رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لجامعة مبتكرة ومخرجات مهارية

لا أحد يجادل حول الأثر الذي تركته الثورة الصناعية من خلال دورها في بناء المعرفة ونشرها، فلقد شهد القرن الـ20 منذ بداياته نهضة ضخمة في التعليم الجامعي، ودخلت تخصصات لم تكن يوما تصنف من ضمن العلوم التي تدرسها الجامعات، ففي 1900 كان هناك واحد فقط من بين الآلاف من الشباب في العالم ملتحقا بالجامعات، لكن على مرور عقود القرن الـ20، ارتفع هذا العدد إلى نحو واحد من كل خمسة.
وفي هذا الاتجاه أدى انتشار الجامعات في جميع أنحاء العالم إلى ثورة في قطاع الأعمال، خصوصا مع التطور المذهل والسريع في أشكال المؤسسات القانونية. من أجل هذا التطور تتبع كثير من الأبحاث والدراسات أثر التعليم في عدة جوانب اجتماعية واقتصادية، ففي دراسة متخصصة لما يقرب من 15 ألف جامعة في نحو 1500 منطقة عبر 78 دولة، تبين أن عدد الجامعات مرتبط بشكل إيجابي بالنمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فزيادة بنحو 10 في المائة في عدد الجامعات في أي منطقة تقود إلى ارتفاع 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للفرد في تلك المنطقة، علاوة هذه العلاقة بين نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والجامعات ليست بسبب النفقات المباشرة للجامعة على موظفيها وعلى الإنشاءات، بل لتأثير الجامعات في تنمية رأس المال البشري وزيادة الابتكار، وتحقق الجامعات هذا التأثير في النمو من خلال زيادة المعروض من رأس المال البشري وتحقيق مزيد من الابتكار، فالجامعات هي المورد لرأس المال البشري والعمال المهرة الأكثر إنتاجية، ويعد ما ينتجه البحث العلمي في الجامعات موردا مهما للابتكار، والدراسات المتخصصة تشير إلى أن هناك ارتباطا بين عدد شركات تصنيع براءات الاختراع وكمية ونوعية الأبحاث في الجامعة ذات الصلة في المنطقة الجغرافية التي تقع فيها هذه الشركات. هذه العلاقات التجريبية واضحة بين الجامعات والابتكار من جهة وبين النمو الاقتصادي من جهة أخرى، وارتباط كل ذلك بمفهوم رأس المال البشري، لهذا اهتمت رؤية المملكة 2030 بهذا المحور اهتماما واضحا مباشرا، فبرنامج تنمية القدرات البشرية أحد أهم البرامج لتطوير قدرات جميع السعوديين، ويسعى البرنامج إلى أن يمتلك المواطن قدرات تمكنه من المنافسة عالميا، من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف، ويركز البرنامج على تطوير أساس تعليمي متين للجميع يسهم في غرس القيم منذ سن مبكرة، وتحضير الشباب لسوق العمل المستقبلية المحلية والعالمية، وتعزيز ثقافة العمل لديهم، وتنمية مهارات المواطنين عبر توفير فرص التعلم مدى الحياة، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، مرتكزا على تطوير وتفعيل السياسات والممكنات لتعزيز ريادة المملكة، ومنذ انطلاقة الرؤية شهدت منظومة البحث والتطوير والابتكار قفزات في عدد المنشورات البحثية وتعزيز الشراكات البحثية العالمية. وفي هذا الجانب حققت المملكة المركز الـ14 عالميا في عدد الأبحاث المنشورة الخاصة بجائحة كورونا.
وأشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة إلى أن الرؤية حققت في مرحلة مهمة كثيرا من المستهدفات، وهذا يتطلب تركيز الأعمال وبذل الجهد لتحقيق جميع المستهدفات، وأثبتت المرحلة السابقة قدرات المملكة على كسر أرقام الرؤية التي وضعت في مرحلة مبكرة من عمرها، ما يدل على أن القدرات الكامنة في الاقتصاد السعودي وفي ممكناته البشرية والمادية هي أكبر بكثير، ولهذا فإن تخصيص الأعمال بشكل أكبر وتركيز الجهود سيسهمان في مضاعفة المنجزات والمؤشرات المستهدفة، وهذا ما تم فعلا بشأن عديد من مشاريع الرؤية، حيث أطلق عديد من الرؤى والتصاميم المتنوعة التي تأخذ الاقتصاد السعودي إلى مرحلة متقدمة تتفوق على كل ما هو مشهود في الساحة العالمية، ومن ذلك إعلان تصاميم مدينة نيوم، والمدرك لحقائق الأشياء يعرف يقينا أن هذه المشاريع العملاقة لا بد أن يصاحبها ارتفاع في مستويات التعليم وفي تنمية رأس المال البشري خصوصا، ولهذا جاء النظام الجديد لجامعة الملك سعود في وقته المتناسب مع كل هذه التطورات التي تشهدها المملكة.
وتوافقا مع نتائج البحوث الاقتصادية، فإن جامعة الملك سعود هي الأكثر تأهيلا الآن لتحول يسهم في تحقيق مساهمة كبيرة في النمو الإجمالي وفي تحسين مستويات الابتكار في تنمية رأس المال البشري، فهي من جانب تقع في منطقة الرياض التي أشار الأمير محمد بن سلمان إلى مستهدفات النمو فيها، كما أن ذلك يسهم في تحقيق مفاهيم اقتصاد المدن الكبرى، ونص نظام الجامعة الجديد على أن تكون تحت مظلة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وسيشرف مجلس إدارة الهيئة على الجامعة، من خلال اعتماد رؤاها وخططها الاستراتيجية، وخططها وتقاريرها السنوية، واعتماد السياسات المتعلقة بأنشطة الجامعة واستراتيجياتها، والخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها، وبذلك تخرج من تحت عباءة مجلس شؤون الجامعات، ما سيرسم لها مهام ومستهدفات جديدة، ورغم هذا الارتباط الجديد للجامعة بالهيئة الملكية للرياض، إلا أن منحها شخصية اعتبارية واستقلال صرف مالي باعتبارها مؤسسة أكاديمية مستقلة غير هادفة، يتيح لها مرونة في بناء هيكل التمويل الخاص بها وإعادة هيكلة الأصول بما يحقق أفضل استخدام لرأس المال، ولأن الابتكار كما تؤكد الدراسات أنه المحصلة الأهم للجامعات الحديثة والأكثر تأثيرا في النمو الاقتصادي والصناعات المحلية، فقد منح النظام أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الحريات والحقوق الأكاديمية والبحثية المتصلة بالبحث العلمي وتطويره ونشر المعرفة وإيجاد البيئة البحثية والتعليمية الملائمة، وذلك على غرار ما هو معمول به في أفضل الجامعات العالمية، ويلتزمون باستخدام هذه الحريات والحقوق لتنمية معارف الطلاب والطالبات في مجالات تخصصاتهم، وتحسين كفاياتهم العلمية ومهاراتهم، والعمل على تطوير المعرفة وتعميقها، وهذا يتطلب أن تكون علاقة الجامعة بالأستاذ الجامعي علاقة تعاقدية وليست علاقات لائحية نظامية ما يتطلب أن يخضع منسوبو الجامعة لأحكام نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية، كما يمكن للجامعة أن تتقاضى رسوما مقابل ما تقدمه من برامج دراسية وتدريبية وتأهيلية وما في حكمها، أو غيرها من برامج، وتحصيل مقابل مالي لما تجريه من بحوث علمية، أو ما تقدمه من خدمات أو استشارات لجهات داخل المملكة وخارجها. وهذا في مجمله يضع الجامعة والتعليم الجامعي في مرحلة جديدة ومتنوعة ومختلفة عن السابق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي