الاستقالة الهادئة.. اتجاه حديث أم ثورة؟
متى أصبح مكان العمل ساحة معركة؟ متى أصبح رئيسنا هو العدو؟ أو ربما ليس العدو، لكنه يشابه بطريقة محزنة ديفيد برنت من مسلسل ذا أوفيس "المكتب"!
كما غنى موريسي ذات مرة، قبل إرساله إلى منفى المشاهير لأنه أصبح غير عصري من الناحية السياسية، الـ"عمل" كلمة مكونة من ثلاثة أحرف. من الناحية الثقافية، فإن مكان العمل يمر بأزمة، يعد نوعا من ملاجئ الفقراء قديما، حيث يتعين على الموظفين أن يكدحوا رغما عن إرادتهم وهم في حالة من الفتور والإحباط، وحيث يجب على الإدارة جذب الموظفين لعقد اجتماع تقدم فيه مشروبات مجانية وقطع من الكعك. مقالات نصائح العمل مليئة بالإرشادات المتعلقة بكيفية إعادة التفاوض على ساعات العمل والحصول على "التوازن" الصحيح.
على وسائل التواصل الاجتماعي، لا تزال الموضوعات الساخنة هي الاحتراق والاكتئاب، وكيفية إعادة اكتشاف "القوة الذاتية". الحياة عبارة عن لوحة لرؤية مستقبلية تلصق أحلامك عليها. أو لنستشهد بما قالته ميجان ماركل في مقابلتها مع موقع ذا كت الخاص بالموضة التابع لمجلة "نيويورك" عن الحياة خارج فقاعة وندسور، "أنت تملك القوة في داخلك لصنع حياة أعظم من أي قصة خيالية قرأتها من قبل".
كانت تشير بالطبع إلى حقيقة أنها أميرة، على الأقل في قلوب الناس وعقولهم. لقد تخلت عن اللقب الرسمي، وأي اهتمام بأداء واجبات الأميرة الفعلية، عندما انتقلت هي وزوجها إلى كاليفورنيا وتركا وراءهما كل هذه الحياة الملكية.
لكنها تؤمن بذلك وتملكه. ومن ليس له الحق في الحلم؟ الأمر لا يتعلق باللقب الفعلي، بل يتعلق بما تستحق أن تكون.
أفهم أن الموظفين غير سعداء، الرواتب تتبع مسار التضخم، وأسعار المنازل مرتفعة للغاية، وتجربة العمل من المنزل سمحت بإعادة تقييم كيف نقوم بعملنا وأين. هذه لحظة عصيبة بشكل خاص في مكان العمل في الوقت الذي تهدد فيه مجموعة من القطاعات بالإضراب وأثرت أزمة تكلفة المعيشة بشكل كبير في الخطط المالية.
أنا لا أتحدث بثرثرة فيما يتعلق بتلك الأزمة، ولا أجادل بأن الموظفين قد لا يكون لديهم مخاوف مشروعة. لكني أشعر بالاكتئاب بسبب ظهور العقلية، التي أججتها منصة تيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تمجد ثقافة الاستحقاق، وبذل الحد الأدنى من المجهود في العمل. انتشرت الآن "الاستقالة الهادئة"، كما صاغها أحد مستخدمي "تيك توك". يقول عن تغيير العقلية تجاه العمل، "أنت لا تستقيل مباشرة من وظيفتك. لكنك لم تعد منضما إلى عقلية الثقافة الصاخبة بأن العمل يجب أن يكون حياتك".
من المفترض أن تكون الاستقالة الهادئة أسهل إذا كنت تتعامل مع جداول البيانات أو تقوم بمهام أخرى مرتبطة بالمكتب مقارنة بمجالات العمل الأخرى. مع ذلك، أشعر بالفضول لمعرفة كيف يمكن أن تحدث الاستقالة الهادئة في بيئات العمل الأخرى التي يكون فيها معيار الحد الأدنى أكثر غموضا إلى حد ما. هل يستطيع رئيس الطهاة في مطعم الاستقالة بهدوء، مثلا؟ هل طعم الطبق وتزيينه جزء من التزام مهني أساس، أم سيتم اعتباره "جهدا إضافيا"؟
ماذا عن العاملين في مجال الرعاية الصحية؟ هل من المقبول عدم الاكتراث بمعاناة مريض إذا فعلت كل ما عليك فعله؟ هل يجب أن تظهر الممرضة عطفا أكثر عند تغيير الضمادة؟ أو تساعد أما لأول مرة ليس "واجبا عليها رسميا العناية بها"؟ هل من المتوقع أن يبذل الجراح مزيدا من الجهد لضمان حصولك على ندبة مقبولة الشكل؟ ربما يقص مصفف الشعر شعرك بكفاءة تامة لكن لا يجري أي محادثة خفيفة، أو يمتنع عن أن يرش رذاذ تصفيف الشعر بكمية أكبر. ثم مجددا، في الأغلب ما يشار إلى مصففي الشعر على أنهم يتمتعون بأعلى معدلات الرضا الوظيفي - إنهم مقتنعون بشدة بفكرة أن العمل يمكن أن يكون حياتك.
لطالما جلس المستقيلون بهدوء بيننا. في قديم الزمان، كانوا يعرفون بالكسالى. بخلاف ذلك، يوجد الشخص الذي يراقب الساعة، ذلك المتحذلق الكئيب الذي يقدم أداء هائلا في استغلال كل ثانية من ساعة الغداء وينهي عمله في تمام الساعة السادسة مساء. لكن في حين أن مراقبي الساعة يتمتعون بسمعة سيئة، فإن المستقيل بهدوء يتم وصفه باعتباره بطلا شعبيا للرجل العامل الحديث - وهو النظير المماثل في 2022 لسالي فيلد في فيلم الدراما الحائزة على جائزة الأوسكار نورما راي، إذا كانت نورما راي جالسة في مكتبها المنزلي بدلا من مصنع نسيج، ولا تتعامل مع الآلات بل تتنقل بتثاقل بين رسائل البريد الإلكتروني.
يقال إن الاستقالة الهادئة يجب أن تكون بمنزلة نوع من التقويم لثقافة العمل التي أصبحت سامة بسبب عدم تقدير تميز الموظفين أو مكافأتهم. لا أحد يرقد على فراش الموت يتمنى لو قضى وقتا أطول في العمل، كما يقول جميع مرشدي الصحة النفسية تقريبا. لكني لست متأكدة مما إذا كانت الفكرة أقرب إلى كونها ثورة. لطالما كان المستقيل الهادئ بيننا. تماما مثلما يوجد بيننا دائما "منجزون لمهام إضافية" يعملون بجد لتنظيف كل الفوضى التي خلفها الكسالى، ومن واقع خبرتي، أقل احتمالا للتذمر.
على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون من الطراز القديم السيئ، فإنني أعتقد أنه يجب أن نفخر بأداء المهام على أكمل وجه. هل أنا "من جيل طفرة المواليد" لدرجة أنني أعتقد أن العمل الذي يستحق الجهد ينبغي فعله على أكمل وجه؟ ما لم نكن جميعا في هذا معا، فإن حركة الاستقالة الهادئة لن تؤدي إلا إلى تفاقم تلك التصدعات في مكان العمل التي تضع احتياجاتنا الفردية قبل مصلحة الجميع.