رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«الركود المكروه» ليس بعيدا

"ما يقلقنا، هو خطر أننا ذاهبون إلى عالم فيه مزيد من التشرذم"
كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي
بينما تحاول الحكومات في الاقتصادات الكبرى الرئيسة، تحاشي الحديث عن أي ركود اقتصادي محتمل في دولها، ترى المؤسسات الدولية المختصة عكس ذلك. فالمؤشرات كلها تدل على أن هذا الركود يقترب عالميا، حتى إن صندوق النقد الدولي عد أن الاقتصاد العالمي "على بعد شعرة من منطقة الركود الساخنة"، وحذر في الأسابيع الماضية مما أسماه "آفاق مظلمة" لهذا الاقتصاد. هذه النظرة ليست مفرطة في التشاؤم، بقدر ما هي واقعية، فالأوضاع الراهنة تتحدث عن نفسها، بموجة تضخمية لا أحد يمكنه تحديد آفاقها حتى الآن، وحرب دائرة في أوروبا، وتفاقم المشكلات الجيوسياسية في هذه البقعة أو تلك. يضاف إلى ذلك، غياب التناغم العالمي الذي ساد بالفعل فترة تسعينيات القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحالي.
النظرة ليست متشائمة. فهناك تباطؤ كبير جدا في الاقتصادات الثلاثة الأكبر: الولايات المتحدة وأوروبا والصين. هذا التباطؤ بات يمثل التهديد اليومي للحراك الاقتصادي العام، مع اقتراب معدلات التضخم من الخانة العشرية، وهي الخانة التي تخشى منها أي حكومة بصرف النظر عن قوتها وشعبيتها. حتى توقعات النمو لهذا العام باتت هي الأخرى خاضعة للخفض تلو الآخر. فهي "وفق صندوق النقد" في حدود 3.2 في المائة، إلا أن هناك دلائل على أنها قد تهبط بحلول نهاية العام الجاري. وعندما يغيب النمو، يقترب الانكماش. لكن مع النمو الاقتصادي الضعيف سيظهر على الساحة الركود التضخمي، يجعل الأمر أكثر سوءا. وهنا تظهر الأصوات المحذرة من جانب المؤسسات الاقتصادية الدولية المختصة، بأن الركود الذي تخشى الحكومات الحديث عنه، لن يستأذن أحدا.
الركود المشار إليه ستقوده أيضا استراتيجية البنوك المركزية حول العالم، برفع أسعار الفائدة كوسيلة وحيدة حاضرة لكبح جماح التضخم. ويعد البنك الدولي أن الاقتصاد العالمي يمر بأشد تباطؤ منذ الانتعاش الذي حدث في 1970. فثقة المستهلك تراجعت إلى أدنى مستوى لها، مقارنة بكل فترات الركود التي مر بها العالم في التاريخ الحديث. أي أن الساحة مهيأة لـ"الركود المكروه"، الذي سيؤثر بصورة كبيرة في الاقتصادات الناشئة والنامية، فضلا عن الاقتصادات المتقدمة التي تتلقى هي الأخرى الضربة تلو الأخرى، وسط أمواج متلاطمة، ولا يوجد أي مبادرات حقيقية للتخفيف من عنفها. بل على العكس، هناك تشنجات متصاعدة، ومواجهات تجارية متفاقمة، تغذي الوضع السيئ، بما في ذلك الصراع الاقتصادي والجيوسياسي الراهن بين الولايات المتحدة والصين.
المشكلة أيضا تتعمق مع "توحش" التضخم. فوفق البنك الدولي، قد تحتاج البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة نقطتين مئويتين إضافيتين، إلى جانب الزيادات التي تمت بالفعل أواخر العام الماضي وفي العام الجاري. لكن لا يوجد "سلاح" آخر لمواجهة التضخم، ما يعزز المسار نحو الركود التضخمي. ويبدو واضحا، أن الحكومات ولا سيما في الدول المتقدمة، لا تزال عاجزة عن تقليل الاستهلاك، في الوقت الذي لم تحقق فيه قفزات نوعية فاعلة على صعيد تعزيز الإنتاج. فإذا ما تم ذلك بالفعل، سيكون بمنزلة قوة دفاعية للاقتصاد العالمي ككل. فضلا عن محورية تفعيل العمل من أجل إيجاد استثمارات إضافية. إنها عملية ليست سهلة، لكنها ممكنة، غير أنها شبه متوقفة، بفعل ما يمكن وصفه بـ"الفوضى" التي يخلفها التضخم يوميا على الساحة.
لن تنزلق كل الدول في حالة الركود مرة واحدة، إذا ما تعمق التباطؤ الاقتصادي الراهن، لكن في النهاية ستجر معها عددا من الدول، خصوصا تلك التي تجمعها روابط اقتصادية قوية، ما يعني أن الركود المتوقع حدوثه في العام المقبل قد لا يكون واسع النطاق. إلا أن ذلك لا يمثل أي ضمانة بعدم اتساع رقعته، خصوصا إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وتعمقت التوترات أكثر، وتفاقمت المشكلات المتفاعلة أصلا على الساحة العالمية. لا شك في أن البيانات حول الأداء الاقتصادي العالمي في الربع الثالث من هذا العام، ستحدد شكل الأوضاع الاقتصادية في العام المقبل. وهنا يكمن الخوف من أن تكون الأرقام أكثر سلبية. ويتفق صندوق النقد الدولي مع هذا التصور، بأن كما ضخما من البيانات يشير إلى فقدان الزخم في الفصل الثالث المشار إليه.
كل شيء بات مرتبطا بالحراك الاقتصادي في الأشهر المتبقية من العام الحالي. فالركود قد يظهر في الربع الأول من العام المقبل، خصوصا إذا ما صارت الزيادة في التضخم مستدامة، الأمر الذي يرفع بالطبع من مخاطر أسعار الطاقة. لا تبدو أن علامات في الأفق تشير إلى إمكانية خروج الاقتصاد العالمي من الأزمات الراهنة بسرعة. فهذه الأزمات ستتواصل بأشكال مختلفة حتى منتصف العقد الحالي، في ظل غياب الأدوات اللازمة لمواجهتها، ومعها التعاون الدولي الذي وصل إلى أدنى مستوياته في الوقت الراهن. إذا ما حدث الركود التضخمي في العام المقبل، فلن يكون عابرا بالطبع، ما يرفع من حجم التهديد للاقتصاد العالمي ككل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي