رغم الرهانات .. تحذيرات من مغبة الاندفاع نحو فقاعة «ميتافيرس» الخادعة
في آذار (مارس) الماضي نظمت مجموعة من كبريات شركات الأزياء العالمية أسبوعا للموضة. هذا الخبر تم التوقف عند صياغته تلك، حيث لا يوجد أي جديد أو ما يثير الانتباه، فهناك دائما عروض أزياء لمصممي الموضة حول العالم.
لكن الأمر سيتغير حينما تعرف أن أسبوع الموضة هذا لم يعقد في صالات عرض أو في بيوت الأزياء التقليدية، وإنما عقد داخل ميتافيرس، لنكون بذلك أمام أول عرض جماعي للموضة من نوعه يعقد داخل العالم الافتراضي. الآن ولا شك نحن أمام خبر جدير بالاهتمام به ومثير للانتباه.
ربما تسأل نفسك، ما هو الميتافيرس؟، وما أهمية أن يعقد بداخله عرض للأزياء واستعراض جماعي لأحدث خطوط الموضة؟. لا تقلق لست وحدك من يطرح تلك التساؤلات، الكثيرون منا أو في الحقيقية معظمنا يسأل ذات الأسئلة، والجميع أيضا يبحث عن إجابة واضحة وشافية. والمؤكد أنه لا توجد إجابة كاملة ومكتملة بشأن ما هو الميتافيرس؟ الأمر ببساطة يعود إلى كونه مفهوما في إطار التطوير ولم يخترع أو يكتمل بعد بالكامل، ومن ثم شكله النهائي لا أحد يعرفه على وجه اليقين والدقة.
لكن كل ما يمكن أن نقوله في تلك المرحلة إن ميتافيرس عالم افتراضي، وتماما كما أنك تمارس بعض الأنشطة على شاشة الكمبيوتر متصفحا الإنترنت، بالطريقة نفسها ستمارس الأنشطة على الميتافيرس، لكن على الكمبيوتر أنت تجلس أمام شاشة مسطحة ثنائية الأبعاد تتضمن الطول والعرض. في الميتافيرس أنت في عالم ثلاثي الأبعاد، ولأنه ثلاثي الأبعاد فإنه أكثر قدرة على منحك مزيدا من الشعور والإحساس، وستكون قادرا من خلاله على التفاعل بالتجول والتحدث مع الآخرين.
هذا تحديدا ما يجعل الميتافيرس أمرا مرتبطا أكثر بالمستقبل، ليس هذا فحسب، بل ربما الأهم أنه يجعله مرتبطا بعديد من الفرص الاستثمارية المستقبلية الواعدة. وحجم الاستثمارات التي تتدفق عليه الآن تكشف عن ثقة لا حدود لها بأنه سيكون شيئا حقيقيا وجديدا ومختلفا، والأهم طبعا أنه سيكون أكثر ربحية للمستثمرين فيه.
الشركات الدولية وتحديدا التي تعمل في مجال تجارة التجزئة من أكثر الساعين لأن يكون لها موطئ قدم في الميتافيرس، حيث إنهم باختصار يدركون أن مئات الملايين وربما المليارات من المستهلكين وخلال الأعوام المقبلة سيعملون ويلعبون والأهم سيتسوقون داخل الميتافيرس، ومن ثم يجب أن تكون تلك الشركات جاهزة لاستقبال القادمين الجدد، والتعامل معهم، وتحقيق أكبر قدر من الأرباح من أنشطتهم التسويقية.
ولكن كيف يمكن لها أن تكون جاهزة استعدادا لتدفق المشترين؟ الأمر بسيط عليها أن تشتري مساحة داخل الميتافيرس. قد يبدو الأمر خياليا بعض الشيء، إذ كيف يطلب منها أن تشتري مساحة افتراضية في العالم الافتراضي؟، ومن ستشتري تلك المساحة، وكيف ستختار موقعها؟، وما طبيعة الأموال المستخدمة في شراء تلك المساحة الافتراضية؟
يقول لـ"الاقتصادية" المهندس إل.دي. جورج الخبير في أنظمة الوسائط المتعددة "يوجد حاليا نحو 50 بائعا مختلفا للعوالم والمساحات داخل ميتافيرس، من أشهرهم ديسنترلاند، ساند بوكس، وسومنيوم أسبيس، والشركات الراغبة بشراء مساحة لتمارس أنشطتها التجارية داخل ميتافيرس، عليها أن تقوم بالشراء من واحد من هؤلاء البائعين، وعليها أن تختار البائع على أساس توقعاتها بأنه سيكون لديه أكبر عدد من الزوار، وسيكون لديه المساحة الأكثر شعبية داخل ميتافيرس".
باختصار يمكن النظر إليهم باعتبارهم مزودين عقاريين لديهم "مول تجاري" ضخم، وعليك أن تستأجر منهم محلا تجاريا في داخل هذا المول الذي يعمل داخل ميتافيرس، لكنك عليك أن تأخذ في الحسبان أنك تغامر وأنت تقوم بشراء مساحة داخل ميتافيرس، فأنت لا تعرف على وجه اليقين بعد أي "مول تجاري" سيكون الأكثر شعبية.
بالطبع تكلفة الشراء تختلف أيضا من مزود عقاري إلى أخر، فعلى سبيل المثال المزود العقاري ساند بوكس كل قطعة لديه تسمى "الأرض" والقطع لديه بمساحة 96 مترا في 96 مترا وبارتفاع 128 مترا، ويحق لك شراء قطعة واحدة أو أكثر، والأسعار تختلف وفقا لمدى شعبية المنطقة ومدى ازدحامها بالمشترين، ومتوسط القطعة الواحدة يبلغ حاليا 2300 دولار.
مع هذا فإن بعض الخبراء الاقتصاديين ومن بينهم الدكتورة لورين جولد أستاذة التسويق الإلكتروني في جامعة أكسفورد تحذر من مغبة الاندفاع في هذا العالم.
وتؤكد لـ"الاقتصادية" أن العام الماضي بلغ إجمالي مبيعات التجزئة عبر ميتافيرس 500 مليون دولار، وهذا الرقم ينبئ بمزيد من المبيعات مستقبلا، مع هذا فإن عمليات شراء الأراضي داخل ميتافيرس سينجم عنها حتما فقاعة خادعة في عقارات العالم الافتراضي، وستدعم بفقاعات مشابهة في وسائل الدفع، حيث عمليات الشراء والبيع تتم بالعملات المشفرة، وستشهد تلك الفقاعات انفجارا سيتسبب حتما في خسائر للبعض وأرباحا مرتفعة لآخرين.
في ظل تلك التطورات يراهن البعض على أن ميتافيرس هي مستقبل تجارة التجزئة عالميا، فمنذ 2016 عندما قدم موقع eBay أول متجر افتراضي. وقطعت صالات العرض والمتاجر الافتراضية شوطا طويلا، فالمتاجر الافتراضية سهلة الاستخدام وتوفر الوقت للعملاء وتساعد البائعين في زيادة المشاركة وتوسيع قاعدة العملاء، كما أنها أكثر ملاءمة للأجيال الجديدة لأنهم حريصون على استخدامها وتعودوا على التجربة الافتراضية.
باختصار يمكن القول إنه بمجرد أن تكون تكنولوجيا ميتافيرس أفضل وأوسع انتشارا فإن إمكانية البيع بالتجزئة فيها ستشهد قفزة للأمام، وسيكون التسوق عبر الإنترنت أكثر جاذبية وربحية، ففي نهاية المطاف ميتافيرس أداة تسمح للمستهلكين بالاستكشاف بشكل أفضل ما يمكنهم القيام به الآن، ومن شأنها أن تجعل التسوق عبر الإنترنت أكثر جاذبية من الشراء من المتاجر.
تشير نانسي بيرجر الباحثة في مجال التسوق الإلكتروني إلى أن ميتافيرس هي شبكة التواصل الاجتماعي المقبلة، وأنها الطريقة التي سيتفاعل بها الأشخاص وجها لوجه مع بعضهم بعضا بطرق لا تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي الراهنة تحقيقها الآن.
وتقول لـ"الاقتصادية" إنه "بمجرد أن تتطور وتكتمل الميتافيرس ستحل محل الأشكال الحالية من وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا هو السبب الذي يدفع مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك إلى استثمار كثير من الأموال على تطوير ميتافيرس".
وتضيف "لن تكون ميتافيرس مؤثرة في النشاط التجاري بشكل حقيقي إلى أن تكتمل أو تقارب من الاكتمال، وهذا لن يحدث دون أجهزة أقل إرهاقا لمن يرتديها، وطبعا أقل تكلفة، وتبدو تلك العقبات التقنية صعبة الآن، إلا أنه يمكن التغلب عليها عبر ضخ مزيد من الاستثمارات في مجال الأبحاث".
ما يمكن قوله الآن أن لا أحد يعرف على وجه اليقين إلى أين ستأخذنا ميتافيرس، أو كيف سينعكس تطورها على تجارة التجزئة العالمية؟ لكن المؤكد أن الجني خرج من القمقم، وسيصعب إن لم يكن مستحيلا إعادته إليه مرة أخرى، ولذلك وجب الاستفادة من وجوده إلى أقصى حد، وهذا لن يحدث إلا للشركات التي تكون مستعدة من الآن للتعامل مع هذا الجني وتطويعه لتحقيق أكبر فائدة ممكنة منه.