ارتفاع العائدات الحقيقية يقضي على جاذبية الأسهم
ارتفعت العائدات الحقيقية في الولايات المتحدة ـ العوائد التي يمكن للمستثمرين أن يتوقعوا جنيها من السندات الحكومية طويلة الأجل بعد حساب التضخم ـ إلى أعلى مستوى منذ 2011، ما أدى إلى تآكل جاذبية الأسهم في "وول ستريت".
بلغ العائد على سندات الخزينة المحمية من التضخم لأجل عشرة أعوام 1.2 في المائة الثلاثاء، ارتفاعا من سالب 1 في المائة تقريبا في بداية العام، حيث يراهن المتداولون على أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة بشكل كبير ويبقيها مرتفعة لأعوام مقبلة في الوقت الذي يحاول فيه تهدئة التضخم.
العائد الكبير الذي تقدمه الآن الديون الحكومية، التي تعد ملاذا آمنا، ألقى بثقله على سوق الأسهم الأمريكية التي تبلغ قيمتها 42 تريليون دولار، لأن المستثمرين يمكنهم العثور على فرص استثمارية مغرية مع مخاطر أقل بكثير. وبحسب محللين استراتيجيين في بنك جولدمان ساكس، المستثمرون الذين يشترون سندات الخزانة، أو يحتفظون بأموال، سيكسبون قريبا عوائد كان من "المستحيل" تحقيقها على مدى الأعوام الـ15 الماضية.
تتم متابعة العائدات الحقيقية عن كثب في "وول ستريت" ومن قبل صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي، كونها توفر مقياسا لتكاليف الاقتراض للشركات والأسر، إضافة إلى مقياس للحكم على القيمة النسبية لأي عدد من الاستثمارات.
تراجعت هذه العائدات إلى عمق المنطقة السلبية في ذروة جائحة فيروس كورونا، حين خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد، ما دفع المستثمرين نحو الأسهم والأصول الخطرة الأخرى بحثا عن العوائد. وقد انعكس ذلك الآن مع تشديد البنك المركزي الأمريكي سياسته بوتيرة سريعة.
قال ستيفن أبراهامز، رئيس استراتيجية الاستثمار في شركة أمهيرست بيربونت، "ما تراه في أسعار الفائدة الحقيقية الأعلى هو توقع واضح بأن الاحتياطي الفيدرالي سيستنزف قدرا هائلا من النقد والسيولة من السوق".
رفع الاحتياطي الفيدرالي بالفعل سعر الفائدة الرئيس من نحو صفر في بداية العام إلى نطاق 2.25 ـ 2.50 في المائة، قبل أن يرفعه بواقع 0.75 نقطة مئوية أخرى الأربعاء، مع زيادات لاحقة تجعل سعر فائدة الأموال الفيدرالية يصل إلى نحو 4.5 في المائة بحلول أوائل 2023.
برنامج التشديد الكمي للاحتياطي الفيدرالي، الذي يقوم من خلاله بتخفيض ميزانيته العمومية البالغة تسعة تريليونات دولار، يضع ضغوطا تصاعدية إضافية على العائدات الحقيقية.
كانت القفزة فيما يسمى العائدات الحقيقية مدفوعة جزئيا بتوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيكون قادرا في الأعوام المقبلة على تقريب التضخم من هدفه طويل الأجل البالغ 2 في المائة.
مقياس توقعات التضخم المعروف باسم معدل التعادل لأجل عشرة أعوام، الذي يعتمد على الفرق في العائد على سندات الخزانة التقليدية وسندات الخزينة المحمية من التضخم، تراجع من أعلى مستوى عند 3 في المائة في نيسان (أبريل) إلى 2.4 في المائة الأسبوع الماضي. ومن شأن ذلك أن يمثل انخفاضا هائلا عن معدل التضخم لآب (أغسطس) عند 8.3 في المائة.
قال جارجي شودري، رئيس استراتيجية استثمار صناديق آي شيرز للأمريكتين في شركة بلاك روك، "المهم بالنسبة لأسهم النمو ليس ما إذا كانت الذروة قد حدثت في أسعار الفائدة، بل حقيقة أن معدل الخصم سيظل أعلى لفترة أطول". أضاف، "خلال الـ18 إلى 24 شهرا المقبلة، سيستمر خصم جميع تقييمات هذه الشركات عند هذا المستوى الأعلى".
تتعرض الشركات سريعة النمو التي قادت الانتعاش في "وول ستريت" من أعماق أزمة فيروس كورونا في 2020 لضغوط كبيرة من ارتفاع العائدات الحقيقية. ذلك لأن العائدات الحقيقية المرتفعة تقلل – أو "تخصم" – من قيمة الأرباح التي يتوقع أن تولدها هذه الشركات بعد أعوام من الآن في النماذج التي يستخدمها المستثمرون لقياس مدى ارتفاع أسعار الأسهم.
منذ بداية العام، انخفض مؤشر ناسداك المركب، المحمل بأسهم التكنولوجيا، 27 في المائة. وقد تم طمس الانتعاش في النصف الأخير من الصيف تقريبا، حين تعززت التوقعات بمزيد من الإجراءات المتشددة من جانب للاحتياطي الفيدرالي. وكان الانخفاض في أسهم شركات التكنولوجيا، التي حققت مكاسب مذهلة مع سعي المستثمرين وراء تحقيق عائدات عالية، ملحوظا بشكل خاص – خسر مؤشر جولدمان ساكس الذي يتتبع هذه الشركات نصف قيمته في 2022.
قال شودري، "لقد اعتادت شركات التكنولوجيا باهظة الثمن وغير المربحة للغاية على خصم تدفقاتها النقدية بمعدل سلبي، والآن يتعين عليها إعادة التكيف مع المعدلات الإيجابية. ونظرا لأن معدل الخصم الخاص بك أعلى، فإن تقييمات تلك الشركات ستبدو أقل جاذبية، لأنها تقدم خصما عند مستوى أعلى".
قد يؤدي ارتفاع العائدات الحقيقية أيضا إلى زيادة الضغوط على الشركات التي أخذت قروضا كبيرة، التي يتم تقديمها للمقترضين الذين لديهم بالفعل أعباء ديون كبيرة. عادة ما تكون أسعار الفائدة على هذه القروض عائمة، ما يعني أنها تتكيف بما يتماشى مع السوق الأوسع بدلا من أن تكون ثابتة عند مستوى معين.
بحسب أبراهامز، "هذه أنباء سيئة بشكل خاص بالنسبة لمقترضي المبالغ الكبيرة".
إيان لينجن، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية في شركة بي إم أوه كابيتال ماركتس، يلاحظ أن "المعنويات عبر الاقتصاد، من حيث أداء الأصول الخطرة وتصور التأثير في المستهلكين، أقرب إلى العائدات الحقيقية منها إلى العائدات الاسمية".
قال، "المنطق هنا هو أنه عند تعديل العائدات الحقيقية للتضخم، فإنها تمثل التأثير الواضح لتكاليف الاقتراض الفعلية في المستخدمين النهائيين".