رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


عزم «أوبك +» بالتزام ومرونة

تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن عدم اليقين يلعب دائما دورا أساسيا في تعميق الركود الاقتصادي من خلال دوره غير المنظور في تثبيط الانتعاش الاقتصادي، وتتراكم الأدلة البحثية المستندة إلى بيانات فعلية من أن الغموض أيضا يظهر على شكل تقلبات.
من اللافت أن قلق الأسواق له أسبابه الكامنة "إيجابية أو سلبية"، فثورة التقنية، وشركات وادي السيليكون التي ظهرت منتصف التسعينيات ودخول شبكة الإنترنت، أوجدت انطباعات عامة بأن هذه التكنولوجيا ستوفر عديدا من فرص النمو الإيجابية التي من شأنها تعزيز النمو العالمي، لكن القلق كان يساور الجميع حول المدى الذي يمكن من خلاله لهذه التقنية أن تقود النمو العالمي.
في المقابل كانت الأزمة المالية العالمية التي حدثت في نهاية 2008 تمثل العكس تماما مع عديد من حالات الإفلاس، فقد كان الجميع يدرك أن النمو الاقتصادي سيتأثر سلبيا لكن إلى أي مدى؟ هذا السؤال الحرج هو الذي يتسبب في التقلبات، ويثبط أي نمو محتمل.
كما تشير الدراسات المختصة إلى أن التأثير المباشر لكلا النوعين من الصدمات الإيجابية والسلبية تظهر في شكل انخفاض الأسعار، وكي ترتفع الأسعار يجب أن يكون هناك رابط إيجابي واضح بين حالة الضبابية وآفاق النمو المستقبلية، وهذا الرابط عادة ما يكون في شكل إجراءات واضحة مستقبلية بشأن النشاط الاقتصادي، ولقد كان هذا واضحا تماما مع الصدمة الكبيرة التي أصابت السوق النفطية أثناء انتشار فيروس كورونا وتجاوزه الحدود بسرعة، وتسببه أيضا في انتشار عدم وضوح الآفاق.
وقد شهدت الأسواق حينها تقلبات حادة خلال وقت قصير للغاية وكانت التقلبات سلبية، لكن الخبرة الكبيرة والحكمة لدى القيادة السعودية أدركت الأسباب الرئيسة لهذه التقلبات الحادة، وعملت فورا على استعادة النظام، والتنسيق والتوازن للسوق النفطية من خلال إعادة ترتيب مجموعة "أوبك +". ورغم الضبابية التي استمرت نحو عامين بعد تلك الصدمة الأولى، إلا أن السوق استعادت توازنها نظرا إلى أن هناك رابطا إيجابيا بين الغموض وآفاق النمو المستقبلية من خلال الإجراءات التي تبنتها "أوبك +" بقيادة الرياض. هنا نشير إلى حديث الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، خلال مؤتمر صحافي بعد الاجتماع الوزاري الـ13 لتحالف "أوبك +" الذي جاء فيه: "نحن حماة هذه الصناعة"، فلقد كان للإجراءات التي تمت بشأن مستويات تخفيض الإنتاج، مع أدوات حوكمة واضحة بشأن مراقبة الالتزام، ومع ما قدمته السعودية حينها بتخفيض طوعي من جانبها، آثار واضحة جعلت الأسعار تستجيب بصورة غير اعتياديه حيث قفزت أكثر من 5 في المائة، بعد الإعلان، ثم استمرت الأسعار في التحسن حتى تجاوزت حاجز 100 دولار.
لكن اليوم ولظروف متفاوتة عادت السوق منذ فترة إلى موجة من التقلبات وصفها المحللون الاقتصاديون بأنها "مفرطة للغاية" لدرجة أن المتعاملين، مثل صناديق التحوط، بدأت مغادرة أسواق النفط بأعداد كبيرة، فالتقلبات الآن هي في نطاق سعري يومي يبلغ خمسة أضعاف النطاق المعتاد، حيث بلغ متوسط النطاق اليومي لأسعار خام برنت 5.64 دولار للبرميل مقارنة بـ1.99 دولار للبرميل العام الماضي، وهذا يعيدنا إلى العلاقة بين التقلبات والضبابية والركود، فالتقلبات تؤدى إذا استمرت إلى تثبيط النشاط الاقتصادي ولا بد من مواجهتها بإجراءات صحيحة تستعيد الثقة مرة أخرى.
ومن أجل ذلك عقد الاجتماع الوزاري الـ32 لمجموعة "أوبك +" الذي انتهى بوصف تأثير هذه التقلبات بالسلبية المرتبطة بحال عدم اليقين، وأكد الاجتماع ضرورة إعادة مستوى إنتاج "أوبك +"، في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، إلى مستوى الإنتاج في أغسطس 2022، وهذا يعني تخفيض الإنتاج بواقع 100 ألف برميل يوميا، مع الأهمية القصوى للالتزام التام بالانضباط الكامل وآلية التعويض، ووجوب تقديم خطط التعويض.
وتأكيدا لدور الرياض، والقيادة الحكيمة خول الاجتماع الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، رئيس اللجنة الوزارية لـ"أوبك +"، بالدعوة إلى عقد اجتماع وزاري للمجموعة، في أي وقت.
من الواضح أن مجموعة "أوبك +" تعتمد على الإجراءات في التغلب على حالة الغموض، رغم أن عدم الاستقرار في سعر الفائدة من جانب البنوك المركزية يشكل عامل ضغط مستمر، إلى جانب تصاعد الخلاف بين روسيا وأوروبا بشأن إمدادات الغاز التي تلقي بظلال واسعة على سوق الطاقة عموما، وبالتالي الأسعار، لذلك فإن المصداقية في الالتزام بالحصص وعدم خرق الاتفاق هو المرتكز الأساس لعبور أسواق النفط، والنمو العالمي من نفق هذه الأزمة الاقتصادية، وهذا يتطلب الثقة والمصداقية.
ولأن الحالة الاقتصادية العالمية تمر بعدم استقرار نظرا إلى عدد من العوامل، فإن الجميع يضع الثقة في الخبرة والحكمة السعودية من خلال إدارة دفة السوق البترولية، مع منح حق الدعوة إلى عقد الاجتماع في أي وقت تراه الرياض ضروريا، فالجميع لا يزال يتذكر دعوة المملكة إلى اجتماع أبريل 2020 الذي أسفر عنه الاتفاق على أكبر خفض بتاريخ إنتاج النفط وصل إلى عشرة ملايين برميل يوميا، أو ما يوازي 10 في المائة من الإمدادات العالمية بعد محادثات وصفت بأنها ماراثونية، فالقرار العالمي حول السوق البترولية يبدأ من الرياض وينتهي منها، فنحن كما قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان حماة هذه الصناعة.
السعودية تؤكد من خلال نهجها المعلن حرصها المستمر على ضرورة المحافظة على توازن أسواق النفط واستقرارها، وتبذل الجهود الحثيثة لاعتماد سياسات تقود إلى التوافقات والتقارب في الرؤى لتحقيق استقرار القطاع على الاقتصاد العالمي، وعدم الإضرار بالدول المنتجة والمستوردة، وتلتزم بدور تاريخي واستراتيجي في حفظ توازن أسواق الطاقة، وتتفهم أهمية استقرار أسعار النفط على الاقتصاد العالمي. وتظل السعودية المؤثر الأهم في أسواق النفط كونها إضافة إلى القدرات الإنتاجية وحجم الفوائض والمقدرات، لديها استعداد لقيادة اتفاقيات تضمن سلامة الأسواق من التذبذبات، ما يمنح الأسواق مزيدا من الطمأنينة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي