تعثر المشاريع الضخمة.. التخطيط ثم التخطيط

تعثر المشاريع الضخمة.. التخطيط ثم التخطيط

بين العطلات الصيفية ووصول رئيس وزراء جديد، لن تلاحظ سوى قلة من الناس أنه، وبسبب التردد لعقد من الزمان، بددت الحكومة بهدوء ما يقارب 200 مليون جنيه استرليني. ولن يتفاجأ سوى عدد أقل حتى بهذه الحقيقة. لكن ينبغي لنا أن نعير اهتمامنا، ليس فقط في المملكة المتحدة، بل حول العالم، لأن هذا النوع من الهدر منتشر ويمكن تجنبه بالكامل.
الخسارة التي نحن بصددها هي نتيجة للتغييرات اللانهائية التي أدخلت على خطة تطوير خط ترانسبينين الذي يبلغ طوله 76 ميلا، وهو خط سكة حديدية معروف بأنه لا يعول عليه ومزدحم وعفا عليه الزمن يربط يورك وليدز بمانشستر وليفربول. كانت الخطة الأولية، التي أعلنت قبل 11 عاما وفي عهد ثلاثة أو أربعة رؤساء وزراء سابقين، تهدف إلى كهربة الخط لتقليل تكاليف التشغيل وانبعاثات الكربون. كان من المفترض أن يكلف المشروع 289 مليون جنيه استرليني وينتهي بحلول نهاية 2019. بدلا من ذلك، يقول مكتب المراجعة المالية الوطني إن المشروع لا يزال في طور التخطيط. إذا لم يكن ذلك محبطا بما فيه الكفاية، فقد تم إنفاق 190 مليون جنيه استرليني بطريقة ما على عمل غير ضروري.
كيف حدث ذلك؟ تردد رؤساء الوزراء إلى ما لا نهاية بشأن التفاصيل مع تغير الموظفين والميزانيات. بدأ العمل على المشروع في 2015، ثم توقف مؤقتا على الفور تقريبا انتظارا لمراجعة البرنامج الاستثماري لشركة نيتوورك ريل. عندما استؤنف في وقت لاحق من ذلك العام، كانت أهداف المشروع قد تغيرت، ينبغي أن يستوعب الخط مزيدا من الركاب على متن قطارات أسرع وذات تواتر أكبر وأكثر موثوقية. إعادة النظر في المشروع ألزمت عملية التحسين بمد خط إضافي وتعزيز منصة المحطات وإدخال الإشارة الرقمية.
لم تكن الالتزامات الأخرى ضرورية لخط ترانسبينين بحد ذاته، لكنها كانت مصممة لمساعدته على التنسيق مع سكة بورهاوس الشمالية، وهي خطة مقترحة طموحة لبناء خط سريع جديد من ليدز إلى مانشستر وربما إلى ليفربول. كل ذلك كان سيبدو أكثر تشجيعا لو لم يتم تقليص نطاق الخط السريع نفسه بشكل جذري في أواخر 2021.
تضخمت التكلفة المقدرة لمشروع ترانسبينين من أقل من 300 مليون جنيه استرليني في 2011، إلى عشرة أضعاف هذا الرقم في 2019، قبل أن تتضاعف ثلاث مرات مرة أخرى لتصل إلى نحو عشرة مليارات جنيه استرليني في 2021. هذه ليست زيادة تقليدية في التكلفة، وإن كانت كذلك، فإن المدن الشمالية على الأقل ستشعر بالرضا لمعرفة أن المشروع قيد التنفيذ. لكن نطاقه في حالة تغير مستمرة.
قال لي بنت فلايفبيرج، "كان المشروع في حالة عشوائية على مدار هذا العقد". فلايفبيرج خبير في المشاريع الضخمة وأستاذ الإدارة في جامعة أكسفورد ومؤلف مشارك لكتاب سيصدر قريبا بعنوان "كيف تنجز المشاريع الكبيرة". أشار فلايفبيرج لتفسير معقول، قبل عقد، أعلنت الحكومة أنها ستتخذ إجراء، ثم أمضت ذلك الوقت في محاولة تحديد الإجراء الذي ينبغي لها اتخاذه. أضاف أنه "يمكن اعتبار مبلغ 190 مليون جنيه استرليني الذي أنفق على العمل غير الضروري بمنزلة الثمن الذي تدفعه عند إصدار إعلانات قبل أن تعرف ما الذي تتحدث عنه".
إذا بدت القصة مألوفة، فذلك لأن المشاريع في الأغلب ما تتكشف بهذه الطريقة العشوائية. أي شخص أعاد تصميم مطبخه سيكون على دراية بإغراء إعادة النظر في العمل في منتصف الطريق، يعرف كثير منا تكاليف الاستسلام لهذا الإغراء. يأمل المرء في الأفضل من المشاريع الضخمة التي تدار بشكل احترافي التي يدرسها فلايفبيرج، لكن عادة ما يكون ذلك دون جدوى.
فترات التخطيط الطويلة ليست هي المشكلة. يدعو فلايفبيرج إلى نهج "فكر ببطء، اعمل بسرعة" في المشاريع الكبيرة. ادرس جميع الخيارات، ضع نماذج أولية بشكل مكثف واختبر وخطط. عندها فقط، ابدأ في البناء، لكن بوتيرة سريعة. في كثير من الأحيان، نبدأ بالبناء أولا ونخطط لاحقا.
قبل أن يبدأ التخطيط بشكل جدي، من الجيد معرفة سبب تنفيذ المشروع. دون أي شك هناك مبرر معقول للاستثمارات التي تؤدي إلى تقليل الانبعاثات والتكاليف، وزيادة الموثوقية والسعة، وتقليل أوقات الرحلات، والربط بمشاريع السكك الحديدية الأخرى. لكن الحكومة لم تبدأ لأي من هذه الأسباب، بل لأنه ستكون فكرة رائعة أن تعد ببعض الاستثمارات في الشمال.
يقول فلايفبيرج، "الإعلانات السياسية التي تصدر دون إنجاز ودون تفكير كاف شائعة، وليس فقط في المملكة المتحدة".
هذا صحيح تماما. قبل بضعة أعوام، جادلت بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان أيضا مشروعا ضخما، يجعل مشروع سكة ترانسبينين يبدو تخطيطا متقدما رائعا. أجرى ديفيد كاميرون استفتاء بينما منع موظفي الخدمة المدنية من الاستعداد لما اتضح أنه النتيجة، وسارعت تيريزا ماي لتفعيل المادة 50 قبل أن تسأل عما تريد تحقيقه في المفاوضات التي تلت ذلك، ولم يكن بوريس جونسون قادرا أبدا على التخطيط لأي شيء أكثر تعقيدا من حفلة غير قانونية.
بعد مرور أكثر من عقد، أصبح لدى مشروع تطوير ترانسبينين أخيرا ميزانية وأهداف وخطة. في الوقت نفسه، يقول مكتب المراجعة المالية الوطني، "تم الوصول إلى الطاقة الاستيعابية لخدمات الركاب، وأصبحت الرحلات غير موثوقة ومزدحمة بشكل متزايد".
إن المشاريع الكبيرة معقدة وصعبة، لكن المبادئ الأساسية ليست كذلك. خذ وقتك في التخطيط. وعند اكتمال الخطة، نفذ بأقرب وقت ممكن. حافظ على بساطة الأمور قدر الإمكان، باستخدام عناصر معيارية متكررة وتجنب المشاريع الأولى من نوعها في العالم التي تلفت الأنظار. الأهم من هذا كله، اسأل نفسك ما الذي تحاول تحقيقه قبل أن تبدأ. يجب على المرء أن يضع قائمة بهذه المبادئ لفهم سبب فشل السياسيين في احترامها في كثير من الأحيان.

الأكثر قراءة