صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو

صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو
صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو
صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو
صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو
صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو
صناعة السيارات في السعودية .. التطلعات والنمو

تتطلع المملكة إلى دفع التحول الاقتصادي السعودي بنشاطات استثمارية وصناعية فعالة ومتنوعة ومؤثرة عالميا، من خلال عدد من القطاعات الحيوية، التي من بينها قطاع السيارات، بما في ذلك السيارات الكهربائية، عن طريق التعاون مع عدد من الشركات العالمية ذات المستقبل الواعد. في هذا التقرير نلقي الضوء على ما لدى المملكة من تطورات في مجال صناعة السيارات والأسواق المرتبطة بها.

سوق السيارات الكهربائية العالمية تلامس 300 مليار دولار

نمت سوق السيارات الكهربائية عالميا خلال 2021 بمعدل 16.5 في المائة على أساس سنوي لتبلغ 287 مليار دولار، وهو ما يشكل 10 في المائة من حجم سوق السيارات الإجمالي، ومن المتوقع أن تصل السوق إلى 1.3 تريليون دولار خلال خمسة أعوام، بحسب "جلوب نيوز واير"، وأن تصبح 26 في المائة من مبيعات السيارات الجديدة كهربائية بحلول 2030. هذه الأرقام تدل على التحول الكبير والمتتالي لهذه الصناعة والمستقبل الواعد الذي ينتظرها في ظل الدعم الذي تتلقاه من الحكومات من خلال الحوافز والإعفاءات الضريبية.
مشهد النمو هذا لم يكن عالميا فحسب، بل كذلك على مستوى المملكة يتوقع المركز الوطني للتنمية الصناعية أن تنمو مبيعات السيارات في السعودية بحلول 2025 بمعدل نمو سنوي مركب 24 في المائة، وأن تستحوذ السيارات الكهربائية على ما بين 5 إلى 7 في المائة من النمو بإجمالي 32 ألف سيارة، ما دفع المملكة على المستويين الحكومي والخاص إلى البدء في اتخاذ الخطوات الأولية في هذا الاتجاه. من تلك الخطوات إنشاء مجمع ديار السلام في جدة 2018، وهو أول مجمع سكني يحتوي على محطة شحن سيارات كهربائية، إلى جانب الاستثمار في شركات السيارات الكهربائية العالمية، ثم إنتاج سيارة كهربائية داخل الأراضي السعودية.

المركز الوطني للتنمية الصناعية

يقع مجال صناعة السيارات ضمن نشاطات المركز الوطني للتنمية الصناعية، المعني بتطوير الصناعة المحلية للسيارات من خلال جذب شركات السيارات العالمية للاستثمار في المملكة، حيث يستهدف المركز إنتاج نحو 300 ألف سيارة في المملكة قبل 2030. رؤية المركز هي أن تكون المشاركة المحلية في عمليات الإنتاج في حدود 40 في المائة من الاحتياجات التصنيعية لهذه السيارات.
تجربة المملكة في صناعة السيارات بدأت بشكل عملي في 2012 حين انطلقت شركة أيسوزو بإنتاج شاحناتها في المنطقة الشرقية من المملكة، ومن ثم جاءت ثلاث شركات عالمية أخرى في المنطقة الغربية لإنتاج قطع متنوعة للشاحنات هي مرسيديس وفولفو ومان. هذا إلى جانب وجود عدد آخر من الشركات العاملة في مجال صناعة السيارات، مثل شركات البطاريات وقطع الغيار المتنوعة.
بحسب المركز الوطني للتنمية الصناعية من المتوقع أن تستحوذ المملكة على 50 في المائة من مبيعات السيارات في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول 2025 من نحو 1.15 مليون سيارة، من بينها 62 ألف سيارة كهربائية.
تجدر الإشارة إلى أنه في 2010 كانت هناك جهود قيمة من قبل مجموعة من الباحثين في جامعة الملك سعود لإنتاج أول سيارة سعودية، سميت "غزال"، إلا أنه وسط ضجيج إعلامي انحرف مسار هذه الجهود من مجرد جهود بحثية مفيدة إلى فرقعات إعلامية أدت في نهاية الأمر إلى وأد المشروع، الذي كان يعتقد أنه سيؤدي إلى إنشاء مصنع لإنتاج 20 ألف سيارة سعودية 100 في المائة.

لوسيد .. العائد 13 مرة رغم تراجع سهم الشركة

يعد صندوق الاستثمارات العامة أحد أبرز الجهات المهتمة بمجال السيارات الكهربائية، فقد قام بالاستثمار في شركة السيارات الكهربائية لوسيد بنسبة نحو 67 في المائة من أسهمها، بإجمالي نحو 1.3 مليار دولار، ما يعادل نحو 17 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة الآن. هذا يعني أن قيمة استثمارات الصندوق تعادل نحو 13 ضعف رأس المال المستثمر في الشركة، على الرغم من تراجع سعر سهم الشركة من أعلى مستوى عند 56 دولارا في نوفمبر الماضي إلى 15 دولارا حاليا.

رغم الطلب المرتفع .. لوسيد تعجز عن تلبية طلبات العملاء

أبرز أسباب تراجع سعر سهم الشركة يعود إلى عدم قدرة الشركة على تلبية طلبات العملاء نتيجة ضعف الإنتاجية لعدة أسباب داخلية وخارجية، فبنهاية فبراير الماضي كان لدى الشركة حجوزات بعدد 25 ألف سيارة، بقيمة 2.4 مليار دولار، وهو رقم قادر على أن يحيل خسائر الشركة إلى أرباح. نمت مبيعات الشركة من مجرد 4.5 مليون دولار في 2019 إلى نحو 181 مليون دولار لآخر 12 شهرا، إلا أن صافي الأرباح تراجع من سالب 269 مليون دولار إلى سالب 1.8 مليار دولار خلال الفترة نفسها، بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية وتكاليف الاستهلاكات الرأسمالية.
منذ أن تم طرح شركة لوسيد للاكتتاب في منتصف 2021، انتظر المستثمرون تقرير الأرباح للربع الرابع وأول إيرادات بعد الاكتتاب، التي جاءت أقل من المتوقع بإجمالي 26.4 مليون دولار، في حين إن تكلفة المبيعات كانت نحو ستة أضعاف هذا الرقم متخطية 151 مليون دولار. وبالنظر إلى حجم السيارات التي تم تسليمها نجد أن لوسيد لم تسلم سوى 125 سيارة من نوع أير دريم خلال 2021، وحاولت الشركة تصحيح الوضع حينها بالوعد بتسليم 520 سيارة من نوع دريم إيدشن، ومن ثم تسليم ثلاثة إصدارات أخرى، لكن إلى فبراير الماضي لم تسلم الشركة سوى 200 سيارة فقط أي 40 في المائة مما وعدت به.

هدف الإنتاج يتضاءل إلى الثلث وتوقعات بعدم الإيفاء به

لا تزال الشركة تعاني تحديات الإنتاج وتلبية طلبات العملاء، فبعد وعودها بإنتاج 20 ألف وحدة خلال العام الجاري، تخلت مطلع العام عن التقديرات الإنتاجية، لتخفضها إلى ما بين 12 إلى 14 ألف وحدة، إلا أنه فعليا حتى منتصف العام تم تسليم نحو 1.4 ألف سيارة فقط، أي نحو 10 في المائة. لذا عادت الشركة إلى تخفيض توقعات الإنتاج لهذا العام إلى سبعة آلاف سيارة، ما أثار امتعاض المستثمرين والمحللين، وأدى إلى تراجع سعر السهم إلى نحو 15 دولارا حاليا.

تأثير سلاسل الإمداد ورفض الشركة التخلي عن الجودة

لا تتعلق أزمة لوسيد تحديدا بالقدرة الفنية على الإنتاج، فلديها قدرة إنتاجية عالية في مصنعها الوحيد في الولايات المتحدة، الذي يشهد توسعات كبيرة، إلى جانب خطط الشركة لإنشاء مصنع آخر في المملكة، ما يعزز القوة الإنتاجية للشركة ويفتح آفاقا وسوقا جديدة في منطقة الشرق الأوسط ككل، التي لا تزال متعطشة للسيارات بشكل عام، وللسيارات الكهربائية على وجه التحديد.
سبب الأزمة الحقيقي يكمن في سلسلة الإمداد العالمية التي عانتها الشركة، فهناك صعوبات في الحصول على بعض مكونات السيارات، بالذات رقائق أشباه الموصلات، وصعوبات متعلقة بحركة النقل والشحن بسبب أزمة كورونا والإغلاقات المتكررة. هذه الأحداث جاءت في وقت سيئ بالنسبة إلى شركات السيارات الناشئة مثل لوسيد وريفيان، وكذلك بالنسبة إلى شركات السيارات الكبيرة التي أوقفت بعض خطوط الإنتاج لديها، باستثناء بعض الشركات مثل تويوتا، التي كان لديها مخزون من المكونات استطاعت من خلاله أن تتوازن مع ضربات سلاسل الإمداد المتتالية.
إضافة إلى هذه العراقيل، فبحسب تصريح لبيتر رولينسون الرئيس التنفيذي، لم تضح لوسيد بعوامل الجودة والرفاهية كما فعلت بعض شركات السيارات الأخرى التي أزالت ميزات معينة، على سبيل المثال ميزة المقاعد الساخنة، وجاء ذلك بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، وإصراره على محافظة الشركة على سمعتها العالمية.

المملكة تضع بذرة ازدهار النقل الكهربائي في الشرق الأوسط

تم الاتفاق مع شركة لوسيد على بناء مصنع لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة بتكلفة 3.4 مليار دولار، بطاقة إنتاجية تصل إلى 155 ألف سيارة كهربائية سنويا، وسيتم التشغيل في غضون أربعة أعوام من الآن وفقا لخطط الشركة. كما أن المملكة أعلنت عزمها شراء نحو مائة ألف سيارة من لوسيد خلال الأعوام العشرة المقبلة، وهذا الاتفاق من شأنه أن يسهم في عدة محاور مهمة للاقتصاد السعودي، من بينها المساعدة في أهداف المملكة بالحد من الكربون، إضافة إلى تحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي في قطاع السيارات، وتحويل الواردات السعودية في هذا القطاع إلى صادرات، وتشجيع عديد من الاستثمارات الأخرى لشركات السيارات بوجه خاص والقطاعات الأخرى بوجه عام على الاستثمار في المملكة، بعد رؤية النجاح المتوقع لشركة لوسيد في المنطقة.
كما أن المشاركة مع لوسيد ستوفر عديدا من الوظائف ذات الأهمية المستقبلية، فهي ليست بابا لنمو الوظائف فحسب، بل إن هذه النوعية من الوظائف تعد إحدى الوظائف الأساسية التي يستند إليها العالم مستقبلا، إضافة إلى أنه سيتم نقل تكنولوجيا الصناعة الحديثة من خلال هذا المصنع إلى الأراضي الوطنية، وهي الاستراتيجية التي ساعدت الاقتصادين الصيني والكوري ذات يوم على النهوض من خلال نقل التكنولوجيا وممارسة أساليب الإدارة المصنعية الحديثة، التي تمارس في الدول المتقدمة.

المملكة تصبح ثاني أكبر شريك في أستون مارتن والشركة تتحول إلى السيارات الكهربائية

لم تكتف المملكة برصيدها الاستثماري في شركة لوسيد، بل نوعت استثماراتها في شركات سيارات أخرى، عملا بمبدأ عدم وضع البيض في سلة واحدة، فمن بين هذه الشركات هناك شركة السيارات البريطانية العريقة أستون مارتن التي أعلنت في منتصف يوليو الماضي زيادة رأسمالها، وكان على صندوق الاستثمارات العامة استغلال تلك الفرصة بالمساهمة بما يعادل 92.5 مليون دولار في الشركة، أي نحو 16.7 في المائة من أسهمها، إضافة إلى إصدار حقوق اكتتاب منفصلة قيمتها تعادل 682 مليون دولار.
هذا الاستثمار يجعل صندوق الاستثمارات العامة ثاني أكبر مستثمر في الشركة بعد سحب اللقب من مرسيدس بنز الحاصلة على 9.7 في المائة من إجمالي الاستثمارات، وهي الفرصة التي كانت ترجوها شركة السيارات الصينية جيلي، التي طرحت عرض شراء حصة في الشركة البريطانية مقابل 1.22 مليار دولار. هذا الاستثمار الجديد سيدفع أستون مارتن إلى التخلص من جزء من ديونها البالغة 1.54 مليار دولار، التي جاء جزء منها بسبب نقص الرقائق وأزمة سلاسل الإمداد العالمية، ما نتج عنه نقص في المبيعات.
هذه الاستثمارات تساعد الشركة على إصدار عدد من الطرازات الجديدة، والقدرة على المضي قدما في استراتيجيتها لتحويل جميع سياراتها إلى سيارات هجينة وكهربائية بحلول 2025. ورغم ذلك ستحتاج الشركة إلى استثمارات إضافية كون جميع هذه الخطط والاستدانة التي لا يزال جزء كبير منها قائما، ربما تؤدي في نهاية المطاف بالشركة للجوء إلى عرض شركة جيلي الصينية، ما يساعد أستون مارتن في عدة محاور، أهمها التخلص من الديون الكبيرة، والتعاون فيما بينها وبين شركة السيارات الرياضية البريطانية لوتس، التي تمتلكها أيضا شركة جيلي، إضافة إلى حل بعض مشكلاتها المالية التي أدت إلى انخفاض السيولة لديها إلى 189 مليون دولار.

ماكلارين .. شراكة استثمارية وابتكارية

من أستون مارتن إلى ماكلارين، وهي كذلك شركة سيارات بريطانية، حيث استثمر صندوق الاستثمارات العامة إلى جانب صندوق الاستثمارات العالمي "آريس مانجمنت" نحو 551 مليون دولار في ماكلارين، وذلك كجزء من جولة تمويلية خاضتها الشركة. إلا أن شراكة المملكة مع الشركة البريطانية أكبر من أن تكون شراكة مالية فحسب، حيث دخلت نيوم وقطاع السيارات الكهربائية في ماكلارين في شراكة لمنافسات فورمولا إي وإكستريم إي، إلى جانب شراكة في مجمع أوكساجون للأبحاث والابتكار، الذي سيقام في المملكة، وهي مدينة نصف عائمة لمراكز التصنيع. وتأتي الشراكة ضمن أحد القطاعات السبعة التي تحتضنها المدينة، وهو قطاع النقل الآلي والمستدام، وتهدف هذه الشراكات إلى نقل تكنولوجيا الشركات العالمية على غرار ماكلارين إلى المملكة.

القطاع الخاص أيضا يستثمر في مستقبل النقل الكهربائي

إلى جانب صندوق الاستثمارات العامة هناك شركات سعودية لديها اهتمامات في مجال المركبات الكهربائية، منها مجموعة عبداللطيف جميل، التي وقعت في يونيو الماضي اتفاقية مع الشركة الهندية جريفز إلكتريك موبيلاتي للدراجات الكهربائية والسيارات التجارية الصغيرة، بقيمة 220 مليون دولار بما يعادل 52.5 في المائة من أسهم الشركة. وسيتم استخدام هذا الاستثمار في إطلاق منتجات جديدة وتعزيز العملية التصنيعية والعلامة التجارية للشركة التي استطاعت تحقيق صافي أرباح للربع الثاني على التوالي بعد سلسلة من الخسائر التي عانتها على مدار الأعوام الماضية، حيث حققت صافي ربح في النصف الأول من العام الجاري بما يعادل 4.5 مليون دولار مقابل خسائر للنصف نفسه من 2021 التي سجلت حينها خسارة بمقدار 0.52 مليون دولار، نتيجة ارتفاع الإيرادات في الربع الثاني من 2022 إلى 82.7 مليون دولار مقارنة بـ28.7 مليون دولار للربع نفسه من العام السابق.

خاتمة

ناقشنا في هذا التقرير المستقبل الذي ينتظر المملكة في إحدى الصناعات الرائدة، وكيف استفاد صندوق الاستثمارات من هذا المسار العالمي، بضخ استثمارات متنوعة متوقع لها أن تحول المملكة في هذا القطاع من دولة مستهلكة إلى دولة منتجة، وأن تفتح آفاقا جديدة للاقتصاد السعودي ليصبح مركزا إنتاجيا لوجستيا لإحدى أهم الصناعات المستقبلية، ما يعزز من نمو وتنوع الاقتصاد، ويفتح آفاقا استثمارية جديدة، بعيدا عن الاعتماد على منتجات الطاقة فقط.

الأكثر قراءة