هل تصبح الهند قاطرة الأسواق الناشئة الجديدة؟
بات من غير السهل اليوم العثور في الأسواق المالية المضطربة على شيء لشرائه. ومع أن أسعار الأسهم هبطت كثيرا - مع انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 17 في المائة منذ بداية العام حتى الآن - يعتقد كثير من المستثمرين أنها قد تتعرض لمزيد من الانخفاض.
وفيما يبدو أن مديري الصناديق أصبحوا مقتنعين أخيرا بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أقوى بنك مركزي في العالم، جاد بشأن إبقاء أسعار الفائدة عالية، حتى لو كان ذلك يعني دفع الولايات المتحدة وكثير من دول العالم نحو الركود.
ماكس كيتنر، كبير المحللين الاستراتيجيين للأصول المتعددة في بنك إتش إس بي سي، لخص الوضع في مذكرة كتب فيها: "لم يتم توفير أي شيء منذ أوائل أغسطس". تشير المذكرة التي كتبها الأسبوع الماضي، إلى أن الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة وسندات الدرجة الاستثمارية والسندات عالية العائد "أو غير المرغوب فيها" أصبحت تهبط جميعها.
هل يعني ذلك أن الوقت حان للشراء؟ من وجهة نظر كيتنر، الوقت لم يحن بعد، وسيكون ذلك المستثمر الفرد الجريء هو أول من يتحمس للمبادرة بالشراء اليوم. لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا إلقاء نظرة على أكثر الزوايا تصدعا في مجموعة الأصول.
لنأخذ الأسواق الناشئة، مثلا. بسبب عدم الرغبة فيها لفترة طويلة، تعرضت بشكل خاص لضربة كبيرة في الأشهر الأخيرة، حين تخلى المستثمرون الأجانب عن أسهمها وسنداتها على مدى خمسة أشهر متتالية استمرت حتى يوليو، وفقا لمعهد التمويل الدولي. وتعد هذه أطول سلسلة من التدفقات الخارجة منذ أن بدأ التدوين في سجلات معهد التمويل الدولي في 2005.
هل يمكن أن تكون أسعار الأصول في الأسواق الناشئة قد هبطت كثيرا لدرجة تسمح للمستثمرين بالتعرض لهذه الأسواق بطريقة أكثر انتقائية قليلا كجزء من محفظة واسعة؟ ربما.
ومن بين الأسواق التي تتصدر الاهتمام تبرز الهند، التي تناقلت تقارير على نطاق واسع الأسبوع الماضي أنها تفوقت على المملكة المتحدة بصفتها خامس أكبر اقتصاد في العالم، والأسرع نموا بين الاقتصادات الكبرى في العالم. ووفقا لصندوق النقد الدولي، سيبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 8 في المائة هذا العام، وسيبقى قريبا من 7 في المائة خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وهو أعلى بواقع نقطتين مئويتين من الصين، التي كانت رائدة الأسواق الناشئة لفترة طويلة.
وقد شهدت السندات الحكومية الهندية بالعملة المحلية ارتفاعا طفيفا في أغسطس بعد أن ذكرت "فاينانشيال تايمز" أن الهند قد يتم إدراجها قريبا في مؤشر قياسي عالمي رئيس، من شأنه أن يدفع الاستثمار تلقائيا من قبل مديري الأصول، الذين سيحاولون عكس ارتفاع المؤشر في صناديقهم.
وعلى الرغم من الضربة الشديدة، التي عانتها الهند بسبب كوفيد - 19، إلا أن سوق الأسهم فيها صمدت بشكل أفضل خلال الجائحة، مقارنة بكثير من أقرانها. فإذا كنت قد اشتريت أسهما هندية قبل ثلاثة أعوام، ستكون قيمتها اليوم قد ارتفعت 47.5 في المائة، مقارنة بمكاسب تبلغ 20 في المائة لأسهم الاقتصادات المتقدمة في مؤشر إم إس سي آي، وخسارة تتجاوز 5 في المائة في الأسواق الناشئة ككل، وخسائر تقارب 18 في المائة في الصين، و30 في المائة في البرازيل.
يعتقد جلين فينيجان، مدير المحفظة الرئيس في سكيريفور أسيت مانيجمنت، أن اقتصاد الهند مشرف على مرحلة جديدة، يقودها الانتقال الأخير من بيئة أعمال منظمة بدرجة عالية إلى بيئة أعمال أكثر تحررا، وتدعمه نسبة الشباب من السكان الذين سيقدمون لبلادهم قريبا أكبر قوة عاملة في العالم، أكبر حتى من الصين.
يقول فينيجان: "يبدو الأمر وكأن الاقتصاد قد تجاوز نقطة اللاعودة، حيث سيكون النمو مستداما بصورة ذاتية إلى حد ما. هناك رياح مواتية كثيرة".
قد يبدو ذلك مفاجئا لمن يتذكر استجابة الحكومة المبكرة الفوضوية لجائحة كوفيد - 19، عندما طلب من الملايين من سكان المدن المهاجرين العودة إلى قراهم، ما أسهم في انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد وإلحاق الضرر بالاقتصاد.
قبل ذلك، في نوفمبر 2016، سجلت الحكومة هدفا ساميا لها تمثل في إلغاء التداول النقدي، وذلك عندما سحبت أكثر من 80 في المائة من النقد المتداول بين عشية وضحاها، في محاولة لتقليص الاقتصاد غير الرسمي وزيادة تحصيلها الضريبي– ما تسبب بفي اضطراب اقتصادي. وقد زاد من تفاقم ذلك الإصلاحات في قطاع العقارات التي على الرغم من اعتبارها إيجابية على المدى الطويل، إلا أنها تسببت في معاناة على المدى القصير.
لكن التغييرات الأخرى في السياسة قدمت دعما أكثر. يشير هيرين داساني، مدير محفظة الأسهم الهندية في جولدمان ساكس أسيت مانيجمنت، إلى خفض ضريبة الشركات في 2019، متبوعا بإصلاح قوانين العمل، ما سهل على الشركات إجراءات التوظيف والفصل، وقدم نهجا جديدا للخصخصة، حيث كانت الحكومة مستعدة لبيع حصص مسيطرة بدلا من بيع حصص الأقلية فقط. يقول: "هناك انتعاش دوري قوي للغاية بدأ بعد كوفيد".
من وجهة نظره أن ذلك يرجع إلى ثلاثة عوامل رئيسة، الأول هو قطاع العقارات الذي بدأ بالانتعاش بعد أن هبط إلى مستوى متدن. ثانيا، الاستهلاك الخاص الذي فاق التوقعات. والثالث هو استثمار رأس المال الخاص. وقد تزايد ذلك بعد أعوام من عدم النشاط قام خلالها عديد من الشركات بتخفيض مديونيتها، بينما قامت بنوك القطاع الخاص بتنظيف ميزانياتها العمومية، وخفضت القروض المتعثرة، وأصبحت مستعدة للإقراض بشكل متزايد.
وقد ظهرت النتائج بالفعل في أسعار الأسهم الهندية، حيث تم تداولها بمضاعفات تزيد على 18 ضعفا للأرباح الآجلة المتوقعة بعد عام، مقارنة بالمتوسط التاريخي الأخير البالغ 16 ضعفا. يقول داساني إن الأرباح تتعافى ويمكن أن تحقق مكاسب سنوية 10 إلى 12 في المائة بالروبية، حتى لو تراجعت التقييمات إلى مستواها التاريخي في السابق.
لكن هناك مسألة كبيرة تقلق المستثمرين الأجانب، الذين يتعين عليهم تحويل الأرباح، التي حققوها بالروبية إلى عملتهم الخاصة. فقدت الروبية نحو 7 في المائة من قيمتها مقابل الدولار هذا العام، الأمر الذي قضى على كثير من عائدات الأسهم.
وكان انخفاض قيمة العملة هذا العام لم يكن مدفوعا بضعف العملة الهندية إلى حد كبير، بل بالزيادات في سعر الدولار، التي عززها ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، ومع إصرار بنك الاحتياطي الفيدرالي على الاستمرار في الزيادة، أصبحت العملات الأخرى أكثر ضعفا.
يقول شيلان شاه، كبير اقتصاديي الهند في كابيتال إيكونوميكس، إن الهند بعيدة كل البعد عن التحصينات- لكنها أقل انكشافا من كثير من أقرانها في الأسواق الناشئة. يضيف: "الاقتصاد مدفوع العوامل المحلية". وفي حين ارتفع الدين العام بشكل حاد في الأعوام الأخيرة، ووصل إلى نحو 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن حقيقة أن هذا الدين لجهات محلية وبالعملة المحلية تمنح الهند أمانا أكبر من عديد من الأسواق الناشئة الأخرى.
يقول فينيجان، من سكيريفور، إن عديدا من الأسهم الاستهلاكية الرئيسة أصبحت ذات قيمة عالية بسبب الانتعاش، الذي حدث أخيرا في الهند، ما جعلها أقل جاذبية، على الرغم من وجود فرص. وقد أدى ارتفاع أسعار الأسهم منذ منتصف يونيو الماضي ارتفاع مؤشر سينسيكس لبورصة بومباي 17 في المائة، ما أدى بدوره إلى التعويض عن كل الخسائر التي تكبدتها البورصة في وقت سابق من هذا العام.
ومن بين خيارات فينيجان كانت كريسيل، وهي وكالة تصنيف محلية تؤهلها مكانتها للاستفادة من التوسع في أسواق رأس المال في الهند، كما أنه يشيد بشركة سيبلا لصناعة الأدوية.
يشير فينيجان إلى أن سيبلا وشركات أخرى تجسد التطور المتزايد للاقتصاد الهندي. تماما كما تقدمت صناعة تكنولوجيا المعلومات في البلاد من عمليات منخفضة التكلفة في المكاتب الخلفية إلى مزودي خدمات الأعمال المنافسة على مستوى العالم، تحولت أيضا صناعة الأدوية من صنع الأدوية المقلدة إلى الانضمام إلى السلسلة العالمية لتطوير العقاقير.
بحسب فينيجان، إحدى الطرق المتاحة أمام المستثمرين الأفراد من الأجانب للتعرض للهند هي شراء الصناديق الهندية المتخصصة في الأسهم، لكن عليهم تجنب أي استثمار في الشركات المملوكة للدولة.
بينما اقترح دزيميتري ليبسكي، رئيس أبحاث التمويل في إنترآكتيف إنفيستور، شراء صناديق آسيوية أو صناديق الأسواق الناشئة الأوسع نطاقا، التي يمكنها ضبط انكشافها للهند. وقدم أمثلة على ذلك كشركة باسيفيك أسيتس ترست، التي خصصت 46 في المائة للهند، أو موبيوس إنفيستمنت ترست، التي خصصت 16 في المائة. أضاف أن مؤشر آي شيرز إم إس سي آي إنديا إي تي إف - الذي يتتبع مؤشر الشركات الكبيرة والمتوسطة - هو خيار سهل للمستثمرين السلبيين.
أما بالنسبة للمستثمرين الأفراد الذين يبحثون عن بوابة عبور إلى الهند، فهناك بعض الطرق المتاحة. قد يقوم أي شخص يبحث عن أرباح قصيرة الأجل بالمقامرة مع الاحتياطي الفيدرالي والتوقعات العالمية، لكن بالنسبة لمن هم على استعداد لانتظار أي نهاية فورية لعدم استقرار في السوق، فإن الهند تقدم قليلا من الأمل الاقتصادي في وقت لا يوجد فيه كثير من الآمال.