في عالم تسوده التوترات الجيوسياسية .. ماذا تعلمت الدول من الجائحة؟
يقول خبراء الصحة إن التوترات الجيوسياسية والأموال المتضائلة تعرض العالم لخطر الانتشار الشامل لمزيد من الأمراض المعدية، مجادلين بأن الدول لم تتعلم دروس "حقبة الجائحة".
وأوضحت شخصيات بارزة في معركة احتواء جائحة فيروس كورونا إن الاستجابة المتداعية لتفشي مرض جدري القرود أظهرت أن الحكومات بحاجة إلى الحفاظ على أنظمة المراقبة والاختبار، بينما تستثمر في اللقاحات.
قال جيريمي فارار، مدير مؤسسة ويلكم ترست الخيرية للبحوث الطبية، التي تعد أكبر متبرع خيري في المملكة المتحدة، "في مسيرتي المهنية، نحن في أضعف حالاتنا على الإطلاق".
وأضاف فارار، "ليس لدينا أي فكرة عما يدور في مملكة الحيوان أو لدى البشر في معظم أنحاء العالم(...) لأن الجيوسياسية تعيق الطريق. وليس لدينا تعاون علمي، مثلا، مع الصين في الوقت الحالي أو مع روسيا" في أعقاب الحرب الأخيرة لأوكرانيا.
على النقيض من ذلك، أشار إلى أن الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قد عملا معا للقضاء على داء الجدري حتى في ذروة الحرب الباردة.
أوضح ريتشارد هاتشيت، الرئيس التنفيذي لتحالف ابتكارات التأهب للوباء، وهي هيئة بحثية عالمية، "لقد أسأنا التعامل مع الاستجابة لجدري القردة بشكل رهيب، ونحن الآن معرضون لخطر أن يصبح وباء متوطنا عالميا".
وقال هاتشيت، إن الفشل في طرح اللقاحات بسرعة مكن من تفشي المرض وانتشاره بسرعة، وهو أول حالة طوارئ صحية عامة أعلنتها منظمة الصحة العالمية منذ فيروس كورونا تتفشى بسرعة. إذ تم تسجيل أكثر من 36 ألف حالة منذ أيار (مايو).
جادل فارار بأن العالم لا يستطيع التعامل مع حالات تفشي الأمراض حيوانية المصدر كجدري القرود وكوفيد - 19 وإيبولا على أنها "نوبات منفصلة"، وألقى باللوم فيها على الاضطرابات البيئية والتجارة كالأسواق التي تبيع المحاصيل واللحوم الطازجة، والتجارة غير المشروعة بالحيوانات البرية.
بخلاف ذلك، قال: "سنواجه أوبئة أكثر تواترا وتعقيدا (...) فنحن نعيش في حقبة الجوائح".
لكن ماريا فان كيركوف، وهي أخصائية في الأمراض المعدية والقائدة الفنية لكوفيد - 19 في منظمة الصحة العالمية، قالت إن قدرات تسلسل الجينوم التي حفزتها الجائحة لم يتم الحفاظ عليها. وأضافت: "ما نراه في بعض الدول هو تفكيك تلك الأنظمة، وإلغاء تمويل تلك الأنظمة وتسريح القوى العاملة، وهذا أمر مقلق للغاية".
وأكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس هذا الشهر، أن التسلسلات المشتركة كل أسبوع انخفضت 90 في المائة منذ بداية العام، وانخفضت الدول التي تشارك هذه التسلسلات 75 في المائة.
وقال جيبريسوس إن الانخفاض جعل "من الصعب للغاية فهم كيف يمكن للفيروس أن يتغير".
وأشار هاتشيت إلى أن الدول الغنية يجب أن تساعد على تعزيز المراقبة في العالم النامي. فقد كان من الضروري أن تدرك "الدول ذات الموارد، وهي دول مجموعة السبع ومجموعة العشرين (...) أن من مصلحة الجميع الاستثمار في أنظمة المراقبة العالمية، وهذا شيء ضروري لأمن الصحة العالمي".
وبالمثل، أفادت إنجريد كاتز، وهي مساعدة مدير هيئة التدريس في معهد هارفارد للصحة العالمية، بأن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وإدارات الصحة العامة في جميع أنحاء الدولة، كانت "تعاني نقص الموارد ونقص الموظفين باستمرار طوال هذا الوباء".
رغم الموارد المحدودة، فقد قال الخبراء إنه تم إحراز بعض التقدم في محاولة الاستعداد للطوارئ الصحية.
أشار فارار إلى صندوق الوسيط المالي للتأهب للجوائح الذي أعلن عنه في القمة العالمية الثانية لكوفيد - 19 في مايو، التي تم فيها جمع نحو 1.3 مليار دولار قبل إطلاقه بشكل رسمي في الخريف.
قال إن الأموال ستدعم "تطوير القدرة المتزايدة على اكتشاف وإدارة موجات تفشي الأمراض على المستويين الوطني والإقليمي كجزء من أنظمة الصحة العامة القوية".
تعمل السلطات الصحية على تكييف استراتيجياتها لاحتواء فيروس كورونا مع استمراره بالتحور. فقد أصبحت المملكة المتحدة هذا الشهر أول دولة تصرح بلقاح كوفيد مخصص لمتحور أوميكرون. وتخطط الولايات المتحدة للموافقة على جرعات مصممة خصيصا للمتحورات الفرعية من أوميكرون بي إيه 4 وبي إيه 5 شديدة العدوى.
لكن هاتشيت وآخرين أكدوا أن التعامل مع مرض جدري القرود أظهر أن السلطات الصحية لا تزال من الممكن أن تظل مكتوفة الأيدي. وقال إن تفشي المرض نما إلى درجة أن ملايين الجرعات من اللقاحات المتاحة في جميع أنحاء العالم قد لا تكون كافية.
وأضاف هاتشيت: "لو تحركنا بسرعة أكبر بكثير، وبقوة أكبر بكثير، وفي وقت أبكر بكثير، أعتقد أننا قد نكون في موقف مختلف تماما".