رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


نمو كبير وأرباح كبيرة

يعد إنفاق المستهلكين أو الإنفاق الاستهلاكي من أهم المؤشرات الاقتصادية على النشاط الاقتصادي في أي دولة، ويعكس الحالة العامة للثقة الاقتصادية، فالإنفاق الاستهلاكي هو ما تنفقه الأسر عموما لتلبية الاحتياجات اليومية، وهي الطلب الذي يدب في شرايين الاقتصاد ليجعل الشركات تعمل بنشاط ومن ثم كل عمليات التشغيل وسلاسل الإمداد، والتوظيف، وإنفاق الأسر يشتمل على شراء السلع غير المعمرة مثل البنزين والبقالة والطعام والترفيه عموما، وكذلك الملابس والخدمات بأشكالها المتنوعة، وهناك الإنفاق على السلع المعمرة.
وهناك عوامل عدة تحدد اتجاهات النمو في إنفاق المستهلكين، من بينها حجم الدخل المتاح، أي كمية الأموال اللازمة لشراء الأشياء التي يحتاج إليها، فزيادة الدخل تؤدي إلى ارتفاع الإنفاق، ومن المحددات كذلك حجم القروض التي يتحملها الفرد والأسر، وأيضا حجم الدين العام الذي يجد أثره في مستويات الضرائب.
هذه بعض المحددات والمفاهيم التي يمكن لأي قارئ مهتم بالاقتصاد أن يجدها اليوم في أي مرجع مناسب، لكن من الواضح أن التقنية الحديثة أوجدت وقدمت محفزات جديدة لتعظيم إنفاق المستهلكين، ومن أهم هذه المحفزات الحديثة نقاط البيع والتجارة الإلكترونية، وإذا كان الحديث عن نقاط البيع والتجارة الإلكترونية قد يمتد إلى أكثر من عقدين، لكنها لم تظهر أثرها الواسع في الأعمال واتجاهات المستهلكين، إلا مع أزمة جائحة كورونا التي أجبرت عديدا من الشركات الصغيرة على التخلي عن نماذج الأعمال التقليدية للتغلب على الإجراءات الاحترازية التي شملت الإغلاق، ولأن تقنيات المدفوعات جاهزة لتمارس دورها في نماذج أعمال فلم يكن الأمر بحاجة إلى أكثر من تطوير مهارات التجارة الإلكترونية وتتضمن تطوير سلال إمداد وأنظمة الدفع الإلكترونية.
وفي هذا الجانب تعد المملكة من أوائل الدول في العالم التي سعت إلى تطوير منظومة المصرفية الإلكترونية، وأتاحت كل وسائل الدفع المستخدمة وأصبح لديها اليوم ثلاثة بنوك رقمية محلية، وإجمالي البنوك المرخصة 35 بنكا، منها 11 بنكا محليا، وجميعها تقدم خدمات رقمية ومن بينها خدمات الدفع عبر نقاط البيع، ما يعكس قوة ومتانة وجاذبية القطاع المصرفي خصوصا، والاقتصاد السعودي عموما.
ويشير تقرير البنك المركزي عن نقاط البيع والتجارة الإلكترونية، إلى أن عمليات نقاط البيع قد بدأت منذ 1993، وكان عدد نقاط البيع لم يتجاوز 1274 نقطة، وبلغ عدد العمليات تسعة آلاف عملية بقيمة 16 مليون ريال، بينما أصبح عدد النقاط في 2021 أكثر من مليون نقطة بيع، وتجاوزت عملياتها خمسة مليارات عملية، بقيمة 473 مليار ريال. ولمعرفة أثر جائحة كورونا في اتجاهات المستهلكين في استخدام التقنية عند الدفع، يكفي معرفة أن عدد العمليات في 2016 كان 1.6 مليار عملية، وهذا النمو الضخم يعكس قضايا في غاية الأهمية على رأسها وضع التجارة الإلكترونية في السعودية وما تشهده من توسع، مدعومة بالتوجه الحكومي حيال التوسع في قطاع المدفوعات الإلكترونية والتحول الرقمي ضمن برنامج تطوير القطاع المالي، أحد برامج رؤية المملكة 2030 التي تستهدف زيادة حصة التعاملات غير النقدية بحلول 2025 إلى 70 في المائة.
لا شك أن التقنيات الحديثة في الدفع مكنت المؤسسات ذات العلاقة من جمع معلومات في غاية الأهمية بشأن اتجاهات الإنفاق، وبشكل أسبوعي، مثل هذه المعلومات كان يصعب جمعها بهذه الدرجة من الدقة، وتبين التقارير التي نشرت أخيرا عن تموز (يوليو) 2022 أن إنفاق المستهلكين في السعودية نما 10.2 في المائة "9.54 مليار ريال" على أساس سنوي، إذ بلغ نحو 102.97 مليار ريال، مقارنة بنحو 93.4 مليار ريال للفترة المماثلة من العام الماضي، كما بين التقرير أن الإنفاق على قطاع المطاعم والمقاهي بلغ 6.9 مليار ريال بنمو 24.1 في المائة. ووفقا لرصد وحدة التقارير في "الاقتصادية"، فإن إنفاق المستهلكين في السعودية سجل نموا سنويا للشهر الثاني على التوالي، حيث نما في حزيران (يونيو) بأعلى وتيرة منذ آب (أغسطس) 2021 بواقع 13.4 في المائة.
وكما أشرنا فإن هذا النمو في الطلب الكلي الذي تعكسه الأرقام الحقيقية عن إنفاق المستهلكين يعد إشارة واضحة الدلالة على ما يتمتع به الاقتصاد السعودي من ثقة ونمو قوي، وهذا يؤيده ما صدر من صندوق النقد الدولي عن توقعات بنمو الاقتصاد السعودي بشكل قوى في أفضل أداء تاريخي له منذ عقود، وهذه الثقة التي انعكست على سلوك المستهلك المحلي تأتي نتيجة كل جهود الإصلاح الاقتصادي منذ انطلاقة رؤية 2030، ومن اللافت في هذا السياق أن الإنفاق على قطاع "المشروبات والأطعمة" قد نما بنحو 12.5 في المائة لتبلغ المبيعات عبر أجهزة نقاط البيع نحو 6.77 مليار ريال، مشكلا بذلك 14.8 في المائة من الإجمالي، وفي الوقت نفسه نما الإنفاق على قطاع الترفيه والثقافة، وكذلك الفنادق بنحو 18 و14 في المائة، ليبلغ إنفاقهما نحو 1.2 مليار ريال و931 مليونا، وهذا الاتجاه يؤيد حالة الثقة بالاقتصاد السعودي، كما أنه يقدم مؤشرا على نجاح مستهدفات "الرؤية" في بناء قطاع الترفيه والسياحة في المملكة. فهذه الأرقام الكبيرة تدل على النمو القوي خلال هذه الفترة التي تمثل شهر الإجازات الصيفية، وتؤكد تغييرا قويا في اتجاهات السياحة والترفيه في السعودية، فهذه المبالغ كانت تنفق في الخارج في مثل هذه الأوقات من العام الماضي، لكن نجاح الخطط في تنمية هذه الأنشطة في الداخل السعودي مع التركيز على أهمية الاهتمام بالجودة ومراعاة متطلبات النظافة والجوانب الصحية وتقديم أسعار معقولة في المطاعم، أسهم في تحقيق هذه الأرقام المذكورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي