تقييد الصادرات وتداعيات التضخم
لم تنجح الضغوط الدولية على الحكومة الهندية في ثنيها عن تقييد صادراتها من الحبوب، بما في ذلك الأرز الذي يعد المصدر الغذائي الأول لأغلب الدول.
هذه الخطوة الهندية المفاجئة رفعت تلقائيا أسعار المواد الغذائية الرئيسة، وهذا أمر طبيعي، خصوصا في ظل النقص الحاد في الإمدادات الذي يتعاظم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
في آذار (مارس) الماضي، حاولت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، إقناع نيودلهي بتأجيل تقييد صادراتها من الحبوب، وأشارت في أكثر من مناسبة إلى بعض المكاسب المستقبلية للهند من جانب هذه المجموعة، إلا أن حكومة نيودلهي بموجب قرار ناريندرا مودي رئيس الوزراء، قررت المضي في نهج سياسة التقييد هذه، من أجل ضمان الإمدادات الاستراتيجية من الحبوب لها أولا، في ظل متغيرات متسارعة بهذا الخصوص على الساحة الدولية. رغم أن أسعار الحبوب تراجعت عالميا بعض الشيء في أعقاب الاتفاقات، التي تمت مع روسيا لتسهيل حركة نقل هذه المواد الغذائية إلى دول باتت على شفا خطر العجز عن توفيرها لشعوبها. إلا أن الأسعار عادت إلى الارتفاع لعدم وضوح أفق تدفق صادرات الحبوب، سواء من روسيا أو أوكرانيا. فهاتان الدولتان كما هو معروف، توفران 19 في المائة من الشعير، و14 في المائة من القمح، و4 في المائة من الذرة، ما يشكل أكثر من ثلث صادرات الحبوب العالمية. وإذا ما أضفنا إليها زيوت الطعام الأساسية، والسماد الزراعي، فإن العالم يعيش فعلا أزمة حقيقية متصاعدة دخلت دائرة الخطر، ليس جراء نقص الإمدادات فقط، بل أيضا تأثر الإنتاج الزراعي في هذا البلد أو ذاك، جراء اضطراب صادرات الأسمدة.
لم تكن هناك مشكلة في أعقاب اندلاع الحرب الحالية على صعيد إمدادات الأرز العالمية، لأن مخزونات هذه المادة الأساسية كانت كبيرة حول العالم. فضلا عن أن الهند ظلت محافظة على وتيرة صادراتها. فهي تستحوذ على 40 في المائة من تجارة الأرز دوليا. لكن مع قرار التقييد الجديد، سترتفع مستويات الجوع، خصوصا في الدول التي تعتمد على وارداتها من الهند وغيرها من الدول الآسيوية الأخرى. فهذه القارة، وفق منظمة الغذاء العالمية، تزرع وتستهلك 90 في المائة من أرز العالم. المسألة تتعلق فعلا بالأمن الغذائي الهندي، ليس فقط خوفا من تداعيات جديدة للحرب في أوكرانيا، بل من التحولات المناخية التي أدت هذا العام إلى تراجع لافت في معدلات هطول الأمطار أضر بمستويات زراعة الأرز في أربع ولايات هندية أساسية في الإنتاج.
الخوف ليس محصورا في تقييد صادرات الأرز من قبل نيودلهي، بل يشمل أيضا إمكانية انخفاض هذه المادة بنحو 12 مليون طن هذا العام، ما يعطي قوة دفع أخرى للتوجهات الحكومية في هذه الدولة. وإذا ما استمر الوضع على هذا الشكل، فإن أسعار الأرز التي ارتفعت أخيرا 38 في المائة، سترتفع أكثر، ما يزيد من الضغوط المعيشية على الساحة العالمية، ولا سيما في الدول الناشئة أو تلك التي توصف بالأشد فقرا. فالغلاء "التضخم" يضرب بقوة، حتى في الدول الثرية المتقدمة، فكيف الحال في دول تعاني أصلا مشكلات اقتصادية قبل الموجة التضخمية الراهنة.
في الأشهر المتبقية من هذا العام، ستزداد الضغوط في هذا الميدان المحوري المهم، ما دفع المؤسسات الدولية المختصة إلى إطلاق التحذيرات من نقص خطير في إمدادات الحبوب عموما، ولا سيما الأرز بعد الخطوة الهندية الأخيرة.
فهذا المنتج لا يستخدم فقط في الغذاء البشري، بل يقدم قشه ونخالته أعلافا للماشية، ما ينقل المخاطر إلى ساحة الإنتاج الحيواني أيضا.