الجائحة تكشف عن فروقات حادة لعلاج السرطان في أوروبا

الجائحة تكشف عن فروقات حادة لعلاج السرطان في أوروبا

كانت لوتا نيلرت واحدة من ملايين الأشخاص في العالم الذين كانوا يتلقون علاجا للسرطان عندما ضربت الجائحة. لكن رعاتها في مستشفى جامعة كارولينسكا في ستوكهولم قاموا بعلاجها على أكمل وجه.
قالت المتقاعدة السويدية، وعمرها 70 عاما، "هناك تنسيق ممتاز فيما بين الجراح وأطباء الأورام والجناح، فهم يعرفون مرضاهم جيدا لذلك يعرفون كيف يحددون الأولويات". مضيفة أنها الآن "تشعر أنها بحالة جيدة" وتأمل في الشفاء التام.
كانت نيلرت من بين المرضى المحظوظين. إذ تعطلت رعاية مرضى السرطان عبر العالم بشدة حيث استنزفت أزمة فيروس كورونا الموارد وأثنت كثيرين عن اللجوء إلى العلاج. حتى في الدول الأوروبية الغنية، تأخر فحص وعلاج السرطان وتضخمت قوائم الانتظار.
وبحسب المنظمة الأوروبية للسرطان، التي تمثل المختصين والمرضى، أن نحو 100 مليون اختبار للكشف عن السرطان قد تم تفويتها في جميع أنحاء أوروبا، وأن مليون حالة سرطانية لم يتم تشخيصها خلال العام الأول للجائحة.
قال مارك لولر، الرئيس المشارك لشبكة أي سي أو الخاصة التي تدرس تأثير كوفيد - 19 في السرطان، إنه في المملكة المتحدة وحدها، سنشعر بتأثير كوفيد - 19 لمدة عقد من الزمن. وقال لولر أيضا، وهو أستاذ في جامعة كوينز في بلفاست، "ربما نحتاج إلى العمل بطاقة 130 في المائة لعدة أعوام لمجرد اللحاق بما فاتنا. إننا في سباق مع الزمن لاكتشاف المليون حالة سرطان التي لم يتم تشخيصها".
قالت إيزابيل روبيو، رئيسة قسم جراحة أورام الثدي في عيادة جامعة نافارا في مدريد، إن إسبانيا زادت الموارد المخصصة لفحص الثدي لضمان أن النساء اللواتي فاتهن هذا الفحص في 2020 يمكنهن إجراء فحوصهن.
لكن الموارد المخصصة للعلاج لم ترتفع بالدرجة نفسها، ما يترك البعض في حالة غموض بشأن موعد إجراء جراحاتهم. قالت إن هذا سبب "ضغطا أكبر على المرضى، إلى جانب الضغط الناجم عن الإصابة بسرطان الثدي".
في فرنسا، نشرت دراسة في "المجلة الأوروبية للسرطان" سيناريوهات محاكاة بناء على بيانات من قاعدة بيانات وافية وشاملة لمركز سرطان فرنسي كبير. ووجدت أن 6-8 في المائة من 13 ألف مريض ممن كانوا بحاجة إلى رعاية في المستشفى عانوا تأخيرات لأكثر من شهرين. وخلص الباحثون إلى أن " التأخيرات في التشخيص والعلاج المتعلقين بالجائحة لمرضى السرطان من المتوقع أن تؤثر في بقائهم على قيد الحياة".
حسب لولر، كانت مرونة النظم الصحية للدول في مرحلة ما قبل الجائحة مؤشرا مهما على مدى نجاحها خلال أزمة كوفيد. شرح أن، "هناك تحديا كبيرا في بعض دول وسط وشرق أوروبا، ولسوء الحظ، يعكس ذلك نقص الاستثمار والتركيز في المقام الأول على خدمات السرطان".
إن إحدى المشكلات المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا تتمثل في نقص الموظفين، مع استنزاف العاملين في مختلف المراتب بسبب الأمراض والتوتر وعوامل أخرى. قال لولر إن أربعة من كل عشرة أشخاص يعملون في رعاية مرضى السرطان وصفوا أنفسهم بأنهم منهكون، بينما أظهر ثلاثة من كل عشرة علامات اكتئاب سريري، في استطلاع أجرته منظمته.
كما عانى مستشفى كارولينسكا ذو الشهرة العالمية ضغوطا في أعداد الموظفين، واضطر إلى توظيف ممرضات إضافيات من وكالات خاصة. لكن نجاحه يقدم مثالا محمودا للأنظمة الصحية الأخرى، ما يدل على أن استنفاد القوة العاملة لا ينبغي بالضرورة أن يحكم على أي نظام بضعف الأداء.
إن ثقافة الإدارة التعاونية - حيث يتم تثبيط الإقطاعيات الفردية ويتحمل كبار الأطباء مسؤولية توفير عدد متفق عليه من العمليات أو الإجراءات - والاستخدام المتمرس للبيانات سمح لها ليس فقط بالحفاظ على أدائها السابق للجائحة، بل تجاوزه بشكل كبير، بإجراء 1500 عملية جراحية أكثر مما كان مخططا في الأصل.
استحضرت كارولين هالشو ساندر، أخصائية تخدير تدير غرف العمليات في المستشفى، مخططا كثيفا مرمزا بالألوان على شاشة على الحائط يسمح للموظفين بتتبع تقدم مرضى السرطان والتأكد من إعطاء الأولوية للحالات الأكثر إلحاحا. فالمرضى الذين تم تحديدهم باللون الأزرق لديهم موعد محدد في غرفة العمليات في غضون 30 يوما.
ويشير اللون الرمادي إلى أولئك الذين ما زالوا ضمن المهلة الزمنية لكن حتى الآن ليس لهم برنامج زمني محدد. وانتظر المرضى المعلمون باللون الأحمر أكثر من 30 يوما بالأصل لكن هذا يرجع عموما إلى أسباب طبية، كالحاجة إلى العلاج الكيميائي قبل الجراحة. قالت، "علينا أن نخطط من أجلهم. إننا نتفقد وضعهم كل يوم".
في عمل من أعمال الدمقراطية، يمكن الوصول إلى هذه البيانات من قبل جميع المشاركين في الرعاية السريرية من الأطباء إلى الأعضاء الأقل رتبة في الفريق. "إنه قرار جماعي حول الكيفية التي ينبغي للمستشفى استخدام أصوله فيها (...) إنه يعتمد على الحاجة" كما قالت ساندر.
قال لولر إن من المرجح بالنسبة إلى الدول التي لديها المعدات والوسائل لتشخيص السرطانات في مراحل مبكرة وأكثر قابلية للعلاج أن تكون قد أبلت بلاء حسنا، مستشهدا بهولندا كدولة أخرى ذات أداء فائق. فقد تم احترام هدف هولندا الذي يقضي بعدم انتظار أي مريض لأكثر من ستة أسابيع لتلقي العلاج بعد التشخيص، بعد أن جعلته الحكومة أولوية.
قال ثيس ميركس، مدير المنظمة الهولندية الشاملة لمكافحة السرطان، "بسبب كوفيد أنشأنا قوائم انتظار للرعاية الاختيارية والجراحة التجميلية وجراحة العيون وجراحة العظام والأمراض الجلدية لكن طب الأورام مرض يهدد الحياة ولهذا النوع من الرعاية ليس لدينا قوائم انتظار، حتى أثناء الجائحة".
في مستشفى كارولينسكا السويدي، أحدثت الخطوات البسيطة فرقا أيضا. وإدراكا منه أن المرضى يقررون أحيانا في اللحظة الأخيرة عدم الخضوع لعملية جراحية، فإن المستشفى يدير قائمة انتظار - "كشركة طيران" كما قالت ساندر - للأشخاص الراغبين في طلبهم للحضور خلال مهلة قصيرة.
قبل إدخال النظام، لم يكن من غير المألوف إهدار جلسة جراحية لمدة أربع ساعات. وقبل عامين من الجائحة، قام رؤساء المستشفيات أيضا بتمديد يوم العمل، بإجراء الجراحات الاختيارية حتى وقت متأخر من الليل وأحيانا في عطلات نهاية الأسبوع.
يلتزم الجراحون أيضا بتنفيذ عدد محدد من العمليات، مع مراقبة الأداء مقابل هذه الأهداف بدقة.
قالت ساندر إنها تعتقد أن نهج كارولينسكا فريد من نوعه في أوروبا. إذ قالت، "أعتقد أننا في الطليعة هنا. يمكن أن يتحسن الوضع على الدوام بالطبع، لكن من حيث الجودة لدينا نتائج جيدة."

الأكثر قراءة