علة الجنيه الاسترليني ليست في انخفاضه فقط
مثل كثير من العملات الرئيسة، انخفض الجنيه انخفاضا حادا خلال الأشهر الـ12 الماضية. هوت العملة من أعلى مستوى لها عند 1.40 مقابل الدولار في منتصف 2021 إلى 1.15، وهو أعلى جزئيا من أدنى مستوياتها في الجائحة في آذار (مارس) 2020.
بخلاف فترة وجيزة في منتصف الثمانينيات، لم يكن أضعف من ذلك أبدا. في الواقع، بعد عام من الاتجاه الهبوطي، تشير كثير من المشاعر والنماذج التقنية، ولا غرابة في ذلك، إلى أن الاتجاه النزولي للجنيه الاسترليني محدود الآن.
بالتالي، بالنسبة إلى المتداولين في الاتجاه المعاكس للسوق، فهذه إشارة إلى أن الوقت قد حان لبدء بناء مراكز دائنة في الجنيه الاسترليني. الحجة هي أن المعنويات هبوطية على نطاق واسع لدرجة أن الأخبار السيئة جميعها عن السعر والعملة في ذروة البيع بشكل ملحوظ.
في حين أنها طريقة مجزية بشكل عام للتعامل مع الأسواق، فإن هذه الأنواع من الرهانات المعاكسة لاتجاه السوق تفشل بين الحين والآخر. عادة ما تفشل عندما يكون الموضوع الكلي الذي يقود الأسواق قويا ومقنعا وساحقا بشكل غير عادي. ربما تكون هذه واحدة من تلك الأوقات.
يبدو أن الاقتصاد الأمريكي متجه إلى ركود في 2023. الجدل الدائر الآن بين كثير من الأسواق هو ما إذا كان الركود سيكون معتدلا أم حادا. في فريق الاعتدال يوجد الذين يشيرون إلى اختلالات اقتصادية غربية محدودة. الدافع وراء مخاوف أولئك الذين يقلقون بشأن الركود الحاد هو المستويات المرتفعة المستقبلية المتوقعة لأسعار الفائدة وتأثيرها في قطاع الشركات مع نجاة حصة كبيرة من شركات الزومبي "شركات ميتة حية" من خلال التكلفة المنخفضة للديون.
في كلتا الحالتين، يؤدي الركود إلى تشديد حاد للسيولة، وهو أمر على وشك أن يزداد حدة من برنامج التشديد الكمي للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تفكيك فورة شراء الأصول الكبيرة لدعم الاقتصاد والأسواق. بدءا من هذا الشهر، تضاعف التخفيض المخطط للاحتياطي الفيدرالي لميزانيته العمومية إلى 95 مليار دولار شهريا من المستويات الأولية في حزيران (يونيو). هذا، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، يستنزف السيولة من الأسواق العالمية.
في أوقات الرخاء، عندما تكون السيولة وفيرة، يمكن للاقتصادات أن تشهد اختلالات اقتصادية كبيرة. نادرا ما تكون عوامل الميزانية العمومية الهيكلية "سواء الأسر أو الشركات أو الحكومات" موضع اهتمام المشاركين في السوق عندما تكون أوقات الرخاء مستمرة. لكن في فترات التراجع، فإنها تقريبا كل ما يهم.
لسوء الحظ بالنسبة إلى اقتصاد المملكة المتحدة ورئيسة وزرائها التالية، فإن بريطانيا هي أسوأ مذنب، من بين الاقتصادات الغربية الرئيسة، من حيث الاختلالات.
أحد المقاييس الجيدة الشاملة للاختلالات هو رصيد الحساب الجاري - وهو معامل تجميع لاختلالات المالية العامة، والأسر، وقطاع الشركات. تشهد المملكة المتحدة الآن، وفقا لأحدث البيانات عجزا يعادل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. بينما توجد بعض الاستفهامات حول دقة بيانات الربع الأول، فإن الاتجاه السائد في العامين الماضيين واضح. تعيش الدولة، كما قال محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني، على "لطف الغرباء". مع دخولها الأزمة المالية، تسبب هذا الاختلال في مشكلات للاقتصاد البريطاني عندما كان الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 3.5 في المائة. في الفترة التي سبقت الركود الاقتصادي في أوائل التسعينيات، وصل إلى نحو 4.5 في المائة.
ما زاد الطين بلة، أن نمو الإنتاجية "مقياس للثروة الحقيقية" ظل ثابتا منذ 2010، ما يعني أن اقتصاد المملكة المتحدة لا يوجد كثيرا من الدخل المستدام الجديد، الذي يمكنها من خلاله دفع فواتيرها.
يعكس هذا الاتجاه الضعيف للإنتاجية صعود شركات الزومبي وهيمنة القطاع المالي بشكل مفرط على الاقتصاد البريطاني، فضلا عن نقص الاستثمار الرأسمالي. في الواقع، هذا يعني أن كثيرا من النمو الاقتصادي في الأعوام الـ12 الماضية كان وهميا إلى حد ما.
ما يزيد من التحديات التي تواجهها الدولة أيضا، أن لديها بنكا مركزيا يبدو مترددا في تبني الحاجة إلى أسعار فائدة أعلى في المملكة المتحدة، وبالتالي الدفاع عن مستوى العملة. إذا نفذت ليز تروس التخفيضات الضريبية الموعودة باعتبارها رئيسة للوزراء، فمن المؤكد أن الاختلالات ستزداد.
على هذا النحو، وبالنظر إلى الركود الوشيك في الولايات المتحدة، وبالتالي تحوله إلى ركود عالمي في 2023، يبدو أن الارتفاع السريع للدولار مقابل الجنيه الاسترليني سيستمر، مع توجه الجنيه الاسترليني إلى التكافؤ مقابل الدولار، وربما يتجاوزه، خلال الأشهر الستة إلى الـ12المقبلة. إذا كان هذا صحيحا، فإن إحدى عمليات التحوط "في عالم يفتقر إلى الوسائل الواضحة للتحوط" هي شراء التأمين ضد مخاطر الخسارة في ديون الحكومة البريطانية، أي أدوات مقايضة التخلف عن سداد الائتمان لمدة خمسة وعشرة أعوام.
في زمن الاختلالات الحالية الكبيرة وشح السيولة، أصبح من الضروري "العيش في حدود إمكانياتك". ستزداد مخاوف السوق بشأن المملكة المتحدة مع زيادة الاختلالات فيها. لا يمكن أن يمتد لطف الغرباء إلا لهذا الحد.
المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة لونجفيو إيكونوميكس