رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


استثمار وتسويق وسياحة

جاء ذكر تعريف المنطقة الحرة من مفهوم اقتصادي وتجاري وتسويقي في اتفاقية كيوتو المعدلة لتبسيط وتنسيق الإجراءات الجمركية، وتحديدا في الملحق الخاص بالمناطق الحرة، وهي تعني جزءا من أراضي طرف متعاقد حيث ينظر عموما إلى أي سلع يتم إدخالها، فيما يتعلق برسوم وضرائب الاستيراد، على أنها خارج المنطقة الجمركية. ومع ذلك فإن هذا التعريف ذا البعد التجاري يعد عاما، ففي تقريرها عن الاستثمارات العالمية لـ2019، نشرت "الأونكتاد" تقريرا خاصا عن المناطق الحرة على مستوى العالم، وليس من قبيل المفاجأة أن يؤكد التقرير عدم وجود تعريف مقبول عالميا لهذه المناطق، لذا تختلف المصطلحات المستخدمة اختلافا متنوعا بين الدول، فهي مناطق حرة في بعض البلاد، أو اقتصادية خاصة، ومواقع لمعالجة الصادرات ومنافذ حرة، وقد تستخدم كل هذه المصطلحات في بلد ما، والمقصود واحد.
وحدد تقرير "الأونكتاد" عدة معايير لوصف المنطقة حرة وتحديد منهجيتها وهي تركز على ثلاثة معايير رئيسة، أولا منطقة جغرافية محددة بوضوح. ثانيا نظام تنظيمي متميز عن بقية الاقتصاد "قواعد جمركية وضريبية، لوائح أخرى ذات الصلة، مثل قواعد الملكية الأجنبية، وحق الوصول إلى الأراضي أو قوانين العمل". ثالثا دعم البنية التحتية. لكن البنك الدولي وضع معايير أخرى شملت أولا وجود منطقة محددة جغرافيا، مؤمنة ماديا ذات سياج. ثانيا منطقة جمركية منفصلة "مزايا معفاة من الرسوم الجمركية" وإجراءات مبسطة. ثالثا لها إدارة واحدة. رابعا أهلية الحصول على المزايا بوجود الموقع داخل المنطقة.
وبناء على هذه المعايير حدد البنك الدولي ستة أنواع لهذه المناطق الحرة، وبحسب تقرير "الأونكتاد" لـ2019 فهناك أكثر من خمسة آلاف منطقة من هذا القبيل في جميع أنحاء العالم تملك الصين "47 في المائة" منها. وصنف التقرير المناطق الحرة إلى ستة تصنيفات رئيسة، وهي أولا، منطقة التجارة الحرة التي مساحتها أقل من 50 هكتارا وهي موجهة للأسواق المحلية ولإعادة التصدير، ومن أمثلة ذلك منطقة كولون الحرة في بنما. ثانيا، مناطق تجهيز الصادرات التقليدية، والهدف منها إنمائي لتشجيع التصنيع والتصدير وتكون مساحتها أقل من 100 هكتار، ومن أمثلتها منطقة كراتشي لتجهيز الصادرات في باكستان. ثالثا، مناطق هجينة للتصنيع والتصدير وهي أيضا بمساحات أقل من 100 هكتار ومن أمثلتها منطقة لات كرابانج الصناعية في تايلاند. رابعا، الميناء الحر، وتهدف عادة إلى تحقيق تنمية متكاملة مع مساحة أكبر من 100 كيلومتر مربع، وإلى تنمية الأسواق المحلية والداخلية والقدرات التصديرية، ومن أمثلتها منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في الأردن. خامسا، المنطقة الحضرية الحرة، وتستهدف التنشيط الحضري وبمساحة أقل من 50 هكتارا والتمكين المحلي خاصة لمناطق بحاجة إلى التطوير الحضري، ومن أمثلتها منطقة شيكاغو الحضرية. سادسا، منطقة المصنع الواحدة الاقتصادية المخصصة للتصدير مثل منطقة في موريشيوس وأخرى في مدغشقر.
ومن الواضح من هذا التقسيم أن المناطق الحرة تحمل مفاهيم في ممارستها وتشمل وتستوعب جميع أنواع الأنشطة، بما في ذلك السياحة ومبيعات التجزئة والتنشيط التسويقي، وتسمح للأشخاص بالإقامة في الموقع، وتوفر مجموعة من الحوافز والمزايا التجارية مثل التخفيض في الأسعار مقارنة بالأسواق التقليدية، وحقق هذا النموذج مكاسب اقتصادية جمة وواسعة النطاق في الصين، ورغم أن المناطق الحرة تختلف من حيث الممارسات بين الدول والنماذج المستخدمة، إلا أنها عموما تتضمن حزمة إعفاءات من رسوم الاستيراد والتصدير، وضوابط وإجراءات جمركية وإدارية مبسطة، وسياسات صرف أجنبي أكثر مرونة، وحوافز ضريبية على الدخل، وكلها تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للاستثمار، كما تسعى المناطق الموجهة للتصدير إلى تمكين المصنعين المحليين من المنافسة في الأسواق العالمية.
وبشكل أكثر دقة، هناك أربعة أسباب رئيسة لتبني مفهوم المناطق الحرة أهمها تحقيق إصلاح اقتصادي من خلال تنمية الصادرات وتنويعها، والإسهام في معالجة البطالة، وأيضا تطبيق سياسات وأساليب جديدة سواء المالية والقانونية والعمالية حتى سياسات التسعير واختبارها أولا في المناطق الحرة قبل أن تمتد إلى بقية المناطق الاقتصادية للتنفيذ. وانتشرت بداية فكرة الأسواق الحرة في المطارات الدولية بشكل رئيس كما تنتشر الآن في مواقع أخرى ومنها المناطق الحدودية بين دولتين أو أكثر ويكون لها أثر إيجابي في الإنفاق الاستهلاكي، وما يضخ منه أموال في الاقتصاد الوطني إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية والاستثمارية وتنشيطها الحركة التجارية والسياحية عموما. وكل هذه المزايا تأتي من أن أي اقتصاد يعتمد على منافذ التوزيع حيث تساعده على زيادة القدرة الشرائية في مفاصل الاستثمار ودورة النقد في الاقتصاد.
وعموما فإن جميع المناطق والأسواق الحرة هي أحد الأفكار التسويقية الرائدة لوجود مميزات لا تتوافر في الأسواق التقليدية، إذ إن عدم خضوعها للضرائب والرسوم داخل البلد يعد من وسائل الجذب التسويقي، إضافة إلى أن هذه المواقع أصبحت الآن مناطق ترويجية للمسافرين لوجود الخدمات والمطاعم وخلافها بجانب وجودها في الأغلب على منافذ الدول سواء في المطارات أو الموانئ البحرية والبرية لوجود حركة كبيرة تمر عبرها.
واليوم أصبحت حركة الأسواق الحرة واقعا تجاريا وتسويقيا نشطا في المطارات العالمية وجزءا لا يتجزأ من أسفارنا، ووسيلة لقضاء الوقت بين الرحلات وشراء مختلف أنواع السلع والهدايا التذكارية بأسعار أرخص معفاة من الضريبة، حتى إن تصنيفات المطارات العالمية أصبحت تأخذ الأسواق الحرة بعين الاعتبار من حيث خدماتها وأسعارها وتنوع السلع فيها.
لكل هذه الأهمية والمفاهيم الاقتصادية والتجارية والإسهام الواسع للمناطق الحرة، فقد وافق مجلس الوزراء خلال جلسته هذا الأسبوع، برئاسة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على إنشاء أسواق حرة - بحسب الحاجة - في المنافذ الجوية والبحرية والبرية والسماح بالبيع فيها للمسافرين القادمين والمغادرين، ومن الواضح أن القرار السعودي قد تبنى نموذج المنافذ الحرة وهو أوسع نماذج المناطق الحرة، ما يسمح بتطبيق سياسات اقتصادية وتجارية واسعة، كما يمنح فرصا كبيرة في التوظيف وكذلك تنمية الصادرات، فالمنافذ الحرة، تعمل كمسرعة لتحقيق مكتسبات رؤية المملكة 2030، التي آتت ثمارها حتى قبل مواعيد استحقاقها. وبالفعل توجد في السعودية بيئة خصبة لتطبيق نموذج الأسواق الحرة في كل مطاراتها وموانئها ونقاط حدودها البرية لتحقيق هذا المفهوم الاقتصادي الذي تنشأ من أجله الأسواق الحرة لتنشيط حركة البيع والإنفاق الاستهلاكي والجذب السياحي والاستثماري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي