السرد .. زاوية مهمشة في السياسة النقدية رغم أهميتها

السرد .. زاوية مهمشة في السياسة النقدية رغم أهميتها

تركزت الأضواء الأسبوع الماضي على جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي. قبل عام، ألقى خطابا في التجمع الاقتصادي الضخم المعروف بمؤتمر جاكسون هول للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وتعهد بأن تكون ضغوط التضخم "مؤقتة".
تحدث صباح الجمعة مرة أخرى - ومن الواضح الآن أن هذه الرسالة "المؤقتة" كانت خاطئة تماما. من غير المؤكد ما إذا كان سيعتذر أو يعترف بالخطأ. لكن ما هو واضح هو أن أي أرقام يستشهد بها باول ستدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم نماذجهم الاقتصادية الكلية وتوقعاتهم.
وهو أمر معقول. لكن وسط جنون تحليل الأرقام هذا، يجب على المستثمرين أيضا أن يلاحظوا بعض الأبحاث المثيرة للاهتمام التي تدور قريبا من موضوع اجتماع جاكسون هول عن أهمية السرد في السياسة النقدية.
قبل عقدين من الزمن، كان هذا موضوعا لم يحظ باهتمام كبير في الاحتياطي الفيدرالي. بينما درس علماء الأنثروبولوجيا مثل دوجلاس هولمز مدى تأثير لهجة البنك المركزي وطقوسه في الاقتصاد، اعتاد الاقتصاديون على افتراض أن هذا أقل أهمية من النماذج الآلية.
مع ذلك، بعد الأزمة المالية في 2008، حث روبرت شيلر، الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، زملاءه على دراسة كيفية تشكيل "السرد" للشعور، وبالتالي الاتجاهات الاقتصادية. أحد التطورات المشجعة في الاقتصاد بعد الأزمة هو أن عددا متزايدا من اقتصاديين التمويل السلوكي الشباب استجابوا لنداء شيلر.
في العام الماضي، أجرى فريق بقيادة بيتر أندريه مسحا على عشرة آلاف أسرة و100 خبير اقتصادي، وخلص إلى أنه بينما يعزو "الخبراء" الاقتصاديون قفزات الأسعار إلى تقلبات الطلب الدورية، فإن المستهلكين يلومون قضايا العرض مثل سوء الإدارة الحكومية. هذا التصور، الذي يتأثر بشدة بوسائل الإعلام، يجعل المستهلكين يتوقعون تضخما أعلى لفترة أطول.
استخدمت مجموعة أخرى هذا العام بقيادة يونمياو هونج أدوات التعلم الآلي لتحليل سرد التضخم في 880 ألف مقال في صحيفة "وول ستريت جورنال". خلصت المجموعة إلى أن "التوقعات المستندة إلى السرد تؤدي أداء أفضل في التنبؤ على المدى الطويل" من النماذج الرقمية، على ما يبدو لأن النماذج الرقمية تفتقد الإشارات والتحولات الاقتصادية الدقيقة.
في هذا الشهر، أصدر تشاد كيندال وكونستانتين تشارلز بحثا حول تجارب نفسية مكثفة في كيفية إنشاء البشر لأطر تفسيرية لتشكيل البيانات الاقتصادية. يوضح البحث أن الناس يسعون دائما تقريبا إلى جعل المعلومات الجديدة تتناسب مع السرد الموجود مسبقا.
لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن شكل سردنا مهم، لأن "السرد ذا الهيكل المعين ربما يؤثر في تصرفات الأشخاص من خلال التأثير في المعتقدات الذاتية التي يشكلونها من البيانات التي يلاحظونها". بشكل أكثر تحديدا، تشير التجارب إلى أن روايات "الإقناع"، التي تقدم إطارات سببية خطية "أ يؤدي إلى ب، وب يؤدي إلى ج، وهكذا" لها أقوى سيطرة على عقول الناس. ما يسمى بسرد التهديد، الذي يصف كيف تتجنب قوى الموازنة حدوث نتائج معينة وتتسبب بها أيضا، يكون أقل فاعلية. يشير البحث أيضا إلى أن الناس يحبون "مشاركة سردهم المحلي مع موضوعات أخرى يتم إقناعهم بها بعد ذلك".
كل هذا له آثار عملية في باول، بالنظر إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه صراعا مريرا على نحو متزايد بشأن التضخم. بعض نقاد الاحتياطي الفيدرالي، مثل لورانس سمرز وزير الخزانة الأمريكي السابق، يروجون حاليا لرواية سببية واحدة - أن التضخم المتصاعد هذا العام نشأ بسبب السياسة النقدية المتراخية. هذا يعني أن أسعار الفائدة يجب أن ترتفع لوقف التضخم.
مع ذلك، يفضل مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي رواية سببية أخرى تفيد بأن الأسعار قفزت بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وصدمات جانب العرض. يشير هذا إلى أن الأسعار ستنخفض إذا هدأت الصدمة الأولية للحرب في أوكرانيا "أو عندما تهدأ"، أو تباطأ النشاط الاقتصادي أو كلا الأمرين.
هناك صراع سياسي أيضا، الجمهوريون يلومون إدارة بايدن على التضخم، والديمقراطيون يلومون الأحداث الخارجية. إحدى النتائج هي أن أبحاث مركز بيو تشير إلى أن 84 في المائة من الجمهوريين يعتقدون أن التضخم "مشكلة كبيرة"، لكن 57 في المائة فقط من الديمقراطيين يتفقون مع ذلك. هذا دليل واضح على سبب أهمية السببية السردية.
بالطبع، قد يلاحظ اقتصادي صادق فكريا أن كل هذه الروايات السببية المبسطة هي في الأساس خيالات، بالنظر إلى أن الظواهر الاقتصادية تنشأ من التفاعلات المعقدة في الاقتصاد. السرد السببي الذي قدمه البيت الأبيض حول قانون خفض التضخم هو أيضا وهمي إلى حد ما. في حين أن بعض التدابير في التشريع معقولة، من غير المرجح أن تؤثر بحد ذاتها في اتجاهات الأسعار على المدى القصير كثيرا، هذا إن كان لها تأثير أصلا.
لكن مشكلة باول تكمن في أنه إذا لم يقدم سردا سببيا مقنعا في جاكسون هول، فإن آخرين سيقدمونه بدلا منه. إن مجرد وصف ما حدث في العام الماضي، أو تقديم تفسيرات معقدة ومتنافسة، من غير المرجح أن يكون له التأثير الأكبر- أو يشكل المشاعر بالطريقة التي يحتاج إليها الاحتياطي الفيدرالي.
لذا، إذا كانت مهمتي هي كتابة خطاباته، سآخذ ورقة من كتاب بول فولكر وأقول إن التضخم سينخفض عندما ترتفع أسعار الفائدة، وأعد بمواصلة رفع أسعار الفائدة حتى يصل نمو الأسعار إلى مستوى معقول. لن يحظى ذلك بشعبية سياسية قبل الانتخابات النصفية الحاسمة. لكنها على الأقل رسالة واضحة تماما - أو ستكون واضحة إذا فعل الاحتياطي الفيدرالي ذلك.

الأكثر قراءة