الميتافيرس من الخيال إلى الواقع

الميتافيرس من الخيال إلى الواقع

قبل 30 عاما، اخترع كاتب الخيال العلمي، نيل ستيفنسون، مفهوم الميتافيرس. والآن، يعزم على بنائه على أرض الواقع. نأمل أن تكون مآثره البناءة أكثر ارتقاء من مخاوفه الخيالية – كان الميتافيرس الذي صوره في كتاب "سنو كراش" 1992 بوابة هروب إلى عالم افتراضي بديل من جحيم لوس أنجلوس في القرن الـ21. عاش بطل الرواية الرئيس، هيرو بروتاجنوست، في حاوية شحن، وعمل سائق توصيل للبيتزا، وحاول البقاء على قيد الحياة في عالم رأسمالي فوضوي وحشي مشوه بالاحتكاريين الخطيرين، والانهيار الاقتصادي، والتدهور البيئي.
لكن في مكالمة فيديو من منزله في سياتل، تحدث خلالها عما يجول في ذهنه حاليا بشأن الميتافيرس، شرح لي ستيفنسون نظرية أكثر بهجة حول الاستخدامات المستقبلية للتكنولوجيا. قال، "سنو كراش رواية بائسة ومحاكاة ساخرة للروايات البائسة في ذات الوقت. أعتقد بشكل متزايد أن التكنولوجيات، مع بعض الاستثناءات البارزة، ليست في الحقيقة بائسة أو مثالية. أما الناس فهم كذلك".
ستعتمد حقيقة ما إذا كان الميتافيرس جيدا أم سيئا على كيفية تطويرنا واستخدامنا له. يرى ستيفنسون أن الميتافيرس الواقعي – على عكس إبداعه الخيالي – يبرز باعتباره منصة الحوسبة الكبيرة التالية، نوع من الجيل التالي "للإنترنت ثلاثي الأبعاد". وهو متحمس بشأن إمكاناته كوسيلة جديدة غامرة للتواصل والترفيه من شأنها أن تفتح "فئات جديدة من التجارب". لكن الميتافيرس لن يزدهر بالكامل إلا إذا كان لا مركزيا، وقابلا للتشغيل المشترك، ولا يهيمن عليه عدد قليل من الشركات العملاقة، كما هي الحال مع الإنترنت الحالي. وهو نفسه يعمل على المشكلة الأخيرة، حيث يحاول بناء "الطبقة الأساسية لميتافيرس مفتوح".
إن مجرد ذكر الميتافيرس في الوقت الحاضر يكفي لإثارة السخرية المزعجة. ربطت شركة ميتا "المعروفة سابقا باسم فيسبوك" سمعتها المؤسسية بتطور الفكرة وراهنت بأكثر من عشرة مليارات دولار على إعادة ابتكار الواقع الافتراضي. لكن في الوقت الحالي، الصور الرمزية غير الواضحة للمؤسس مارك زوكربيرج لم تجذب حماسا ملموسا.
مع ذلك، يتحدث آخرون بحماس أيضا عن إمكانات الميتافيرس على المدى الطويل. في آذار (مارس)، توقع سيتي بانك أن خمسة مليارات شخص قد يستخدمون الميتافيرس بحلول نهاية هذا العقد، ما يؤدي إلى تغيير وجه التجارة الإلكترونية، والفن، والإعلام، والإعلان والرعاية الصحية. تتنبأ شركة سي بي إنسايت أيضا بأن قيمة سوق الميتافيرس قد تصل إلى تريليون دولار بحلول نهاية العقد.
يقول ستيفنسون إنه لا يهتم كثيرا بما تفعله الشركات الكبرى. بدلا من ذلك، يركز على الاحتمالات الإبداعية التي يستكشفها جيش موسع من مطوري الألعاب الذين يستخدمون محركات قوية بشكل متزايد. ويعتقد أن صناعة الألعاب قدمت بالفعل لمليارات اللاعبين تجارب جديدة في عوالم افتراضية ثلاثية الأبعاد وبالتالي أوجدت سوقا ضخمة. نتيجة لكل هذا الهياج الفكري، سيتطور مستقبل الميتافيرس.
على الرغم من عدم رضاه عن التفاصيل، إلا أن ستيفنسون يطور تجاربه الخاصة في الميتافيرس، رافضا أولئك الذين يرون أن ألعاب الحاسوب مجرد خيال هروبي. ويصر على أن كل مجتمع سعى منذ فجر التاريخ إلى الإلهاء والترفيه، وإن كان ذلك بأشكال مختلفة. فقد رسم الإنسان البدائي على جدران الكهوف، بينما كانت الطبقة البرجوازية في القرن الـ19 تستمع إلى الأوبرا الكبرى، والآن نمارس ألعاب الحاسوب. "لماذا (...) كانوا يرسمون على الجدران بينما كان من الممكن أن يكونوا في الخارج يصيدون الماموث؟".
ستكون إحدى المشكلات الكبرى بالنسبة للميتافيرس كيفية ضمان تفاعل كل هذه العوالم المختلفة. تعمل كثير من الشركات على هذا التحدي بما في ذلك شركة لامينا 1، شركة ناشئة في مجال البلوكتشين ـ ستيفنسون هو الرئيس التنفيذي والمدير الإبداعي للشركة. تهدف هذه الشركات لتوفير البنية التحتية الأساسية، والعقود الذكية، وأنظمة الدفع التي ستجعل الميتافيرس قابلا للتشغيل المشترك. لذلك، مثلا، سيكون من الممكن في المستقبل للمستخدمين نقل الصور الرمزية الخاصة بهم من بعد إلى آخر، مع أخذ هوياتهم وممتلكاتهم الافتراضية معهم – على الرغم من أنه قد يتعين عليهم التحقق من سيوف الليزر التي ظهرت في سلسلة أفلام حرب النجوم الخاصة بهم عند الباب، إذا دخلوا في لعبة تمثيل أدوار في العصور الوسطى.
وكما هي الحال مع كثير من شركات البلوكتشين، من غير الواضح تماما كيف ستجني شركة لامينا 1 الأموال. هل يمكن أن يحول ستيفنسون النبوءة إلى ربح؟ إنه أول من يعترف بصعوبة توقع المستقبل. قال، "سبب كون الترفيه صناعة رائعة للغاية هو أنك لا تعرف أبدا ما سيحدث. حتى أفضل الأشخاص المطلعين لا يمكنهم التنبؤ بما ستكون عليه الحال". يبدو أنه مقتنع بأن شيئا رائعا قد ظهر أخيرا في الميتافيرس، بعد 30 عاما من تخيله للمفهوم. لكن كما هي الحال دائما مع العملية الإبداعية، قد يتطلب الأمر تعليقا مؤقتا لعدم التصديق.

الأكثر قراءة