كسل البريطانيين .. السبب شح الاستثمار

كسل البريطانيين .. السبب شح الاستثمار

في كانون الأول (ديسمبر) 1967، قرر خمسة شباب - يعملون على الآلة الطابعة في مكتب في حي سوربيتون - العمل لمدة نصف ساعة إضافية بدون أجر كل يوم، لمساعدة الاقتصاد البريطاني الذي كان متعثرا. خلال أيام، تضاعف حجم حملتهم التي تحمل شعار "أنا أدعم بريطانيا" بسرعة كبيرة. انضم مزيد من العاملين، وتم صنع شارات للحملة، وسجل بروس فورسيث أغنية عنها. وصفت افتتاحية "فاينانشيال تايمز" هذه الحملة بأنها "منارة يهتدى بها عندما تكون الآفاق الاقتصادية والصناعية كئيبة"، وأثنت على روحها إن لم يكن منطقها الاقتصادي.
الحملة انتهت بعد بضعة أشهر، لكن الفكرة القائلة إن بريطانيا ستكون في وضع أفضل إذا عمل الناس بجد أكبر لم تغب عن الأذهان. في كتاب يحمل عنوان "بريطانيا غير المقيدة" الصادر في 2012، أعاد خمسة نواب محافظين إحياء هذا الجدل. "بمجرد دخولهم مكان العمل، يصبح البريطانيون من بين أسوأ الكسالى في العالم"، وفقا لما ذكر في الكتاب. "نحن نعمل ضمن أقل ساعات العمل ونتقاعد مبكرا وإنتاجيتنا ضعيفة. في حين يطمح الأطفال الهنود أن يصبحوا أطباء أو رجال أعمال، يهتم البريطانيون أكثر بكرة القدم وموسيقى البوب".
بالنظر إلى أن اثنين من مؤلفي الكتاب يشغلان مناصب قيادية في البلاد، ليز تراس رئيسة الوزراء وكواسي كوارتينج وزير المالية، يصبح من الجدير إعادة النظر في هذا التوصيف للقوى العاملة. هل هناك أي حقيقة تدعم ذلك؟ الإجابة هي نعم ولا.
لنبدأ بالإجابة التي تقول "لا". إن العمال في المملكة المتحدة لا يعملون ضمن أقل الساعات. المقارنات الدولية لساعات العمل تعد أمرا صعبا بسبب طرق حسابها المتنوعة، لكن البيانات المتاحة تشير إلى أن متوسط ساعات العمل الأسبوعية المعتادة في المملكة المتحدة أعلى بقليل من المتوسط الذي حددته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أقل من الولايات المتحدة وسويسرا، لكنها أعلى من السويد وألمانيا وفرنسا.
من المحتمل أن بعض الأشخاص يمكنهم، بل يرغبون، في أن يعملوا لساعات أطول إذا ما أتيح لهم الحصول على رعاية ميسورة التكلفة لأطفالهم، وهي نقطة جديرة بالذكر يثيرها كتاب "بريطانيا غير المقيدة". مع ذلك، يجب أن يكون واضحا من هذه البيانات أن العمل لساعات أطول ليس مفتاح الرخاء والازدهار: الدول الأخرى مثل تركيا لديها ساعات عمل طويلة لكن الناتج المحلي الإجمالي للفرد أقل، في حين إن بعض الدول لديها ساعات عمل أقل من المملكة المتحدة وناتجها الإجمالي المحلي للفرد أعلى.
العمال في المملكة المتحدة لا يتقاعدون مبكرا على نحو خاص وفقا للمعايير الدولية. تظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن متوسط سن التقاعد الفعلي من سوق العمل للرجال في المملكة المتحدة هو 63.7 عام، وهو تقريبا متوسط العمر نفسه لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أما بالنسبة إلى النساء فهو 63.2 عام، أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 62.4 عام.
بالنسبة إلى تطلعات المراهقين، من الصعب المجادلة بأن بريطانيا لديها نقص في الأشخاص الذين يطمحون أن يصبحوا أطباء. تقدم ما يقارب 30 ألف شخص لدراسة الطب في الجامعات العام الماضي، لكن على الرغم من النقص في عدد الأطباء على مستوى البلاد، فقد حددت الحكومة عدد المقاعد المتاحة في كليات الطب في إنجلترا بـ7500 مقعد. يريد الشباب أن يصبحوا أطباء ودولتهم بحاجة إليهم. لكن الفشل بالأحرى هو في شح الاستثمار المخصص لتدريبهم.
هذا يقودنا إلى النقطة التي كان كتاب "بريطانيا غير المقيدة" مصيبا فيها: العمال في المملكة المتحدة أقل إنتاجية من حيث المخرجات التي ينتجونها في الساعة مقارنة بأقرانهم في الدول المماثلة. كما أنهم لا يستطيعون اللحاق بالركب. تباطأ نمو الإنتاجية منذ الأزمة المالية في كثير من الدول، لكنه تعثر بالخصوص في المملكة المتحدة.
هل العمال البريطانيون كسالى فقط؟ هذا ليس ما توحي به البيانات. تظهر مجموعة من الدراسات المسحية الكبيرة الممولة من الحكومة التي أجريت منذ التسعينيات أن نسبة الأشخاص الذين يقولون إنهم يعملون "بسرعة عالية جدا" لثلاثة أرباع الوقت على الأقل قد ارتفعت من 23 في المائة إلى 45 في المائة في الفترة بين 1992 و2017.
وفقا لإفادة بعض الأشخاص، لدى الزبائن والعملاء والمديرين الآن اليد العليا. في 1992، قال 71 في المائة من الموظفين إنهم يمكنهم أن يتحكموا "بشكل كبير" في مدى جديتهم في العمل، لكن بحلول 2017، انخفضت هذه النسبة إلى 46 في المائة. هذا يتناسب مع البيانات الصادرة عن إدارة الصحة والسلامة التنظيمية التي تظهر أن حالات التوتر والاكتئاب والقلق المرتبطة بالعمل آخذة في الارتفاع.
إن التفسير الأفضل للإنتاجية الضعيفة في المملكة المتحدة هو أنها ناتجة عن نقص الاستثمار في المعدات والتكنولوجيا الجديدة لمساعدة الناس على أداء وظائفهم بكفاءة أكثر. مثلا، يتعامل موظفو شركة أمازون في المستودعات الآلية مع نحو ثلاثة أضعاف عدد البضائع في الساعة مقارنة بأقرانهم في مستودعات الشركة غير الآلية. إنهم لا يكدحون ثلاثة أضعاف غيرهم، بل هم أكثر إنتاجية لأن الروبوتات تجلب الرفوف إليهم. مع ذلك، كان استثمار الشركات ضعيفا في المملكة المتحدة وفقا للمعايير الدولية، وتلقى ضربة أخرى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. خلص تقرير حديث أعده جايلز ويلكس من معهد الحكومة للأبحاث "لقد تحولت المملكة المتحدة أكثر إلى أنموذج نمو كثيف العمالة منخفض رأس المال".
إن البريطانيين ليسوا أسوأ الكسالى في العالم. المشكلة - التي من الأفضل أن يركز عليها تروس وكوارتنيج - هي أسوأ من ذلك بكثير. إنهم يركضون وهم في مكانهم.

الأكثر قراءة