العالم بحاجة إلى زيادة الاستثمار في النفط والغاز
خلال الأعوام الأخيرة، انخفض الإنفاق العالمي على الاستكشاف وتطوير مشاريع جديدة، حيث تسعى شركات النفط والغاز إلى الحد من المخاطر من خلال التركيز على حقولها المنتجة الأساسية والمناطق ذات الإنتاج المضمون، بهدف المحافظة على انسيابية عملياتها وبناء أعمال أكثر مرونة وسط عدم اليقين بالسوق والتهديدات من الركود. يسهم المشهد السياسي أيضا في انخفاض منح تراخيص الاستكشاف، حيث أوقف عديد من الحكومات عقود إيجار الأراضي مؤقتا أو نهائيا، وتشجع الشركات على إنهاء أنشطة الاستكشاف داخل الأراضي الممنوحة لها سابقا. من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه لأن الحكومات الغربية أقل حرصا على الاستثمار في إنتاج النفط والغاز، وتتطلع بدلا من ذلك إلى تحول نظام الطاقة. في هذا الجانب، حذر الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان خلال جلسة استماع في الكونجرس من أن قطع الاستثمارات في النفط والغاز سيكون الطريق إلى الجحيم بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد أيضا، كان الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو واضحا في خطابه الأخير عندما أوضح الأسباب الرئيسة لأزمة الطاقة الحالية. وأشار إلى قلة الاستثمار في النفط والغاز، وندرة مصادر الطاقة البديلة، والافتقار الكامل لأي خطة بديلة. بالنظر إلى المستقبل، يبدو من غير المرجح أن يتم حل هذه المشكلات في أي وقت قريب.
منذ شهور، تحذر "أوبك" والمملكة من أن قلة الاستثمار في عمليات التنقيب عن النفط والغاز وراء أزمة الطاقة الحالية، التي بدأت قبل الأزمة الأوكرانية بشهور. مع أن المملكة تعد واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن آراءها وتحذيراتها حول أمن الطاقة لم تلق آذانا صاغية من قبل صناع القرار في الدول الغربية. حيث مضى الاتحاد الأوروبي وشركاؤه في مجموعة السبع في خططهم الخاصة بتحويل الطاقة. والآن بعد أن تفاقمت أزمة الطاقة شرعت الدول الغربية في إعادة النظر في تقييم خططها لتحول الطاقة، وبدأت في سباق محموم لتأمين أكبر قدر ممكن من النفط والغاز حتى الفحم على حساب الدول الفقيرة، ما دفع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، خصوصا أسعار الغاز.
تكمن مشكلة هذا النهج في أنه بينما كانت أوروبا وشركاؤها يضغطون من أجل الانتقال بعيدا عن مصادر النفط والغاز، كانت الصناعة تستمع وتأخذ حذرها من تداعيات هذا الدفع. نتيجة لذلك انخفضت الاستثمارات في تطوير مشاريع وعمليات استكشاف جديدة. في هذا الجانب، قالت شركة استشارات الطاقة ريستاد للطاقة Rystad Energy، إن أراضي التنقيب الجديدة الممنوحة لشركات النفط والغاز هذا العام تقلصت إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاما، وإن جولات تراخيص الإيجار لهذا العام ستكون الأقل منذ 2000. وأضافت الشركة، "لقد انخفض الإنفاق العالمي على الاستكشاف في الأعوام الأخيرة حيث تسعى شركات النفط والغاز إلى الحد من المخاطر وسط حالة من عدم اليقين في السوق وخطر حدوث ركود اقتصادي". في هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو في منتدى شلمبرجير الرقمي لـ2022 في سويسرا الأسبوع الماضي، "هذه هي الأسباب الحقيقية لحالة انعدام أمن الطاقة هذه، قلة الاستثمار في النفط والغاز، والبدائل غير جاهزة، ولا توجد خطة احتياطية".
من جهة أخرى، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير صدر الشهر الماضي بالاشتراك مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن "الاقتصادات الكبرى زادت بشكل حاد من دعمها لإنتاج واستهلاك الفحم والنفط والغاز الطبيعي، حيث يكافح عديد من الدول لتحقيق التوازن بين التعهدات الطويلة الأمد للتخلص التدريجي من دعم هذه المصادر والجهود المبذولة لحماية الأسر من ارتفاع أسعار الطاقة".
كما أنه من المشكوك فيه ما إذا كان واضعو الأجندة وصناع القرار في العواصم الأوروبية وفي واشنطن سيستمعون إلى تحذيرات المديرين التنفيذيين لشركات النفط والبنوك حتى وهم يسعون إلى تحسين إمداداتهم من النفط والغاز. بالنسبة إليهم، الفكرة المهيمنة على هذه العودة إلى أنواع الوقود التقليدية هي أنها تدابير مؤقتة، في وقت تستمر الأزمة. ما يبدو أنهم فشلوا في فهمه هو أن أزمة الطاقة الحالية قد تستمر فترة ليست بالقصيرة.
بالطبع، ستؤدي أسعار الطاقة المرتفعة إلى وضع ضغوط على الطلب. لقد كان هذا هو الحال دائما، ولن تكون هذه الأزمة استثناء. المشكلة هي أنه مع تراجع الطلب، سيتم تدمير مزيد من القطاعات الأخرى إذا تعلق الأمر بذلك. بالفعل، يتحدث البعض عن تراجع التصنيع الذي بدأ يلوح في الأفق في أوروبا بسبب أزمة الطاقة. في الواقع، تم إغلاق مصاهر ألمنيوم ومصانع صلب ومصانع أسمدة ومزارع في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف الاستمرار في العمل بأسعار الطاقة المرتفعة هذه. وتعهدت الحكومات بالدعم، لكن السؤال عن مقدار الدعم الذي يمكن أن تقدمه وإلى متى سيظل متاحا.
بالفعل، أشار عديد من المحللين إلى أن جذور أزمة الطاقة الحالية في أوروبا تعود إلى ما قبل 24 شباط (فبراير)، عندما بدأت الأزمة الأوكرانية. ويميل كثير من صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي إلى التغاضي ودفن هذه الحقيقة تحت موجة من الأعذار الواهية، لأنها حقيقة غير مريحة بالنسبة إليهم. منذ أعوام، ما فتئت أوروبا تسير على حبل مشدود لانتقال الطاقة دون طوق نجاة أو خطة بديلة. الآن وقد بدأ الحبل بالاهتراء، فقد يكون الوقت قد فات لمحاولة استعادة طوق نجاة مرة أخرى. على الأقل بسرعة كافية للنجاة من السقوط.