نفسيتي تعبانة
في الماضي كنت أعشق الإنصات لأولئك الذين لا يجيدون سوى التشكي والبوح بمشاعرهم السلبية وتصوير أنفسهم بالضحايا الذين دعستهم عجلات الحياة، وصدمتهم مواقف الدنيا وعبثت بهم حوادث الزمن، ولم أكن أكتفي بالإنصات بل كنت أنغمس بمعاناتهم ومشكلاتهم إلى درجة الانصهار وتولي زمام أمورهم، وكنت أشعر بتأنيب الضمير لو لم أفعل ذلك، وشيئا فشيئا ومع مرور الأعوام كانت الصورة الكاملة تتضح لي بكل تفاصيلها الصغيرة التي لم أكن ألاحظها سابقا، اكتشفت أن نسبة كبيرة منهم لا يرغبون في حل مشكلاتهم ولا بذل الجهد لتغيير واقعهم وتحسين جودة ظروفهم وحياتهم، بقدر رغبتهم في الشعور بالمتعة التي يمنحها إحساسهم بأنهم ضحايا يستحقون التعاطف والاهتمام ومزيدا من "الطبطبة"، هؤلاء حين يعتادون عليك وعلى غيرك فسيتولد في داخلهم إحساس بأنك متوافر لهم طوال الوقت، ليلا أو نهارا مشغولا أو مسترخيا في العمل أو في البيت، ولن يعنيهم إطلاقا مزاجك إن كان سيئا أو جميلا المهم أن "يفضفضوا" لك وبالسيناريو نفسه الذي يؤدونه كل مرة، لن يتغير شيء وستكون الافتتاحية دوما، أنا "نفسيتي تعبانة" وأرغب في التحدث إليك، وفي كل مرة تحاول فيها باستماتة المقاتلين أن تمنحهم إرشادات أو نصائح أو توجيهات، سيقولون لك نحن فقط نرغب في أن يسمعنا أحد ونخرج ما في داخلنا من هموم وترسبات، وبعد أيام ستدهش حين تراهم بكامل حيويتهم في مناسبات اجتماعية وربما مروا بجانبك غير عابئين بوجودك، لأنهم يدركون في أعماقهم أنك متوافر لهم متى ما أرادوا وستتابع صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي في المطاعم والكافيهات والسفريات... في النهاية ربما أنت تمر في ظروف أسوأ من ظروفهم ومشكلات أعقد من مشكلاتهم ولربما دعستك الحياة تحت عجلاتها حتى سمعت طقطقة عظامك، لكن الفرق بينك وبينهم أنك اعتدت على حل مشكلاتك والتعامل مع مواقف حياتك، لكنهم اعتادوا على توافرك في حياتهم متى أرادوا، مثل هؤلاء كلما استمعت لهم أكثر تجاوزوا حدود احترامهم لخصوصياتك ومشاغلك ومتطلبات أسرتك وواجباتك العائلية وأوقات استرخائك وفراغك والتزامات عملك، أي شخص تشعر أن اتصاله أو محادثته لك تشعرك بالضيق لأنك تعلم أنه سيعيد السيناريو نفسه الذي تكون افتتاحيته "نفسيتي تعبانة"، فتوقف عن الرد على اتصالاته أو أرسل إليه رسالة بأرقام المعالجين النفسيين والأسريين.
وخزة:
المجاملة الزائدة في الاستماع للأشخاص الذي يعشقون الدراما ولعب دور الضحية وتكرار السيناريو كل مرة دون أن يبذلوا أي جهد لتغيير حياتهم، سترهقك نفسيا وتزيد من ضغوطاتك.. فتوقف عن الاستماع لهم.