الجائحة تفشل في تغيير موقف اليابان من رفاهية العاملين

الجائحة تفشل في تغيير موقف اليابان من رفاهية العاملين

في الأشهر الأولى من 2020، عندما أصبح من الواضح للعالم أن جائحة كوفيد - 19 ستتطلب استجابة فورية وجذرية، فكرت الشركات اليابانية في الانتقال، بين عشية وضحاها تقريبا، إلى العمل عن بعد.
لم تكن الآفاق تبدو جيدة، حسبما كشفت النتائج لاحقا. فعلى مدى عقود، رسخ مكان العمل الياباني كثيرا من الممارسات والعادات التي ساعدت جميعها على إيجاد سمعة بانعدام المرونة، ومقاومة التغيير، والرفض المؤسسي لرفاهية الموظفين.
الضغط الناشئ عن الإفراط في العمل، والحضور، واستمرار بعض التكنولوجيات القديمة، والتقليل من أهمية قضايا الصحة العقلية، وسوء المعاملة ليست سوى بعض أكثر العوامل التي يتم الاستشهاد بها في تحليلات علم الأمراض في مكان العمل الياباني.
وحتى مع وضوح فوائد العمل عن بعد بالنسبة لجودة الحياة، وسعي الموظفين إلى المرونة لرعاية الأطفال في المجتمع الأسرع شيخوخة في العالم، لرعاية الأقارب المسنين، قاومت الشركات العمل عن بعد.
تضمن جزء كبير من المقاومة المخاوف من انهيار التسلسل الهرمي وانتشار فكرة أن هناك شيئا ما "يدين به" الموظف لصاحب عمله، يتجاوز عقد العمل بشكل كبير.
هناك كثير من الأوجه التي تعبر عن تلك العقلية. في دراسة استقصائية أجرتها شركة إكسبيديا في 2019 لمقارنة عدد أيام الإجازة المدفوعة الأجر مقابل عدد الأيام التي يأخذها الموظفون بالفعل في دول مجموعة السبع "إضافة إلى كوريا الجنوبية"، احتلت اليابان المركز الأخير.
في المملكة المتحدة، كندا، فرنسا، وألمانيا، كانت جميع النسب قريبة من 90 في المائة أو أعلى. في اليابان، حيث كانت النسبة 50 في المائة فقط، وصف المشاركون كيف أنهم يشعرون بالذنب بشأن أخذ إجازات مدفوعة الأجر في وقت ينتشر فيه نقص العمالة والخوف من أن ينظر إليهم على أنهم لا يرغبون في العمل.
في كثير من الحالات، استمر عدم المرونة في مكان العمل على الرغم من زيادة الانتقادات العامة، ومحنة الموظفين، ومحاولات الحكومة لتطبيق إصلاحات من أعلى إلى أسفل. وتم تفسير "الوفاة بسبب إرهاق العمل" لمدير إعلانات يبلغ من العمر 24 عاما في شركة دينتسو في 2015 على نطاق واسع في ذلك الوقت، على أنها لحظة فاصلة دفعت كثير من الشركات إلى إعادة صياغة قواعدها المتعلقة بالعمل لوقت إضافي.
تم إحراز بعض التقدم منذ ذلك الحين، لكن يقول الخبراء في مجال الرفاهية في مكان العمل إنه كان بطيئا.
في 2017 – العام الذي تم فيه توجيه اتهام رسمي لشركة دينتسو بسبب وفاة موظفها – انخفض إجمالي متوسط ساعات العمل من قبل اليابانيين بمقدار خمس ساعات عن العام السابق، إلى 1926 ساعة. وفي 2018، انخفض المتوسط 25 ساعة، وفي 2019 نحو 32 ساعة – اتجاه رحب به دعاة المعايير الأعلى للرفاهية في مكان العمل بحذر. الدراسة الاستقصائية نفسها التي أجرتها الحكومة للقوة العاملة وجدت أن عدد العمال الذين يعملون 60 ساعة على الأقل في الأسبوع كان 3.6 مليون في 2020 – أقل بواقع 1.57 مليون عن 2017.
توقف كثير من الشركات وعملياتها في بداية الجائحة والمحافظة على مقارها لاستخدامها في المستقبل كان معناه أن هناك تشوهات كبيرة في تلك الاتجاهات خلال 2020. ومع ذلك، في 2021، بدأت الساعات تتسلل إلى الأعلى مرة أخرى.
مع عودة أماكن العمل اليابانية الآن إلى بعض طبيعتها بعد الجائحة، السؤال الكبير هو ما إذا كان العامان ونصف العام الماضيان سيؤديان إلى تغيير دائم.
تمثلت المفاجأة الأولى، عندما دخلت اليابان فترة إغلاق طوعي في 2020، في عدد الشركات الكبرى التي تمكنت من تحقيق قفزة إلى العمل عن بعد. كان الافتراض أن كثيرا من الشركات لا تملك التكنولوجيا ولا الميل الثقافي لتبني العمل عن بعد. وأثارت حقيقة أن الأمر تطلب أزمة لإثبات أن الأمر كان ممكنا تماما، غضبا في كثير من غرف الدردشة الخاصة بأماكن العمل.
في حزيران (يونيو) 2020، أشارت دراسة أجرتها جامعة كيو إلى أن الانتقال، في بعض الحالات، كان أسرع من المتوقع، على الرغم من أن ذلك كان في الشركات الكبيرة بشكل أساسي. في المتوسط الوطني، قفز معدل العمل عن بعد من 6 في المائة في كانون الثاني (يناير) 2020 إلى 17 في المائة في يونيو. وارتفعت النسبة في بعض المهن، مثل الموظفين الإداريين، والاستشاريين الإداريين، ومعالجي البيانات، إلى ما يزيد على 30 في المائة. بالنسبة لكثير من الآخرين، بالكاد تغير الوضع. بعد مرور عام وجد الباحث الذي أجري الدراسة، توشيهيرو أوكوبو، أن معدل العمل عن بعد لم يتغير بشكل جوهري.
خلص الباحث إلى أن انتشار العمل عن بعد لا يزال منخفضا في اليابان بسبب ثقافة الشركات. أشار إلى أن كثيرا من الشركات اليابانية لديها تقليد طويل من عمل الموظفين معا في الغرفة نفسها داخل المكتب، ولديهم تسلسل هرمي مع تواصل وثيق وكثير من الاستشارات الداخلية. بحسب أوكوبو، "يعمل هذا النظام بشكل جيد في المهام القائمة على العمل الجماعي، والعمل غير الرسمي الذي يتطلب معلومات مكثفة، وقدرا أقل من التقدير والاستقلالية، ومزيدا من تبادل المعرفة المفهومة ضمنيا (...) لكن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن كل هذه العوامل غير مناسبة للعمل عن بعد".
الخطر على صحة الموظفين، في هذه المرحلة، هو أن اليابان تعود إلى الوضع الطبيعي بعد الجائحة دون أي إعادة ضبط كبيرة لمواقف الشركات بشأن العافية.
يقول بيتر إيدون كلارك، مستشار شركة كونسيبتاسيا الآسيوية للاستشارات الصحية، "لقد أبرز العامان الماضيان الحاجة إلى إعادة صياغة مكان العمل المكتبي الياباني وتسريع فهم الأهمية الحاسمة للعافية. كانت المبادرات لتقليل ساعات العمل الطويلة والضغط، من قبل كل من الحكومة والقطاع الخاص بطيئة، لكن الحاجة إلى الاستعجال أصبحت واضحة الآن".
دراسة استقصائية أجرتها شركة إنتيج لأبحاث السوق أشارت بقوة إلى أن العمال أنفسهم أكثر تشاؤما. وجد تقرير صدر في نيسان (أبريل)، أن 18 في المائة فقط من العمال الذين شملتهم الدراسة الاستقصائية قالوا إن أسلوب عملهم قد تغير أثناء الجائحة، وتوقع 13 في المائة فقط أن تكون هذه التغييرات دائمة.
يعلم العمال اليابانيون، أفضل من أي شخص آخر، بدقة مدى صعوبة رسم الحدود غير المرئية في مكان العمل. كما أنهم يعلمون أن الأمر يتطلب أكثر من جائحة عالمية غير مسبوقة لتغييرها.

الأكثر قراءة