مديرون صغار السن .. تخبط أم فن؟

تعد تجربة التعامل مع مدير صغير في السن تجربة مميزة، قد تدعوك إلى الفخر وربما إلى الاستغراب. إذا تعاملت مع هذا المدير قد تخرج من تجربتك مغتبطا بشخص موهوب صنع قصة نجاح بجهد مضاعف وتعلم مسرع، وأسهم في محيطه بما هو أكبر من المتوقع، وقد تخرج منتقدا عجلته أو عجلة مديريه الذين وضعوه في هذا المكان قبل وقته، فعجز عن الفهم وأعاق الحركة وحرق نفسه. في نظري ما يستحق التوقف هو العدد المتزايد لهؤلاء المديرين، ليس من الغريب أن تجد من وقت إلى آخر مديرا أو قائدا وصل إلى ما وصل إليه مبكرا، لكن من اللافت أن يتزايد هؤلاء بشكل سريع جدا، بل ينخفض معدل الأعمار في هذه الوظائف بشكل متنام ومستمر.
لو افترضنا أن وظيفة ما، تتطلب في الأساس عشرة ـ 15 عاما من الخبرة حتى يصبح الشخص فيها مديرا للقسم أو لتلك الإدارة المختصة، سيدير فيها عددا من الأشخاص، ويتعامل مع إدارات مماثلة، ويكون مسؤولا عن دورة كاملة من الإجراءات وربما سياسة أو أكثر من سياسات المنظمة. ولا ننسى أن المسؤول هنا لن يكون أي شخص تجاوز عشرة أعوام من الخبرة فقط، وإنما تجاوزها ويملك من المقدرات الإدارية ما يؤهله إلى إدارة الغير. بطبيعة الحال تصنف هذه المستويات ضمن الإدارة الوسطى، ويكون من يشغل مسؤوليتها يملك الخبرة والمهارة المرتبطة بإدارة أعمالها وبإدارة أفرادها كذلك. فهو يملك معرفة فنية في مجاله لا يستهان بها، ويملك من المهارات الإدارية والقيادية ما يناسب مستواه ومن متطلبات التواصل مع الغير ما يؤثر ويتأثر به.
يحصل التحدي عندما ينال هذا المنصب شخص يملك ربما ثمانية أعوام من الخبرة، وينحصر الخطر هنا لو كان هذا الوضع في إدارة أو إدارتين من كل عشر إدارات داخل المنظمة. لكن إذا تغيرت هذه الأرقام قليلا، وأصبح المدير من أصحاب الأربعة أو الخمسة أعوام خبرة، وإذا أصبحت كل أو معظم إدارات الشركة بالوضع نفسه، فالتحدي جدا كبير والمخاطر هنا فعليا مرتفعة.
التكيف مع تحد واضح يتطلب مجموعة من المهارات الملائمة، لكن محاولة التكيف مع عدد كبير جدا من التحديات في الوقت نفسه قد يجعل المهارات تعجز عن التعامل معها. وهذا تحديدا ما يحصل لمستوى وطبيعة المخاطر التي تتراكم عندما تكون مثل هذه الظواهر مستشرية في أماكن العمل. عندما تنتشر الخبرات الضعيفة وتبنى عليها المنظمة يصبح البناء هشا، إذ ترتفع مخاطر النجاح والإنجاز، وترتفع مخاطر التنفيذ، وتنخفض كفاءة التواصل المؤثر، وتنخفض الثقة، ويتأثر الموظف الذي وضع في غير مكانه. الأثر السلبي يمتد إلى سلسة الإمداد وسلسلة صنع القيمة، فهذا الوضع يؤثر في المدخلات والمخرجات والعلاقات وكل ما يرتبط بالمنظومة.
من اللافت أن هذه الظاهرة ذات انتشار هرمي، فالتنفيذيون الشباب أصبحوا يتفاعلون مع مديرين شباب، والمديرون الصغار يتعاملون مع من هم أصغر منهم، وبالتالي يصبح الموظف الخبير "غير المدير" أقل خبرة، ومن أقل منه كذلك، وهكذا، فتكثر الفجوات وتتعثر الأعمال. وهذا الأمر لا يحدث بالاختيار فقط، بل إن ظروف سوق العمل تجبر المنظمات على هذه الاختيارات الصعبة والمكلفة. تصبح المشكلة مثل من يريد تشييد بنايات جيدة لكن تنقصه المواد الجيدة، فالطوب والحديد مهترئ وضعيف. لهذه الأسباب، أصبحت مسؤولية حل هذه التحديات مضاعفة، وتتطلب حلولا مبتكرة ومسرعات مؤثرة. لكن لأن المستهدف والمستهدف من قليلي الخبرة، فالخروج بالحلول صعب جدا. الأمر الذي نحن على يقين منه، بعيدا عن واقع المديرين الذين يتناهون في الصغر كل يوم، هو أن الهمم تكبر وتنمو، وهذا يبشرنا بخروج حلول قابلة للانتشار، أو نماذج يرتكز عليها للتعلم وحل هذه التحديات. ربما تسهم هذه المرحلة في بناء مسرع للقادة، على حساب المرحلة الحالية، لكن خدمة للمستقبل المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي