رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطاقة في محور ميدان الحرب

"يجب منع بوتين من استخدام الطاقة كسلاح ضد الديمقراطية"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
ليس واضحا كيف يمكن للدول الصناعية السبع الكبرى، تنفيذ قرارها المشترك بوضع سقف لأسعار النفط القادم من روسيا. وبصرف النظر عن السبب المعلن، وهو تقليص إيرادات الدولة الروسية التي تمول الحرب الدائرة في أوكرانيا، فإن القرار بحد ذاته يثير الدهشة حتى عند أولئك الذي لا يحبون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لم يحدث في السابق أن اتخذت جهة ما مثل هذا القرار، كما لم يسجل التاريخ الحديث أن حددت الأطراف المستهلكة للطاقة أسعارا لمستورداتها. فالأمر كله يعود إلى معايير السوق ومستويات العرض والطلب، وبالتأكيد جودة هذا النفط أو ذاك، إلى جانب طبعا عوامل أخرى تتعلق برفع أو خفض الاحتياطات، وطبيعة التخزين، وغير ذلك من عناصر معروفة حتى عند غير المختصين.
بالطبع لم يتم بعد تحديد الأسعار التي تحدث عنها وزراء مالية "مجموعة السبع" في اجتماعهم الأخير. فالأمر ليس سهلا، كما أنه خاضع لردود حاضرة من الجانب الروسي، بما في ذلك إمكانية وقف إمدادات الطاقة لأوروبا نهائيا. المسألة معقدة جدا، ومعها مخاطرها الكبيرة، حتى أنه يمكن الاعتقاد بأن الغرب لا يملك في الواقع آليات تنفيذ قرار اتخذه للتو. بالطبع حضر هؤلاء بعض الأدوات الداعمة لهذا التوجه، ولاسيما تلك المتعلقة بالنقل والخدمات المساندة لعمليات الشحن، فضلا عن التأمين والتمويل. وكلها عناصر تحتاجها موسكو بالفعل، لإتمام عمليات التصدير ليس فقط تلك المتعلقة بالطاقة، بل بصادراتها الأخرى. ويراهن الغرب على هذه المسألة، لتفريغ محتوى أي رد انتقامي روسي على قرارهم بتحديد أسعار النفط.
تعرف القوى الغربية، أنه ليس أمام بوتين سوى سلاح واحد للوقوف في وجهها في هذا الميدان، وهو وقف بيع النفط لأي دولة تطبق سقف الأسعار. لكن ذلك سيزعزع بالطبع أسواق الطاقة حول العالم. وخطا الرئيس الروسي خطوة خطيرة قبل أيام بوقف نهائي لخط الغاز "نورد ستريم 1" عن العمل إلى أجل غير مسمى. بل تحدث المسؤولون الروس عن إغلاق كامل لهذه الخط الأهم بالنسبة للقارة الأوروبية، التي تحصل قبل الحرب في أوكرانيا على نحو 40 في المائة من الطاقة من الجانب الروسي. وهذا يعني، أن موسكو يمكنها أن تقلب الموازين في أسواق النفط العالمية، إذا ما نفذت بالفعل تهديداتها. وليس صعبا توقع ما سيحدث، عنما توقف دولة محورية على صعيد تصدير الطاقة كروسيا البيع لأطراف من أكثر الجهات استهلاكا للنفط والغاز عالميا.
وإذا كان هدف الدول الغربية عموما، كبح أسعار الطاقة عالميا، فإنها بقرار تحديد سقف أسعار للنفط الروسي دخلت المنطقة الخطرة، وربما كان سلاحا بفوهتين، الأولى نحو الخصم والثانية باتجاه حامله! فوقف الإمدادات الروسية يعني ببساطة ارتفاعا تلقائيا لأسعار الطقة عالميا، ما يضرب الحجة الأولى للجهات الغربية. وأما بشأن محاولات تجفيف المنابع المالية للرئيس الروسي من أجل الضغط عليه لوقف الحرب في أوروبا. فهذا الأخير يبيع بالفعل منتجات الطاقة لدول أخرى لم تنضم إلى محور الدول التي التزمت بالعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، وعلى رأسها الصين والهند، اللتان تتمتعان بالقدرة على الطلب دائما، كما أنهما تحصلان على "مكافآت" روسية عبر تخفيض أسعار الطاقة الواصلة إليهما من جانب البائع. ومن هنا، تبرز صعوبة واضحة أمام تنفيذ قرار تحديد سقف أسعار نفط روسيا. فإذا لم تنضم كل من نيودلهي وبكين إلى هذا المسار، ستكون هناك ثغرات واسعة أمام الجهات الغربية.
لا شك في أن أوروبا "الطرف الأضعف على مستوى الطاقة" ستدفع الثمن غاليا في حال فشلت مخططات "مجموعة السبع"، أو تعرضت للاختراقات. فالقارة العجوز مقبلة على فصل الشتاء الذي يرتفع فيه الطلب على الطاقة بأنواعها، وإذا لم تكن أمام الأوروبيين بدائل سريعة ومستدامة، فإن الأمر سيكون مختلفا تماما. وهنا تكمن المخاطر، مع غياب أي مؤشرات تدل على مواقف مرنة من الجانب الروسي بشأن المسألة الأوكرانية، بل هناك تفاقم كبير فيها، إلى درجة أن عاد مرة أخرى التلويح باستخدام السلاح النووي من جانب موسكو. كل شيء بات مرهونا بطبيعة المدخلات الفنية لتنفيذ القرار غير المسبوق حقا. وبصرف النظر عن التفسيرات الغربية "والغريبة" للقرار بما ذلك أنه لا يستهدف تخفيضات على أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، صارت الطاقة حاليا أكثر حشدا في المعركة كسلاح منذ بدء المواجهة الروسية - الأوكرانية.
لا بد من الإشارة أيضا، إلى أن مجرد الإعلان عن قرار "مجموعة السبع"، ارتفعت أسعار النفط الروسي بصورة لافتة، في حين تعاظمت المخاوف من موجة طلب هائلة ليس للاستهلاك فحسب، بل لتأمين الاحتياطي الاستراتيجي لكل دولة. وأيا كان شكل التوجهات في الفترة القصيرة المقبلة، لن تنجح الدول الصناعية السبع الكبرى، إلا بانضمام دول ذات قيمة حقيقية إلى خطوتها. ولا تبدو أن "الإشارات" الإيجابية التي وردتها من دول أخرى كافية. حتى أنها لم تعلن هويات تلك الدول، في وقت تحتاج فيه إلى أي دعم ولو معنوي لتوجه "مرة أخرى" غير مسبوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي