رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تأثير الفائدة واختلال العقارات

يتطلع المستثمرون في العقارات، بمن فيهم الأفراد الذي يملكون مساكنهم، إلى مستويات الفائدة، التي تؤثر سلبا أو إيجابا في السوق. فارتفاع تكاليف الاقتراض يعني تباطؤ هذه السوق، وجعل امتلاك مسكن ما أكثر صعوبة. في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أوصلت الحكومة البريطانية معدل الفائدة إلى 16 في المائة لحماية الجنيه الاسترليني المنهار آنذاك. ماذا حدث؟ أجبر مئات الآلاف من مالكي المنازل على تسليم عقاراتهم للجهات المقرضة، لأنهم لا يستطيعون تحمل دفع الأقساط الشهرية الواجبة عليهم. الأمر ليس كذلك بالطبع على الساحة الأمريكية، التي يحاول المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" فيها السيطرة على التضخم عبر رفع تدريجي للفائدة. صحيح أن مستويات الفائدة حاليا ضاغطة، لكن الصحيح أيضا أنها ليست مدمرة للسوق العقارية.
أمام المشرعين الأمريكيين معضلة جديدة أخرى الآن، مع إمكانية وصول مستوى الفائدة إلى 3.75 في المائة بنهاية العام الجاري. في الأعوام الثلاثة الماضية تضخمت أسعار المنازل 46 في المائة من حيث القيمة الاسمية، و28 في المائة من جانب القيمة الحقيقية، الأمر الذي يعد دفعا قويا للسوق العقارية كلها، وللحراك الاقتصادي العام. فارتفاع الطلب على المساكن، يعزز الاستثمارات والتوظيف والاستهلاك، وكلها عوامل محورية للنمو المنشود، الذي بات بعيدا الآن بفعل أزمة اقتصادية عالمية، ليس واضحا تماما في أي محطة ستقف. وبالطبع هذه المعضلة ليست سهلة. فلا يمكن تحريك سوق العقارات في أي دولة، في ظل فائدة مرتفعة. في الواقع كلما ارتفعت هذه الفائدة، انخفضت المبيعات، وتسببت في اختلال بين العرض والطلب.
وفي النهاية ليست هناك مساحة لتعزيز سوق الإسكان على الساحة الأمريكية، إلا بقيام "المركزي" بتخفيف سياسته التي تعد جديدة حقا. فقد اعتاد على أن تكون مستويات الفائدة عند حدود صفرية، لتعزيز النمو، وبعد جائحة كورونا، لمضاعفة هذا النمو بعد انكماش دام أكثر من عام بسببها. وفي العقود الماضية، ساعد الإسكان بالفعل على تحديد تقلبات الدورة الاقتصادية، فضلا عن أنه يرفع من نسبة مالكي العقارات عموما، وهو ما يعد نجاحا لأي إدارة أو حكومة، وهناك حكومات تراهن على وجودها في الحكم على هذا الجانب المرتبط مباشرة بالناخبين. الأمر اختلف تماما حاليا. فتكاليف التمويل آخذة في الارتفاع، ما يعني تراجع الطلب على العقارات بأنواعها، وزيادة تلقائية في المعروض، ومزيدا من الضغوط الاجتماعية أيضا.
والحق أن مشكلات الفائدة المرتفعة على قطاع العقارات لا تقتصر على دولة بعينها، لكن فيما يخص الولايات المتحدة، يمثل هذا الجانب محورا رئيسا في هذا الوقت بالذات، حيث تستعد البلاد للانتخابات النصفية، التي لا يفوز بها عادة الحزب الحاكم، فضلا عن الضغوط التي لا تتوقف بفعل الموجة التضخمية الهائلة. المشهد الآن يتلخص في الآتي: معدلات الرهن العقاري ونشاط إعادة التمويل، هما الآن في أسوأ أوضاعهما. لا ثقة لدى المستثمر العقاري الآن بالسوق، أو لنقل إن ثقته وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ 1980، ما يكرس حقيقة أن القطاع العقاري الأمريكي يمضي نحو مزيد من الارتباك في المستقبل المنظور على الأقل. وربما تكفي الإشارة هنا، إلى أن مبيعات المنازل الجديدة انخفضت في تموز (يوليو) 50 في المائة تقريبا. لا يبدو أن سياسة "المركزي الأمريكي" ستتغير على الأقل قبل نهاية العام الحالي، ما يعني أن الضغوط في ميدان العقارات ستتواصل، إلى أن يتضح مسار الفائدة الأمريكية. فحتى نسبة المنازل التي لم يكتمل بناؤها بعد، ارتفعت في الآونة الأخيرة نتيجة مصاعب التمويل وإعادة التمويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي