أوروبا تنتزع تاج الاكتتابات الصينية من وول ستريت

أوروبا تنتزع تاج الاكتتابات الصينية من وول ستريت

جمعت الشركات الصينية من مبيعات الأسهم في أوروبا أكثر من خمسة أضعاف ما جمعته في الولايات المتحدة هذا العام، حيث تستفيد البورصات في لندن وزيوريخ من العلاقات الجيوسياسية المتوترة بين القوتين العظميين.
تمثل غنيمة جمع الأموال المرة الأولى التي يتجاوز فيها إبرام صفقات الشركات الصينية في أوروبا مثيله في نيويورك. وهذا يؤكد المخاطر العالية للاتفاقية التاريخية بين بكين وواشنطن الخاصة بفحص عمليات التدقيق، التي سيتم اختبارها هذا الشهر، حيث يبقى مصير نحو 200 شركة صينية مدرجة في "وول ستريت" عالقا في حالة حرجة.
جمعت خمس شركات صينية أكثر من 2.1 مليار دولار في بورصتي الأسهم في زيوريخ ولندن هذا العام، وفقا لبيانات شركة ديلوجيك. بالمقارنة، تم جمع أقل من 400 مليون دولار من عمليات الإدراج في نيويورك.
استفادت زيوريخ، على وجه الخصوص، من مخطط جديد "لربط الأسهم" مع بورصات البر الرئيس الصينية ومقتضياتها الأقل تطلبا، فيما يتعلق بشفافية عمليات تدقيق الشركات.
تم إغلاق الإدراجات الصينية في "وول ستريت"، التي جمعت 12.4 مليار دولار في النصف الأول من العام الماضي، بشكل فعلي في تموز (يوليو) 2021، عندما استهدفت الجهات التنظيمية في بكين تطبيق ديدي تشو شينج الخاص بتوصيل الركاب، بسبب انتهاكات تتعلق بالأمن الإلكتروني، بعد أيام قليلة من طرحه للاكتتاب العام الأولي بقيمة 4.4 مليار دولار. وبحلول الوقت الذي شطب فيه من بورصة نيويورك للأسهم بعد 11 شهراـ كانت القيمة السوقية لتطبيق ديدي قد انخفضت نحو 80 في المائة.
أدى هذا التطور إلى تفاقم خلاف مستمر منذ فترة طويلة حول وصول الجهات التنظيمية الأمريكية إلى ملفات التدقيق الصينية، ما قد يؤدي إلى حظر واشنطن للتداول في جميع الشركات الصينية في 2024.
أطلقت بكين إصلاحا شاملا للقواعد الخاصة بإدراج الشركات الصينية في الخارج وشنت حملة صارمة على قطاعات من التكنولوجيا إلى التعليم، ما زاد من المشاعر السلبية بين المستثمرين العالميين.
كذلك أدى التصعيد التنظيمي إلى تثبيط جهود الشركات الصينية الخاصة بجمع الأموال في هونج كونج. وتراجعت عمليات الاكتتاب العام في الإقليم الصيني إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين، مع تخلي مئات الشركات التي حصلت على الضوء الأخضر لإدراج أسهمها في المدينة، عن خططها في هذا الشأن أو إرجائها.
مع ذلك، كانت هونج كونج أكبر سوق خارجية للصين، حيث بلغ إجمالي الأموال التي تم جمعها من عمليات الاكتتاب العام 6.6 مليار دولار هذا العام، أي أقل نحو 80 في المائة مما تم جمعه قبل عام.
جاء اندفاع الصفقات في بورصات الأسهم الأوروبية نتيجة "قول الجهات التنظيمية الصينية إن الحوار الأمريكي مستمر، وسوق هونج كونج صغيرة، لذلك دعونا ننظر إلى السوق الأوروبية – لندن وسويسرا وألمانيا"، بحسب قول شريك في شركة محاماة في الصين عملت على الاكتتابات العامة الصينية في أوروبا هذا العام.
في تموز (يوليو) وقعت بورصتا شنغهاي وشينزن صفقة تتيح للشركات الصينية لتنفيذ عمليات إدراج ثانوية في بورصة سيكس السويسرية عبر مخطط "لربط الأسهم". جمعت أربع شركات صينية 1.5 مليار دولار منذ إطلاق المخطط.
وتعمل المجموعات المالية الصينية أيضا على توسيع نطاق وجودها في المراكز المالية في أوروبا. ففي يونيو، أصبحت الذراع البريطانية لبنك سي آي سي سي، بنك استثماري تديره الدولة، أول عضو صيني في البورصة السويسرية. وفي الشهر الماضي، قال الرئيس التنفيذي لشركة هواتي سكيورتيز، ثاني أكبر وسيط في الصين، إن الشركة تعتزم الحصول على تراخيص لإدارة صفقات الأسهم في زيوريخ وفرانكفورت.
كانت هناك عملية إدراج صينية جديدة واحدة في لندن هذا العام. ولدى عاصمة المملكة المتحدة خطة "ربط" مشابهة مع شنغهاي وقد استضافت عملية بيع ثانوية لأسهم شركة مينج يانج سمارت إنرجي في يوليو، جمعت نحو 660 مليون دولار. يشار إلى أن تشينج داو هاير، الشركة المصنعة للأجهزة الإلكترونية، جمعت نحو 330 مليون دولار في فرانكفورت 2018.
قال جيسون إلدر، الشريك في شركة ماير براون للمحاماة في هونج كونج: "تظهر الإدراجات في زيوريخ وفرانكفورت تنامي قدرة المصدرين الصينيين على الوصول إلى المستثمرين القاريين بشكل أكثر مباشرة".
مع ذلك، حذر إلدر من أن مبيعات الأسهم الأوروبية من غير المرجح أن تنافس تدفق الصفقات من قبل المجموعات الصينية في نيويورك، التي جمعت أكثر من 100 مليار دولار من مبيعات الأسهم في "وول ستريت" على مدى العقدين الماضيين.
قال: "لا أرى صفقات ربط الأسهم في أوروبا على المنوال نفسه في الولايات المتحدة".
وبحسب شخص مشارك في إعداد مخطط ربط الأسهم بين الصين وسويسرا، الترتيب كان جذابا لبكين لأنه لم يجبر الشركات الصينية على إتاحة ملفات التدقيق الخاصة بها للجهات التنظيمية السويسرية، على عكس المعايير التنظيمية في الولايات المتحدة.
سيسافر مسؤولون من مجلس الرقابة المحاسبية على الشركات العامة، الجهة الأمريكية لتنظيم المحاسبة، إلى هونج كونج في منتصف سبتمبر الحالي، لفحص ملفات عمليات التدقيق لعدة شركات صينية مدرجة في نيويورك، بما في ذلك "علي بابا" و"يم تشاينا"، التي تمتلك علامتي "كيه إف سي" و"بيتزاهت" التجاريتين في الصين.
في نهاية العام سيحدد مجلس الرقابة المحاسبية على الشركات العامة ما إذا كانت الصين متوافقة مع تشريعات الإفصاح عن التدقيق في الولايات المتحدة. وسيتم شطب الشركات الصينية من الولايات المتحدة في 2024 إذا تم الحكم عليها بأنها غير ممتثلة هذا العام والعام المقبل.

الأكثر قراءة