يخوت فاخرة صديقة للبيئة .. اتجاه الأثرياء الحديث
من الصعب التفكير في شيء أكثر وضوحا لتجسيد الثروة الهائلة والاستهلاك المفرط من امتلاك يخت فاخر، كما تبين للروس الأثرياء على حسابهم، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية في شباط (فبراير).
عندما بدأت الحكومات الغربية في احتجاز هذه الأصول الفاخرة الواضحة للغاية في الموانئ وأحواض السفن في جميع أنحاء العالم في جولات متتالية من العقوبات الاقتصادية التي تستهدف موسكو، وجه المليارديرات المستهدفون طواقم اليخوت لأخذها إلى ملاذات آمنة مثل جزر المالديف في المحيط الهندي أو تركيا في البحر الأبيض المتوسط. وجد رومان إبراموفيتش ملاذا ليخته إكلبس، الذي يبلغ طوله 163 مترا، ما يجعله واحدا من أكبر اليخوت الفاخرة في العالم وتقدر تكلفته بأكثر من مليار دولار، في ميناء مرماريس التركي.
لكن قبل الحرب الأوكرانية الأخيرة بوقت طويل، واجهت صناعة اليخوت الفاخرة مشكلة لا علاقة لها بأي دعم ربما يقدمه أصحاب السفن الأثرياء للأنظمة الاستبدادية المحرضة للحروب، تأثيرها في البيئة والانطباع الذي أعطته بأن آخر هم الأغنياء هو تغير المناخ.
معظم اليخوت الفاخرة - التي تعرف عادة بأنها سفينة ترفيهية يزيد طولها على 30 مترا أو 100 قدم - في جوهرها سفن بمحركات مثل سفن الرحلات البحرية الصغيرة، التي تلبي احتياجات المالكين أو المستأجرين وعدد قليل من الضيوف المدللين. تحتوي اليخوت الأكبر حجما على منصات طائرات الهليكوبتر وأحواض سباحة وصالات رياضية وكذلك أجنحة نوم فاخرة. حتى إنه يوجد في بعضها غواصات صغيرة.
قلة قليلة منها تعد يخوتا شراعية، وتستهلك معظمها كميات هائلة من الديزل. بدأت الشركات المصنعة حديثا فقط في تطوير تكنولوجيات جديدة مثل قوة الدفع الكهربائي الذي يعمل بالهيدروجين الذي من شأنه أن يخفض الانبعاثات.
في غضون ذلك، فإن بناء القوارب وتشغيلها، وفي النهاية، تخريدها كلها أمور ذات تأثير ضار في البيئة. ينطبق الشيء ذاته على الطائرات والسيارات، لكن ظهور اليخوت الفاخرة في الأماكن السياحية الساخنة، يجعل بصمتها البيئية موضوعا حساسا بشكل متزايد. نما الأسطول العالمي من اليخوت أكثر من ستة أضعاف منذ 1985 ليصل إلى أكثر من 5،200، وفقا لمجلة "سوبر ياخت تايمز". تبحر هذه اليخوت في المحيطات المعرضة للخطر في العالم.
يقول مصمم اليخوت الفاخرة في موناكو، إسبين أوينو، الذي يعتقد أنه في الأعوام القليلة الماضية فقط بدأ معظم المالكين في الاهتمام بالانبعاثات الصادرة عن اليخوت، "بالطبع، إنه أمر مهم للغاية الآن في الأجندة - لقد حدثت نقلة نوعية". يسأله العملاء عما يمكن فعله لتقليل استهلاك الطاقة على متن السفينة، سواء من أجل قوة الدفع أو ما يسمى "بالحمولة الفندقية" لتكييف الهواء وغيرها من الخدمات، حتى كيفية بناء القارب في المقام الأول بطريقة مسؤولة.
يوافق روب دويل، مهندس بحري آخر يصمم اليخوت الفاخرة في كينسيل في أيرلندا، على أن مزيدا من المالكين بدأوا في ملاحظة الحاجة إلى تقليل انبعاثات الكربون وحماية البيئة، على الرغم من أن كثيرين لا يزالون قلقين بشأن التكلفة. يقول، "لا يزال هناك قدر هائل من ظاهرة الغسيل الأخضر. تصفح المجلات ولن ترى يختا فاخرا سيئا أبدا".
مع أنها في الأغلب ما تكون سيئة. وجدت الأبحاث التي أجراها عالما الأنثروبولوجيا، بياتريس باروس وريتشارد ويلك من جامعة إنديانا، حول البصمات الكربونية للأثرياء الفاحشين أن اليخوت أسهمت بنسبة كبيرة في انبعاثات الكربون لأصحاب المليارات الذين يمتلكونها - أكثر بكثير من طائراتهم الخاصة أو قصورهم.
بالنسبة إلى المالك السابق لنادي تشيلسي لكرة القدم، إبراموفيتش، مثلا، من أصل 31،200 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون التي تم حساب أنه أطلقها في 2018، جاء ما لا يقل عن 22،400 طن من يخوته. وبلغت انبعاثات اليخوت بالنسبة إلى برنارد أرنو، مالك شركة إل في إم إتش وأغنى رجل في فرنسا، نحو تسعة آلاف طن من إجمالي انبعاثاته البالغ 10،400 طن.
هناك طرق أخرى يمكن للأثرياء أن يشعروا بالحرج منها فيما يتعلق باليخوت الفاخرة الخاصة بهم. حيث يواجه حوض بناء السفن الهولندي أوشينكو مقاومة من السكان المحليين الغاضبين بعد أن طلب من مدينة روتردام تفكيك جسر كونينجهافن القديم مؤقتا حتى تتمكن السفينة الجديدة ثلاثية الصواري لجيف بيزوز، مؤسس شركة أمازون، من الوصول إلى الميناء والبحر الواسع - هذه السفينة عبارة عن يخت شراعي كلفت مئات الملايين من الدولارات.
لكن يظل التأثير في المناخ المشكلة البيئية الضخمة التي لا يمكن تجاهلها من قبل أصحاب وبناة ومصممي اليخوت، أظهرت صحيفة "باروس-ويلك" أن بيل جيتس وإيلون ماسك كلاهما مصدران كبيران لانبعاثات الكربون، لكن أرقامهما لـ2018 كانت أقل بكثير من تلك الخاصة بزملائهم المليارديرات لأنهم لا يملكون يخوتا.
تعكس الجهود المتسارعة لجعل اليخوت الفاخرة صديقة للبيئة تحركات مشابهة في صناعات الطائرات والمركبات لاعتماد تكنولوجيات وأنظمة جديدة تساعد على تقليل أو القضاء على انبعاثات الكربون وغيرها من الملوثات.
بالنسبة إلى مصممي وبناة اليخوت الفاخرة، تبدأ العملية بشكل الهيكل أو الهياكل، لأن هناك القليل من الأمور التي تهدر الطاقة مثل دفع معدن ثقيل أو سفينة مركبة عبر سائل كثيف مثل الماء. بالنسبة إلى كل من أوينو ودويل، فإن هذا البحث عما يسميه أوينو "هندسة هيكل سهل الدفع" يعني النظر إلى الهياكل المتعددة "القوارب أو الزوارق" للجيل المقبل من اليخوت الكبيرة، لأنها مصممة للمرور على طول سطح البحر بسهولة، حتى لو كانت هناك قيود واضحة على الوزن وما يمكنك أن تفعله بالمساحة الداخلية.
تاليا، قوة الدفع. هناك بالفعل قوارب تعمل بالديزل والكهرباء، وتستخدم مولدات الديزل التي تعمل بعدد دورات مثالي "أكثر اقتصادية، وأقل تلويثا" لتشغيل المحركات الكهربائية، وفي المستقبل، تكمن الفكرة في تشغيل المحركات الكهربائية بالطاقة التي تولدها من خلايا وقود الهيدروجين.
ثم هناك الكهرباء اللازمة للحمولة الفندقية على اليخت، ولا سيما تكييف الهواء وتوليد المياه العذبة من مياه البحر، لكن أيضا المصابيح والأنظمة الكهربائية الأخرى. يمكن أن تنتج الألواح الشمسية بعض الطاقة لكن نادرا ما تكون كافية لتشغيل يخت فاخر في الوقت الحاضر في المرسى، لذلك لشحن البطاريات وتشغيل القارب، هناك حاجة إلى شكل آخر من أشكال توليد الكهرباء الخالية من الكربون لتحل محل مولدات الديزل المستخدمة على نطاق واسع حاليا.
بالنسبة إلى باروس وويلك، لا يمكن لأي من هذا أن يبرر امتلاك أي نوع من اليخوت الفاخرة. يكتبان، "في حين أن كثيرا من أصحاب المليارات قد اتخذوا إجراءات مؤيدة للبيئة في حياتهم الشخصية أو علاقاتهم مع الشركات أو التبرع بالمال لمنظمات تغير المناخ وشراء تعويضات الكربون، فإن أيا من هذه الإجراءات لا تلغي إجمالي انبعاثاتهم. يمكن وصف اليخت الذي يبلغ طوله 90 مترا بأنه موفر للطاقة أو صديق للبيئة، لكن، كما يشير منتقدو موضة صديق البيئة، فلا تزال اليخوت تمثل إهدارا هائلا للموارد، ورفاهية عابثة في عالم يزداد احترارا".
"لكن الصناعة تحاول ذلك"، إجابة دويل، الذي طورت شركته الخاصة وشركة فان جيست ديزاين، مشروع دوموس "أي البيت باللاتينية"، مشروعا لقارب إبحار بطول 40 مترا يوصف على أنه "أول يخت معدوم الانبعاثات بشكل فعلي" يزيد وزنه الإجمالي على 750 طنا، ويولد الكهرباء لشحن بطارياته من الألواح الشمسية وخلايا وقود الهيدروجين ومراوحه الخاصة التي تعمل كمولدات عندما يبحر القارب.
يقول دويل، "لقد جاء ذلك من محادثة أجريناها مع أحد العملاء. لقد اقترحنا هذا المشروع بخلايا الوقود والإبحار المتجدد". أضاف، "إنه صامت (...) يرغب الناس فقط في الاستماع للمياه والرياح المقبلة وليس سماع أزيز المولدات أو اشتمام نفحة الديزل".
إن قوة دفع الهيدروجين في مراحلها الأولى للنقل الجماعي. يصعب تخزين الغاز، على الرغم من أنه يمكن تصنيعه من الميثانول، ولا توجد حتى الآن شبكة توزيع للوقود. لكن الاهتمام بالهيدروجين مجرد علامة واحدة على الكيفية التي تبحث بها صناعة اليخوت عن طرق لخفض الانبعاثات في الأعوام المقبلة مع زيادة الضغط من الجهات التنظيمية - والرأي العام.
يشير أوينو إلى أنه في بعض الأماكن، بما في ذلك مضائق موقع التراث العالمي مثل جيرانجرفيورد في موطنه النرويج، توجد بالفعل قواعد تحد من الانبعاثات وتصبح أكثر صرامة مع الوقت، وستساعد على فرض وتيرة تخضير السفن واليخوت.
من المرجح أن تكون أولى أنظمة اليخوت الكبيرة التي يتم تشغيلها بالكامل بوساطة مصادر الطاقة المتجددة هي القوارب الصغيرة التي تنقل الأشخاص من وإلى الشاطئ، التي بدأت بالفعل في التحول إلى قوة الدفع الكهربائي، والمعدات التي تسهم في الحمولة الفندقية عندما تكون السفينة متوقفة. على أي حال، يمكن تقليل الحمولة الفندقية من خلال التصميم والتشغيل المعقول، نظرا إلى أن المساحات الداخلية لليخوت الفاخرة مكيفة بشكل كبير طوال الوقت على الرغم من أن المالكين والضيوف يقضون جزءا كبيرا من وقتهم في الخارج على سطح السفينة.
يقول أوينو إن السفر عبر المحيطات دون انبعاثات غازية هو مطلب كبير للغاية. ويشرح قائلا، "يتم تنفيذ كثير من الأشياء بالفعل، لكن اليخت الكبير الكهربائي الكامل دون انبعاثات لا يزال غير واقعي"، لأنه من المستحيل تخزين أو إنتاج طاقة كافية على متنه.
أضاف، "سيكون هناك مزيج من الأشياء التي ستجعلنا نخفض من الانبعاثات التي تؤدي في النهاية إلى خفض الانبعاثات إلى الصفر".
يمكن أن تكون منصة "اليخوت من أجل العلم" إنجازا كبيرا للمستكشفين
بالنسبة إلى مالكي اليخوت الذين يشعرون بالذنب ليس فقط بشأن بصمتهم البيئية لكن أيضا بشأن قلة استخدامهم لقواربهم باهظة الثمن، فإن روزي أودنيل لديها الحل الأمثل، منصة اليخوت من أجل العلم.
اليخوت من أجل العلم عبارة عن منصة لمطابقة اليخوت غير المستخدمة وطاقمها مع العلماء الذين يبحثون عن سفينة يمكنها الوصول إلى المناطق النائية والسماح لهم بالبحث في كل شيء من الشعاب المرجانية وأسماك شياطين البحر إلى أسماك القرش البيضاء الكبيرة. في بعض الحالات، يحب الملاك وعائلاتهم أن يكونوا على متن القارب خلال هذه الرحلات.
تقول أودونيل، "إنه للأشخاص الذين يريدون أن يكونوا من فاعلي خير بطريقة ما، ليكون لديهم ما يتحدثون عنه بدلا من الجلوس على ظهر قاربهم في سانت تروبيز. يتعلق الأمر بجعل ملكيتهم ذات قيمة أكبر".
تتلاءم فكرة منصة اليخوت من أجل العلم مع الاتجاه السائد بين مالكي اليخوت لتجهيز ما يسمى بالرحلات الاستكشافية أو اليخوت الاستكشافية القوية التي يمكنها السفر لمسافات طويلة، إلى القطب الجنوبي مثلا، بدلا من الاكتفاء بشيء من شأنه أن ينطلق بسرعة عالية حول منتجعات البحر الأبيض المتوسط أو البحر الكاريبي.
يقول دومينيك بيرن من أركسين مارين، شركة بناء السفن التي تدعم منصة اليخوت من أجل العلم وتبني مجموعة جديدة من اليخوت ذات المحركات عالية التكنولوجيا، "تبحث صناعة اليخوت دائما عن طرق لإعادة ابتكار نفسها. يتطلع الناس للذهاب إلى أبعد من ذلك، ويتطلعون إلى القيام بذلك بطريقة صديقة للبيئة قدر الإمكان".