رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تنمية المهارات باستراتيجية جديدة

أزمة الأيدي العاملة في العالم خصوصا في الدول الغربية تعود لأعوام خلت، والسياسيون في هذا البلد أو ذاك يواصلون التحذير من النقص الكبير في العاملين، ولا سيما في الوظائف الأساسية وأيضا العمالة النادرة، فضلا عن شح حقيقي في ساحات الأيادي الماهرة. الاحتياجات إلى الأيدي العاملة باتت تشمل كل القطاعات، من الضيافة والخدمات إلى السائقين والممرضات والأطباء، والفنيين والعمالة ذات الارتباط بالاحتياجات اليومية مثل قطاع البناء والكهرباء والصيانة، حتى عمال النظافة والموظفون في المرافق العامة مثل المطارات ومحطات القطارات وغير ذلك. والمعلوم أن خلال الفترة الأخيرة وكمثال بارز قلص مطار "هيثرو" اللندني عدد الرحلات المغادرة منه والواصلة إليه، بسبب نقص الموظفين الأرضيين، بما في ذلك موظفو الجمارك والأمن.
مشكلة أزمة شح اليد العاملة تنتشر على الساحة الدولية كلها تقريبا، لكن الدول الغربية تعاني أكثر من غيرها في هذا الشأن، لأن الأزمة أكثر عمقا فيها، وتعود إلى بدايات القرن الجاري، وبالتالي، فإن مصاعب العثور على الأيدي العاملة الماهرة المختصة، تتصدر المشهد العام، رغم برامج التدريب والتأهيل، التي لا تتوقف من قبل الحكومات، فضلا عن أن بعض الدول اتخذت سلسلة من الإجراءات القانونية لتسهيل استقدام عمال وموظفين من خارجها.
في بريطانيا مثلا، ارتفعت مدة انتظار الشخص لرؤية طبيب عام إلى 20 يوما، ليس فقط بسبب نقص الأطباء، بل العاملين المساندين له، من ممرضات وكوادر في المختبرات وغير ذلك، كذلك تعاني البلاد أيضا العجز في التلبية الفورية لحالات الطوارئ، التي ترد إلى المراكز المختصة. اللافت أيضا أن 11 مليون وظيفة متوافرة في بلد كالولايات المتحدة، ولا تزال شاغرة، رغم كل التصريحات التي تصدر من مديري الشركات بخصوص صعوبة التوظيف بفعل الأزمة الاقتصادية عموما، إلا أن المخاوف تزداد من جانب نقص الأيدي الماهرة المختصة، في قطاعات مثل الصحة، والصناعات الإلكترونية، وساحات المعلوماتية والبرمجيات، فبرامج التدريب المجانية التي أحدثتها دول عديدة لم تكن كافية بعد لسد الثغرات في هذا المجال الحيوي، بل الاستراتيجي. والحل الوحيد أمام الحكومات حول العالم، الاستعانة بالعمالة الماهرة الأجنبية، وهذا لا يتم إلا بمزيد من التسهيلات الإجرائية المتعلقة بالعمل والهجرة، فقد اختبرت بريطانيا الأزمة بقوة، في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، بعد عودة مئات الآلاف من العمال والموظفين الأوروبيين المهرة إلى دولهم، أو إلى دول منضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي.
بالطبع أسهمت مؤثرات جائحة كورونا في مزيد من نقص الأيدي العاملة من كل الشرائح، وفق منظمة التعاون والتنمية، لكن الأزمة مرة أخرى تعود إلى ما قبل الجائحة، إذ تعمقت أكثر في ظل ثغرات في استراتيجية التأهيل المهني، التي سادت طوال العقود الثلاثة الماضية، فضلا عن أن المساعدات الحكومية التي تقدم للشباب، دفعت نسبة كبيرة منهم، إلى اختيار البطالة "مدفوعة الأجر" بعيدا عن التأهيل والتدريب والدراسة. كما أن أزمة كورونا غيرت ذهنية العاملين وأولوياتهم، والمشكلة تزداد خطورة أكثر الآن مع الآثار التي تتركها الحرب في أوكرانيا، وتسببت في تباطؤ اقتصادي يسير بوتيرة سريعة نحو ركود لن يكون سهلا.
الحلول -إن وجدت-، لا يمكن أن تحل هذه المشكلة بالسرعة المطلوبة، وليس أمام الدول التي تعاني هذه الأزمة إلا تغيير استراتيجيتها في التأهيل والتدريب والتعليم، فضلا عن أنها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاستعانة باليد العاملة الأجنبية، التي قد تكون مكلفة. وتكفي الإشارة، إلى أن معظم الدول التي تعاني هذه المشكلة تواجه نقصا حادا في العاملين في قطاع التعليم والتأهيل ذاته، ما يجعل المسار أكثر صعوبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي