نجاح المصرفية المركزية .. حظ أم مهارة؟

نجاح المصرفية المركزية .. حظ أم مهارة؟

من الصعب عدم الشعور بالأسى على آرثر برنز، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سابقا، عندما ننظر إلى أعوام التضخم غير السارة في السبعينيات. من الواضح أنه شعر بفشله بعمق "وكان ذلك فشلا بالفعل، فقد بلغ التضخم متوسط 6.5 في المائة سنويا خلال فترة توليه المنصب"، إذا كان عنوان المحاضرة التي ألقاها في 1979 في بلجراد هو شيء يمكن الاستناد إليه. أطلق عليها "معاناة المصرفية المركزية". من المفيد أن يطلع عليها اليوم أي مستثمر يتساءل أين يضع ماله في عصر يرتفع فيه التضخم من جديد؟
المشكلة هي، كما قال برنز، أن الاحتياطي الفيدرالي كان "بشكل مجرد" يمتلك القوة لـ"تقييد المعروض النقدي وإيجاد ضغوط كافية في الأسواق المالية والصناعية لإنهاء التضخم دون تأخير يذكر".
سبب عدم فعله ذلك شيئان، أولا، السياسة. كان الاحتياطي الفيدرالي منغمسا في التيارات الفلسفية والسياسية التي كانت تغير الحياة الأمريكية والثقافة"، على وجه الخصوص، فكرة أن "التوفير للأوقات العصيبة" لم تعد مسؤولية خاصة بل عامة، أضف ما يترتب على ذلك من التحيز للعجز في الإنفاق إلى زيادة اللوائح في جميع أنحاء الاقتصاد والضرائب المرتفعة التي ثبطت الاستثمار في الأعمال التجارية وكانت النتيجة حتمية، "تحول تضخمي تلقائي".
ثانيا، السياسة النقدية صعبة للغاية. على عكس ما يعتقده معظم محافظي البنوك المركزية، لا يوجد أنموذج نهائي ناجح، "النظرية النقدية لا توفر قواعد اتخاذ القرار التي تكون ثابتة ويمكن الاعتماد عليها في آن واحد لمحافظي البنوك المركزية"، حسبما يصف برنز الأمر. قد نعلم أن "الإفراط في صنع المال" سيسبب التضخم، مثلا، لكن هذه المعرفة "تنقصها الدقة الرياضية". النتيجة؟ مفاجآت وأخطاء في "كل مراحل عملية إنشاء السياسة النقدية".
بين الحضور في بلجراد، جلس بول فولكر، الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي آنذاك، المعروف الآن بفعل ما شعر برنز أنه قد يفعله وهو بالمعنى المجرد: القضاء على التضخم. بحلول منتصف 1981، جعل رجل السياسة النقدية الصعب أسعار الفائدة ترتفع إلى ما يقارب 20 في المائة. عند وقت رحيله في 1987، كان التضخم يحوم حول 3.5 في المائة.
بعد أعوام قليلة، ألقى فولكر خطابا بعنوان "انتصار المصرفية المركزية؟"، لا عجب أن جميع محافظي البنوك المركزية اليوم يريدون أن يتذكرهم التاريخ على أنهم فولكر لا برنز. لكن لاحظ علامة الاستفهام في عنوانه، تشير ورقة علمية حديثة من المحللين في شركة نيد ديفس ريسيرتش إلى أن فولكر كان لديه نوع من الدعم من السياسة العالمية والمحلية الذي كان برنز بالكاد يحلم به. وكان لدى فوكلر ثورة جانب العرض لرونالد ريجان.
خفض ريجان اللوائح وفكك نقابة مراقبي الحركة الجوية في 1981، حيث فصل 11359 مراقبا في الحركة الجوية دفعة واحدة. رأى فولكر ذلك على أنه "نقطة تحول" في المعركة ضد دوامة الأجور والأسعار. كان هناك أيضا ارتفاع حاد في استثمارات الحافز الضريبي المنخفضة في الولايات المتحدة، إلى جانب طفرة إنتاجية مفيدة للغاية، أضف إلى كل ذلك انهيار أسعار النفط اللاحق في 1986، وبزوغ فجر العولمة وبداية عصر الحاسوب، وستتضح لك الصورة، كان فولكر محظوظا.
هذا التاريخ مهم. انظر إلى البيئة التي يعمل فيها رئيس الاحتياطي الفيدرالي الحالي جاي باول، وقد تتساءل كيف له أن يكون فولكر بدون حظ فولكر؟ يبدو أن الفرصة ضئيلة لحدوث طفرة إنتاجية منخفضة الضرائب واللوائح تحت رئاسة جو بايدن. ليس هناك مجال لفورة أخرى في العولمة، ونظرا لأن سوق العمل الأمريكية لا تزال ضيقة جدا، يبقى خطر دوامة الأجور والأسعار "ليست غير مبررة" مرتفعا جدا.
إذا كنت تستخدم الثمانينيات كنقطة مرجعية للسرعة التي يمكن لمحافظي البنوك المركزية الأذكياء القضاء على التضخم بها، ربما تود أن تأخذ دروس فولكر وبرنز في الحسبان. نجاح المصرفية المركزية هو مسألة حظ أكثر من كونها مسألة مهارة.
خارج الولايات المتحدة، يمكن أن تراقب ليز تراس، رئيسة وزراء المملكة المتحدة، من كثب. يوجد شيء من السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان في تخفيض الضرائب وتمزيق اللوائح، وخطاب ضخ الإنتاجية الذي تقدمه حكومتها، كما اتضح في الميزانية المصغرة ليوم الجمعة التي كشف عنها المستشار كواسي كوارتنج. قد يكون بنك إنجلترا على وشك أن يحالفه الحظ.
لا يساعدنا أي من ذلك على معرفة أين سينتهي المطاف بالتضخم: لأن أغلب التوقعات كانت خاطئة حتى الآن، أخشى أنه يجب علينا تجاهل معظم التوقعات. لكن حقيقة عدم مقدرتنا على المعرفة تساعدنا قليلا على استثماراتنا، إنها تذكرنا بأنه علينا أن نبني بعض الضمانات. يكاد يكون من المستحيل فعل ذلك في الولايات المتحدة. يتداول مؤشر إس آند بي 500 بمكرر ربحية متوقع قدره نحو 17 مرة، أعلى قليلا من المتوسط التاريخي في وقت تكون فيه معظم الأمور الأخرى أسوأ من المتوسط.
يمكنك المجادلة بأن الأمر يتعلق بالقيمة العادلة فقط إذا افترضت أن أسعار الفائدة لن تتجاوز 5 في المائة وفكرت من ناحية عوائد الأرباح. لكن لم يفلح أي شيء آخر حقا. يشير توقع "جي إم أو" الحالي لمدة سبعة أعوام إلى عائد حقيقي سنوي للأسهم الأمريكية بنسبة ناقص 1 في المائة. إنها معاناة بالفعل.
هناك، على الرغم من ذلك، سوق تبدو فيها الأمور بحال أفضل. وصلت المملكة المتحدة، بمساعدة السياسات الاقتصادية لتراس، إلى مكرر ربحية متوقع قدره تسع مرات. ستخفض الأرباح بالطبع، كما لاحظ جيه بي مورجان، الذي يعد المملكة المتحدة الآن اختياره الأفضل من الأسواق المتقدمة. لكن لا يزال ذلك يمثل "احتياطي تقييم" كبير. على المستثمرين استخدامه.

الأكثر قراءة