غياب الصينيين يجبر متاجر السلع الفاخرة على مراجعة حساباتها
على متن قطار يمر عبر الريف الإنجليزي، أعلن صوت امرأة تتحدث لغة الماندرين الصينية وصولنا إلى بيسستر فيلج، مركز متاجر المصممين بالقرب من أكسفورد. هناك، يقف الموظفون الناطقون باللغة الصينية مستعدين في متاجر الأزياء الفاخرة، بدءا من بربري إلى توري بورش، لكن اللغة الصينية لم تعد تسمع كثيرا بين المتسوقين.
اختفى السياح الصينيون الذين كانوا في يوم من الأيام المحرك الأكبر لمبيعات البضائع الفاخرة. اختفوا تقريبا من شوارع متاجر التسوق الفاخرة الأوروبية منذ إغلاق حدود الصين في 2020. ومع عدم وجود تاريخ واضح لعودتهم، يتعين على تجار التجزئة التوصل إلى طريقة للتكيف.
بدلا من بيع المنتجات للسائحين سريعي الحركة، يتعين على فرق المبيعات إبطاء وتخصيص خدماتهم للسكان المحليين الأكثر انتقاء.
إنه تحول كبير لقطاع كان يركز في السابق على خدمة السياح الصينيين. في العقد الذي سبق أزمة كوفيد، أصبح المستهلكون الصينيون دون منازع أكبر المنفقين على البضائع الفاخرة في العالم، حيث حققوا ثلث المبيعات العالمية "93 مليار يورو"، وفقا لشركة باين الاستشارية، لكنهم حققوا الثلث فقط من هذه المشتريات داخل الصين.
لقد أنفقوا ما تبقى من المبلغ على الرحلات إلى الخارج، ولا سيما في أوروبا، وكان المشترون الصينيون يشعرون أن الشراء من المتاجر الأوروبية الرائدة أكثر موثوقية، وأنه أرخص بكثير: يمكنهم التسوق دون دفع ضرائب باستخدام التخفيضات الأوروبية. ونتيجة لذلك، أصبح السياح الصينيون أكبر من ينفق على البضائع الفاخرة للفرد من بين جميع المسافرين، حيث شكلوا ثلثي مبيعات القطاع في أوروبا قبل كوفيد.
بحسب أكيم بيرج، الرئيس العالمي لقسم الاستشارات الفاخرة لدى شركة ماكينزي "كان حجم الإنفاق أكبر بكثير قبل الجائحة".
في 2019، مثل الصينيين ما يصل إلى 5 في المائة فقط من زوار المملكة المتحدة من خارج الاتحاد الأوروبي، وفقا لموقع فزيت بريطانيا، التابع لمجلس السياحة في البلاد، لكنهم مثلوا 32 في المائة من جميع عمليات التسوق المعفاة من الضرائب، وفقا لبيانات من شركة جلوبال بلو، شركة ضرائب التسوق السياحية، التي يتم استردادها.
قالت كلوديا دي أربيزيو، الرئيسة العالمية لقسم الأزياء والبضائع الفاخرة في شركة باين: "لقد حدد تجار التجزئة حقا تجربة التسوق حول السياح الصينيين". لم توظف متاجر التجزئة موظفين يتحدثون اللغة الصينية فحسب، بل ركزت عروض المخزون على المنتجات المفضلة لدى المشترين الصينيين، ولا سيما الحقائب التي يمكن أن يشتريها المسافر على عجل، بعكس الملابس التي يجب تجربتها.
كانت جينج جينج تشو، مساعدة المبيعات في مركز جاليريز لافاييت التجاري في باريس، واحدة من أولئك الذين تم توظيفهم قبل 2020. وقالت: "كان أفضل وقت لدخول صناعة المبيعات"، وأضافت: "عدد قليل جدا من الأوروبيين يتعلمون اللغة الصينية، لذلك كطالبة أجنبية يمكنك الحصول على الوظيفة، وتحقيق مبيعات رائعة، ثم الحصول على عقد دائم. أما الآن الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة لأصدقائي لدخول هذه الصناعة".
أكبر الأكشاك في مركز جاليريز لافاييت، من لوي فيتون إلى لونجشامب، لديها جميعا موظف واحد مناوب على الأقل يتحدث اللغة الصينية، لكن في هذه الأيام تستخدم تشو لغتها الفرنسية في الغالب. في الربع الأول من 2022، سافر 200 ألف صيني فقط إلى خارج الصين الكبرى، أي ما يعادل 1 في المائة من عدد الأشخاص في الفترة نفسها في 2019، وفقا لمعهد أبحاث السياحة الخارجية الصيني.
نمت المجموعات الفاخرة، مثل "إل في إم إتش" بقوة إيراداتها الإجمالية خلال الجائحة عبر المبيعات في الصين، لكن تعين عليها تغيير خططها في متاجرها الأوروبية لجذب مزيد من المشترين المحليين.
قالت دي أربيزيو: "إنها خطة مكلفة للغاية بالتأكيد. تم إنفاق أموال كثيرة على التدريب، لأن تجربة التسوق بأكملها قد تغيرت".
ساعد الارتفاع الأخير في عدد السياح من الشرق الأوسط، وكذلك الزوار الأمريكيين المدعومين بالدولار القوي، على ملء المتاجر. قال إدواردو سانتاندر، الرئيس التنفيذي للجنة السفر الأوروبية، إن قلة السياح الصينيين خلفت لدى كثير من متاجر التجزئة الفاخرة التي اعتمدت بشدة عليهم "شعورا كبيرا بالخسارة"، لكنها بذلت "جهودا ضخمة للتنويع".
خصص تجار التجزئة خدماتهم. خلال عمليات إغلاق كوفيد في أوروبا، تواصل موظفو المتاجر مع العملاء عبر تطبيق واتساب لتزويدهم بتوصيات برغباتهم الشخصية.
يرى بيرج "عودة محتملة إلى الفكرة القديمة لإدارة الخدمة والمتاجر، التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي. الكتاب الأسود الصغير الذي يحتوي على جميع عناوين العملاء وتفضيلاتهم". أضاف: "عليك أن تفعل أكثر من ذلك بكثير لجذب العملاء المحليين. يمكنهم العودة ولديهم المزيد من الوقت لقضائه في المتجر".
وفقا لتشو، المتسوقون المحليون في جاليري لافاييت كانوا "مهتمون بالتفاصيل". وأضافت أن السائحين الصينيين غالبا "لا هم لديهم بشأن المستقبل عند الشراء".
يتوقع محللو الصناعة أن يعود الإنفاق السياحي الصيني إلى مستويات ما قبل كوفيد بحلول 2025، لكن هذه التوقعات تعتمد على تخفيف التزام بكين التزامها الصارم بسياسة "صفر كوفيد".
ومن غير المرجح أن يكون المشترون الصينيون قوة مهيمنة في شوارع متاجر التسوق الفاخرة الأوروبية كما كانوا في 2019، بدلا من ذلك، يبدو أن كثيرا من قوتهم الشرائية ستظل في بلدهم.
خلال الجائحة، تحولت مشتريات المستهلكين الصينيين الفاخرة من 70 في المائة في الخارج إلى 70 في المائة في الصين، وفقا لمجموعة ياوك الاستشارية المتخصصة في أسلوب الحياة الراقي ـ مقرها شنغهاي.
قال تينج تشو، مؤسس مجموعة ياوك: "بعد كوفيد، توقعنا عودة الجيوش السياحية، مع عودة في الإنفاق الانتقامي، لكن في المدى الطويل، لن تعود المشتريات إلى 70-30، بل الأمر الأكثر احتمالا هو العودة إلى 60-40". وللتكيف مع هذا الوضع، يوسع تجار تجزئة البضائع الفاخرة وجودهم المحلي في الصين.
قالت تشو: "تتمثل الخطوة التالية في البحث عن مدن الدرجة التالية، خارج بكين وشنغهاي". بعد إغلاق ملحق في باريس أقيم للمتسوقين الصينيين، يخطط مركز جاليري لافاييت لافتتاح أول متجر له في شينزن 2023.
تراجعت مبيعات التجزئة في الصين في الربع الثاني من هذا العام بسبب سلسلة من عمليات الإغلاق القاسية في شنغهاي وبكين، لكن على المدى المتوسط تظهر التوقعات تزايد الهيمنة الشاملة للمستهلكين الصينيين على سوق البضائع الفاخرة العالمية.
في 2020، كان البر الرئيس الصيني السوق الفاخرة الوحيدة في العالم، التي تتوسع على أساس سنوي، وفقا لشركة باين. قالت تشو إن نسبة المبيعات العالمية للمواطنين الصينيين بلغت 46 في المائة في 2021. "في قلبهم، الصين هي السوق التي لن تتخلى عنها المجموعات الفاخرة".