
يقول كالوم ماكنزي، شريك في شركة آون لاستشارات المعاشات التقاعدية، إنه كان في اجتماع مع أحد العملاء عندما بدأ بتوضيح كيف أن ارتفاع عائدات سوق السندات يعني أن الصندوق كان "في مركز أقوى بكثير مما كانوا يظنون".
بحلول نهاية الاجتماع، كما يقول، "كانت سوق السندات الحكومية في حالة غضب وكانت في وضع البيع الكامل بعد إعلان الميزانية المصغرة. وقال إن صندوق المعاشات "دخل في حالة سيطرة كاملة على الأضرار في غضون ساعات".
بحلول الأربعاء الماضي، بنك إنجلترا، الذي رفع أسعار الفائدة الأسبوع الماضي فقط من أجل السيطرة على التضخم وأراد بيع بعض الأوراق المالية التي اشتراها منذ أزمة 2008، اضطر إلى عكس اتجاهه وإعلان عملية شراء سندات حكومية ضخمة أخرى من أجل تحقيق الاستقرار في سوق السندات الحكومية المضمونة.
غرد سايمون هور، عضو البرلمان عن حزب المحافظين على تويتر قائلا، "هذه ليست ظروفا خارجة عن سيطرة الحكومة/ الخزانة. لا يمكن لهذا الجنون غير اللائق أن يستمر".
فيما قام كوارتينج الجمعة، بلقاء المكتب المستقل لمسؤولية الميزانية العمومية - وهي خطوة أخرى تهدف إلى طمأنة السوق وأحد الأسباب التي أدت إلى انتعاش الجنيه الاسترليني.
لكن مع ذلك، بالنسبة إلى بعض منتقديه، يتضح من تصريحات كوارتينج الأسبوع الماضي أنها دليل على أن الحكومة ضيعت فرصتها الاقتصادية الكبيرة.
وفقا لسترايد، لم تكن الأسواق خائفة فقط من الاقتراض الجديد الذي ذكره كوارتينج في بيانه - بما في ذلك 72 مليار جنيه استرليني أخرى من الديون الجديدة المخطط لها بحلول نيسان (أبريل) المقبل - لكن من الطريقة المتعجرفة التي على ما يبدو تعامل بها كوارتينج وتراس مع المؤسسات التي كان من المفترض أن تحمي الاقتصاد من الأفكار السياسية الخطرة.
خلال حملة قيادة حزب المحافظين، انتقدت تراس بنك إنجلترا المستقل، في حين تخلص تهميش مكتب الميزانية العمومية التدقيق المستقل من عملية رسم الميزانية. وفي أول يوم له كوزير مالية، أقال كوارتينج توم سكولار، كبير موظفي الخدمة المدنية في وزارة الخزانة.
كان الافتقار إلى الخبرة في مكتب رئيسة الوزراء حول كيفية إدارة السياسة الاقتصادية صارخا أيضا كما يراه البعض. قال أحد الوزراء المقربين من تراس، "هناك كثير من الشباب - المتملقين".
فيما يعتقد بعض أعضاء البرلمان من حزب المحافظين أن تراس ستقيل صديقها القديم ورفيقها في المعتقدات كوارتينج، على الرغم من إصرار حلفائها أن هذا "مجرد هراء". مع ذلك، حتى من بين النواب اليمينيين الذين يجادلون بأن خطة خفض الضرائب كانت صائبة، هناك من يعتقد أن طريقة تعامل وزير المالية معها كان أحمقا.
قال أحد مؤيدي تراس، "لقد كنا ننتظر أجندة حقيقية للمحافظين لكننا الآن ضيعناها لجيل كامل".
أما تراس، التي ما زالت غير معروفة لدى عامة الجمهور البريطاني، فكانت تجري سلسلة من مقابلات إذاعية متداعية الخميس - تتخللها فترات توقف فارغة - حيث أصرت خلالها أنها ستتمسك بسياستها. لكن إذا لم تتراجع عن بعض التخفيضات الضريبية، فقد تضطرها الأسواق إلى مواجهة بعض البدائل المثيرة للجدل.
يقول سترايد إن من "الحلول السريعة" تعزيز النمو الاقتصادي من خلال فتح الأبواب أمام الهجرة. ومع ذلك، يعارض عديد من نواب حزب المحافظين هذه الفكرة، إذ كان التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جزئيا على الأقل، يدور حول سيطرة بريطانيا على حدودها.
يخطط كوارتينج إلى فرض ضوابط صارمة على الإنفاق العام لمدة خمسة أعوام، على الرغم من أن المستشفيات والمدارس ما زالت تكافح مع التكاليف الإضافية التي يفرضها ارتفاع التضخم. حيث أدرك بوريس جونسون أن "التقشف" كان فكرة ضارة للطرح أمام الناخبين.
كما يدرس وزير المالية وضع تخفيضات على الشروط الحقيقية للفوائد. لكن وضع مثل هذه التخفيضات على دخل أفقر السكان في بريطانيا وهم في خضم أزمة تكاليف المعيشة، مع إعطاء تخفيضات ضريبية للأثرياء، هو ما وصفه جوك بأنه "غير مناسب البتة وغير مقبول وغير مجد".
وصلت تراس إلى بيرمنجهام لحضور مؤتمر حزب المحافظين السنوي لتواجه أسئلة حول استمرارها كرئيسة للوزراء، وذلك بعد أقل من شهر على توليها زعامة حزب المحافظين. ويقول بعض نواب حزب المحافظين إنهم لا يستطيعون التصويت لمصلحة الخطة المالية ما لم يتم إدخال إصلاحات عليها.
لكن الموجودين في داونينج ستريت شعروا ببعض الراحة بعد ارتفاع الجنيه الاسترليني عند نهاية الأسبوع ويصرون على أن تراس لم تنتظر كل هذا الوقت لتنفيذ رؤيتها السياسية فقط لتعرقلها الأسواق.
يقول أحد كبار المسؤولين في الحكومة، "إنها ليست في مزاج يسمح لها بالتزحزح". ويتفق مع ذلك وزير في مجلس الوزراء، حيث قال، "إنها لن تغير الاستراتيجية على الإطلاق (...) لقد وصل الوضع إلى طريق مسدود. إنها لا تستطيع التحرك ولن تتحرك". لكن إذا لم تستطع تراس إظهار أن المبالغ تبدو معقولة، فقد تقرر الأسواق خلاف ذلك.
45 مليار جنيه استرليني هي التخفيضات الضريبية غير الممولة الواردة في خطة النمو التي تم الكشف عنها في 23 أيلول (سبتمبر). انخفض الجنيه في ذلك اليوم إلى ما دون 1.09 دولار
65 مليار جنيه استرليني
هو المبلغ المطلوب للتدخل من قبل بنك إنجلترا لحماية سوق السندات ووقف "الحلقة المفرغة من عدم الاستقرار بين البنوك الضعيفة والحكومة المدينة" التي كان من الممكن أن تقضي على صناديق المعاشات التقاعدية.
نقطة 33
يتقدم الآن حزب العمال على المحافظين في استطلاع الرأي، وفقا لاستطلاع قام به موقع يوجوف. كما أظهرت استطلاعات أخرى للرأي التي أجريت بعد إعلان الميزانية "المصغرة" تقدما من خانتين لحزب العمال.